دياب .. موهبة تمثيلية تفوقت على الغناء
كتب : مروان محمد
التمثيل من الفنون التي يحتاج صاحبها إلى مهارة أعظم، فالممثل فنان يقف أمام الطبيعة بأداوته التي هى حواسه كله، حواسه التي يترصد بها حركات الناس، يرى الفرحان والحزين والحائر والمهتدي والسعيد والشقي، وبحواسة اليقظة المتصلة بمركز الحركة والقادرة تماما على تسجيل حركة واحدة منها تغني عن جميع الحركات، ويستطيع الممثل الموهوب أن يقف وقفة الحائر مثلا على المسرح أو الشاشة في استرخاء أعضائه وزوغان عينيه وتقديم رجل وتأخير رجل فيغنيك هذا عن كلام كثير، فحركة واحدة من ممثل قادر تشخص لنا الموقف المطلوب، ويلتقط الممثل هذه الحركة من ملامح فصيحة لإنسان ما، أو لعله خلقها هو بقدرته الأصلية، ونحن حين نراها هنا نحس وقعها في نفوسنا، نحس أننا أمام الأصل لا أمام الصورة، لأننا أخذناها منه ثم رددناها إلى الطبيعة، احتكمنا إليها بسرعة فتقبلتها ولم تجد شيئا غريبا عنها فحكمنا على حركة الممثل بالصدق الفني وصفقنا له.
هذا الكلام الذي كتبه أديبنا الراحل “محمد عبد الحليم عبد الله” في كتابه “الوجه الآخر” ينطبق تماما على المطرب الشعبي “محمد دياب”، ضيفنا هذا الأسبوع في “نجوم على الطريق”، وذلك بعد أن ارتفع نجمه وعلا في السماء كممثل مؤخرا في أكثر من عمل فني في دراما رمضان عبر المواسم الثلاثة الماضية، ولعل أبرزها دوره في تجسيد أمين الشرطة “زناتي” في “كلبش 2017، و2018، والذي أثار الجدل حوله في تقمص الدور على نحو كتب له شهادة إجادة فن التمثيل الذي دخله من قبل عندما وقف أمام الكاميرا لأول مرة ممثلا في مسلسل “ساحرة الجنوب”، ومن ثم تفوق “دياب” في التمثيل بتجربة “كلبش”على الغناء الشعبي الذي يجيده أيضا، بل وحفر لنفسه اسما مهما في هذا اللون الفني.
ولد “محمد مبروك أبو الحديد”، الشهير بـ “دياب” بحي إمبابة، وحصل على مؤهل متوسط بسبب ظروفه المادية، ولم يستطيع إكمال دراسته، ولكن موهبته ساعدته في أن يتعلم على يد الملحنين الكبيرين “فاروق وصلاح الشرنوبي أصول الغناء، حيث بدأ مبكرا في سن الخامسة عشرة في الغناء بالمحلات والأفراح، إلى أن اكتشفه المنتج البارع والموهوب “نصر محروس“، وعرض عليه أغنية “غمازات”، وقام بوضعه في قالب المطرب الشعبي بالرغم من قدراته الفنية الكبيرة التي لم تقتصر على الغناء فقط، بل وصلت إلى التمثيل التي لم يكن محروس قد اكتشفها فيه من قبل، ولكونه يمتلك صفة ابن البلد ويشبه كثير من الناس في الشوارع، فقد وجد المخرج “أكرم فريد” أنه صاحب موهبة التمثيل والقدرة على التشكيل فرشحه في مسلسل “ساحرة الجنوب” عام 2015، في دور “هاني عدلي” ثم قدم بعدها أعمالا عدة في التلفزيون والسينما.
اشتهر “دياب” في بداية عهده بالفن بأداء الأغنيات الشعبية الخفيفة، وبمجرد أن أكتشفه المنتج والمخرج (نصر محروس) قدمه في ألبوم جماعي عام 2004 بأغنية (غمازات) والتي بسببها نال شهرة واسعة في عام 2010، ثم قدم أول ألبوماته المستقلة، ولأن “محروس” كان له وجهة نظر مختلفة، فهو يعرف جيدا قدراته الفنية، وهذه كانت المعضلة الكبيرة، لأنه طوع صوته لتقديم جميع الأشكال الفنية، ولم يحصره في شكل معين، ولهذا قدما معا في ألبوم بجانب أغاني “غمزات” و”العو” أغاني أخرى بأشكال مختلفة مثل الشرقي الطربي والصعيدي والهاوس، وهذه عبقرية “نصر محروس” في فهم خامة الصوت وتطويعها لأداء ألوان غنائية بعينها.
