الدراما السورية .. “رجوع الشَّيخُ إلى صباه”
بقلم : فراس نعناع
بعدَ ظُهُورِ مُصطلحِ “صحافة المواطن” وتغوله على وسائلَ التواصُل الاجتماعيّ، أصبحنَا نقرأ ما يكتبهُ ذلك المواطن بشتى صنُوف المعارفِ والعُلومِ والفتاوي، سواءٌ أحبننا أمْ لمْ نُحبّ، سَوَاءٌ أكانَ مُختصّاً أم لا ،فهو حقٌ مكتسبٌ له أفرزته الشَّبكة العنكبوتية، بعيداً عن القائمِ بالاتّصال الرَّسمِيّ، الذي فقدَ خاصيَّته. وأصبح المواطن نفسه القائم بالاتصال، ومقص حارس البوابة.
في موضوعة الدراما السورية، وطيلة أيَّامِ الشهرِ الفضيل “رمضان” قرأت العديد من مقتطفات وآراء الصحفيون المواطنون، وجُلهم غَير مُختصين. ولكن ما دمنا نتكلم عن عالم افتراضي، نحن مشاركون فيه، لابد أن نشاركهم ونتفاعل معهم بما يُحبُّون ويكرهُون، فهم جُزء مُهمٌّ من تلك التشاركية التفاعلية. وأحيانا تكون كتاباتهم و آرائهم، فيها شيءٌ من الأهميَّة، وأحياناً أهم من أي كاتب مختص، رغم أنني مع التخصص والعلم، لفت نظري كتابة أحدهم يقول:” بأن الدراما السورية تستعيد شبابهَا هذا العام.
أقُول: بالتأكيد لا. فهي لم تستعن بكتاب ( رُجُوع الشَّيخُ الى صبَاه،) ولا حتى ذهبتْ مع “جلجامش” إلى بحرِ دلمون للبحثِ عن عُشبة البحر، لاستعادة شبَابُهَا، الدراما السورية هي صناعة مثلهَا مثلَ كُلّ الصناعات السورية ، التي تأثرت بما جرى في البلاد. لكنها لم تتوقف عن الإنتاج كما الصناعات الأخرى، وإن قل الكم والكيف. فهي نتيجة منطقية، في ظل حربٍ من كل الاتجاهات .
عندما أنجز الأخوين لوميير اختراعهم بما سمي الكاميرا السينمائية سنة ١٨٩٥ في باريس، كانت مدينة حلب شمالي سوريا من أوائل المدن التي دخل إليها ذلك الاختراع سنة ١٩٠٨و سرعان ما انتقلت الى العاصمة دمشق سنة ١٩١٢ بعروض سينمائية بسيطة، غير ناطقة إبان الاحتلال العثماني لسوريا.
الاسكتلندي “بيرد” طور اختراعه “التلفزيون” مُنذ عشرينات القرن المنصرم، هو وماركوني إلى أن وصلَ بشكله المُنجز عام ١٩٤٦. كان لسوريا ومصر النصيب في إطلاقِ وانتشار البث التلفزيوني يوم ٢١ يوليو ١٩٦٠ في يوم واحد، إبان الوحدة أيَّام حُكم الرَّئيس الرَّاحل جمال عبدالناصر. حيث اهتمت سوريا كما مصر، بصناعتي السينما والتلفزيون، لما لهم من قُوةِ بالتأثير الجماهيري. من هنا نجد، بأن هناك صُناع أوائل ساهموا بخلق نواة لصناعة فنيَّة مُبكرة تواكب تطور مسار الحياة ، استمرت وولدت صُناع جدد ، بل ومهرة. ولكن بعد ازمة سوريا وحصارها من كل اتجاه، وبكافة السبل الممكنة والغير ممكنة،
أفرزت الحرب صناع ومشتغلون بالفن مشوهون ،طفيليون كما “البراميسيوم،” لذلك كان بعضاً من تلك الاعمالِ مشوهاً ومليئاً بالعاهات الفكرية والبصرية، لا يليقُ بتاريخٍ قدم من خلاله الفن السوري وصناعه، فناً نظيفاً وهادفاً ارتقى، ورفع سويَّة الذائقة لدى المتلقي السوري والعربيّ أحياناً. وبالمقابل هُناك مبدعون لم يتخلوا عن المحتوى الفكريّ والبصريّ، رغم كل الظروفِ والعوائق الصعبة، والشروط الإنتاجية المجحفة، كمسلسل “حارس القدس،” للكاتب “حسن.م.يوسف” والمخرج “باسل الخطيب” الذي لنا وقفة مطولة معه، في مقالٍ قادم. وهناك بعض التجارب البسيطة، التي يمكنُ الإشارة بالإصبع إليها.
بالتأكيد مرت صناعة الدراما السورية ومن يعمل بها بالكثير من العوائقِ، ويُقال بأن المُعاناة تولَّد الابداع، وإن لم يُولد ذلك الابداع فمن الأفضل أن تبقى في حالة مُراقبة وكُمُون . ريثما تحين شرارةٌ الابداع تلك، وتنطلق من تحتِ رماد الحرب، وتُولد من جديد كما طائر الفينيق.
بالتأكيد هناك جهود تُبذل لتستمر، ولكن هذه الجهود لا تكفي .فنحن نتكلم عن منتج إبداعي تلزمه ظروف وشروط مجتمعية صحية متعافية، لا مجتمع ومبدعون يعاني من أعباء مفرزات حرب فُرضت عليه.