دياب الممثل تفوق على دياب المطرب الشعبى في مسلسل “كلبش”، بل أثبت من عمل لآخر أنه ممثل موهوب بجانب كونه مطربا محبوبا، فالشخصية التي قدمها خلال مسلسل “كلبش”، وهي شخصية أمين الشرطة الفاسد “زناتي”، استطاع من خلالها أن ينقل بالفعل صورة حقيقية لبعض أمناء الشرطة بالداخلية الذين يعيثون فى الأرض فسادا ويورطون بعض الضباط الشرفاء في قضايا معهم، وبعيدا عن واقعية الشخصية التي قدمها فقد استطاع المطرب الشعبي بأدائه البسيط البعيد عن المبالغة وبنظرات عينيه وتعبيرات وجهه أن يدخل قائمة المطربين الأكثر نجاحا في خوض مجال التمثيل، بل يكاد يكون “دياب” الممثل قد تفوق كثيرا على دياب المطرب الشعبي، وربما ساعده في ذلك أن مسلسل “كلبش” من المسلسلات التي حققت نجاح كبير لواقعية موضوعه وتكامل عناصر المسلسل من قصة محكمة ومخرج لديه رؤية وفريق عمل محترف.
ولقد أشاد كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بأدائه العذب في مسلسل أيوب بدور الشرير “منصور” تماما كما تفوق مؤخرا في دوره “مدحت” في مسلسل “فرصة تانية”، وفى البداية توقع الجميع أن إصرار دياب على تجسيد أدوار الشر سيورطه فى التكرار، ولكنه استطاع أن يبهر الجمهور بشخصيات مختلفة فى إطار الشر، ولم يسقط فى فخ نمطية الأداء التي تظهر على كثير من النجوم، وهو ما أدركه المشاهدون حينما رأوه مختلفا تماما فى مسلسلى “أيوب” و”كلبش”، فلم يكتف بتقديم تيمة الشر، بل دمجها بالكوميديا، معتمدا على كوميديا الموقف، دون إسفاف أو جرح للمشاعر الإنسانية، حاجزًا لنفسه مكانًا مميزًا فى قلوب الجماهير.
ومن المفارقات الجميلة واللافتة أنه فى أحد مشاهد مسلسل “فرصة تانية” يحدث شجار بين “مدحت” وزوجته “هبة مجدي” بسبب خيانته لها، إذ ضبطته متلبسا بمغازلة فتاة فى المعرض الذى يعمل به، وحينما عاتبته الزوجة وتطاولت عليه، قال لها في سرعة بديهة: “إنتى إزاى تخرجى بدون إذنى؟”، الأمر الذي جعل هذا الإفيه ينتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث احتفت الجماهير بـ “خفة دم” دياب، وقدرته على قلب الموقف بنوع من الذكاء واحترفية الأداء بلغة جسدة قادرة على التعبير بسهولة ويسر.
النضج الفنى الذى ظهر على دياب منذ دخوله مجال التمثيل في أنه أصبح ممثل مجتهد، وفي خلال ٥ سنوات فقط استطاع أن يصنع لنفسه قاعدة جماهيرية كبيرة، لدرجة أن البعض عبروا عن حبهم له بتشبيهه بأساطير فنية مثل “ستيفان روستى ومحمود المليجى”، ويرجع ذلك لأنه في الأساس شخصية جريئة، ولا يخشى الخوف، من الوقوف أمام الكاميرا، لأنه اعتاد عليها، بالنسبة له لا يعانيه هذا الأمر لأن الكليبات أعطته شجاعة، والعمل على الهواء مباشرة يمنح الفنان جرأة علي التعود في الوقوف أمام الكاميرا باستمرار.
أعجبتني جدا أجابته المقتضبة عند سؤال “دياب” عن المعايير التي سيعتمد عليها في خياراته التمثيلية المقبلة؟، قائلا: أن يشكل الدور إضافة لي، بغض النظر عن حجم الدور وبساطة التجربة، وأن يتمتع بالجودة ويكسبني شعوراً بالمتعة، لأن التمثيل بالنسبة لي هو متعة أكثر من كونه مهنة، وهو ماظهر جليا واضحا في مشاهده البديعة بالغة الأثر في دور “الشيخ سالم”، شيخ شباب بدو سيناء، كضيف شرف في مسلسل “الاختيار”، حيث عكس بطريقة فطرية ذلك الحس الوطني لدى أهالي سيناء بطريقة طبيعية تؤكد صفاء موهبته وقدرته على التحكم في أدواته، وحتى دوره الصغير في مسلسل “البرنس” الذي لعب فيه دور “قاتل مأجور” في إطار أدوار الشر، حيث نفذه بطريقة مثالية تعكس تقمصه الحقيقي لمثل تلك الشخصيات التي تتمتع بمواصفات خاصة لا يقدر عليها سوى ممثلين أكفاء، وعلى درجة عالية من الوعي بأهميتها في سياق الأحداث.. فتحية تقدير واحترام لـ “دياب” المطرب الشعبي القادم على طريق نجومية التمثيل بجدارة الموهبة.