مناجاة محمد ثروت .. غذاء للروح في رمضان
كتب : أحمد السماحي
الموسيقى غذاء الروح، ونحن جوعى من فترة، جوعى إلى غناء مصري حقيقي، وأصوات مصرية موهوبة، وموسيقى نابعة منا ومعبرة عنا، جوعى لغناء ديني أو عاطفي أو وطني راقي، يهز ويهذب مشاعرنا، خاصة بعد انتشار الفوضى الغنائية المسماه بأغاني المهرجانات، أوالأغنية الشعبية المبتذلة، جوعى إلى حفلات راقية تقدم غناء حقيقي، وأصوات طربية حقيقية، خاصة بعد إختفاء حفلات “أضواء المدينة” و” ليالي التليفزيون” منذ سنوات.
لكن كل هذا العبث الغنائي إنتهى لمدة ثلاث ساعات فقط ونحن نسمع ونشاهد حفل ” مناجاة 2″ للمطرب الكبير “محمد ثروت” ومعه كتيبة من الأصوات المبدعة هم “أحمد سعد، وائل الفشنى، ومصطفى عاطف، وإيهاب يونس، ومحمود هلال”، هؤلاء الأصوات التى أكدت على أن مصر ولادة بهذه الحناجر الذهبية التى ردت الأعتبار للغناء المصري.
وأعادتني هذه الليلة الساحرة المباركة إلى طفولتي فوجدت الطفل الذي بداخلي يستيقظ ويتفرج، الطفل الذي كان يسهر فى ليالي المولد، ويساهم فى حلقات الذكر، وينبهر بالشيوخ الذين ينشدون أحلى الإبتهالات، يترك كل ما فى يده ويجلس أمام “اليوتيوب” ليشاهد الحفل الجديد، لكي يستعيد ذلك الإحساس الطاغي بالبهجة الذي يشعر به وهو يشاهد “مناجاة أول مرة”، بل ويشارك بالغناء مع المطربين حتى ولو بصوت خافت لا يسمعه غيره.
ويكاد مع الفرحة يطير، لأن الحفل جعل الميكرفون يتراجع، والمسرح يهتز، ولم أكن وحدي الذى حس بهذا الشعور، فالجمهور في المنازل تجاوب مع “ثروت وسعد، والفشني ويونس وهلال وعاطف”، وهذا راجع لصدقهم وذوبانهم فيما يغنوه، إلى درجة دفعت الجمهور إلى ترك حياتهم، والمسلسلات التى يتبعونها، والجلوس أمام ” اليوتيوب” ليعيشوه هذه اللحظات الساحرة التى لا تتكرر كثيرا، لهذا حقق الحفل فى ساعات قليلة أكثر من 100 ألف مشاهد في بداية بثه.
ثروت يدعم مبادرة الرئيس
فى بداية الحفل قال المطرب “محمد ثروت”: كل سنة وأنتم طيبين، ورمضان كريم، لثاني مرة نلتقي على الهواء بدون جمهور فى مناجاة دينية، لكن الجديد هذه المرة أن المناجاة ليست على قناة “محمد ثروت”، لكن لتدشين وافتتاح قناة “حزب مستقبل وطن”، والأهم أننى جئت لأدعم المبادرة التى أطلقها الرئيس “عبدالفتاح السيسي” تحت عنوان “حياة كريمة”، لكل إنسان مصري، كلنا لابد أن نتفاعل مع هذه المبادرة، وأن نساهم فى إيجاد حياة كريمة لكل شخص، وأنا سعيد بمبادرة الحزب، فأهالينا غاليين علينا، وبدأ الحفل بأغنية “لأجل النبي” للمنشد الراحل “محمد الكحلاوي” التى تجلى وهو يؤديها.
سعد يبدع مع النقشبندي
بعدها قدم “ثروت” المطرب “أحمد سعد” الذي أعرب عن سعادته البالغة فى الاشتراك فى تدشين قناة “حزب مستقبل وطن”، والاشتراك فى حفل “مناجاة 2” لأن الغناء الديني هو الأحب إلى قلبه، وغنى رائعة “مولاي إنّي ببابكَ قَد بَسطتُّ يَدي … مَن لي ألوذُ به إلاك يا سَندي؟” للشيخ “سيد النقشبندي”، وأبدع وهو ينشدها بصوته القوي العذب.
عاطف ” يا أم البشاير”
وكان المنشد الشاب “مصطفى عاطف” هو ثالث صوت يعتلي خشبة المسرح، الذي دعم فى بداية فقرته مستشفي “بهية”، وطلب من جمهوره أن يدعم هذه المستشفي التى تعالج سيدات مصر بالمجان وبدون أي مقابل، لهذا تشهد زاحما كبيرا على العلاج فيها من سيدات مصر، وأرسل تحية لجيش مصر الأبيض من الأطباء والممرضات، وغنى طقطوقة شعبية جميلة ” للسيدة زينب رضي الله عنها بعنوان “أم البشاير” يقول مطلعها :
سيدنا الحسين مملكة، أما الحسن سلطان
والسيدة أختهم رئيسة الديوان، يا
أم البشاير والمدد، يا أغلى من الروح والولد”
محمود هلال منشد الشارقة
بعد “عاطف” قدم ” ثروت” المنشد الشاب “محمود هلال” الذي يشارك فى “المناجاة” لأول مرة، والذي فاز بجائزة منشد الشارقة في نسخته التاسعة عام 2016 ، والذي دعى فى بداية كلمته أن يرفع الله البلاء عن العالم، وأنشد ” أدركنا يا الله”.
يونس .. رمضان يا سيدنا
بعد “هلال” جاء الدور على الصوت الرائع والمنشد الجليل الشيخ “إيهاب يونس” الذى هنأ قناة “حزب مستقبل وطن” على افتتاحها، وقال: ما أحلى أن يكون التدشين بهذه الأصوات الرائعة، وتمنى أن يخرج الله الأمة العربية من هذه الأزمة على خير، بعدها صال وجال بصوته وهو ينشد أغنية بعنوان “رمضان يا سيدنا”.
الفشني يحيي أمهات الشهداء
بعد الشيخ ” إيهاب يونس” حي المطرب “محمد ثروت” الفرقة الموسيقية التى أمتعت الجمهور بعزفها الرائع بقيادة المايسترو الدكتور”علاء عبدالسلام”، وقدم المطرب والمنشد “وائل الفشني” الذي أدمع القلوب قبل العيون وهو يغني لأمهات الشهداء أغنية “ما دمعيش يا مايا” التى يقول مطلعها :
ما دمعيش يا مايا مت عشان أعيش
أوعاكي يامايا في يوم تأني وتزعلي
شوف العساكر جندي جندي وإسألي
ابني مات حي بقضاه
“لا” ابنك بطل مهما حصل ما دمعيش يا مايا.
وتوالت الأغنيات بين المطربين والمنشدين الستة، وكان من أبرز القصائد التى قدموها مع بعضهم فى الحفل بشكل رائع قصيدة ” البردة” للبوصيري التى يقول فيها :
محمد سيد الكونين والثقلين، والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ، أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته، لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به، مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ، ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم”
بعدها حيي “ثروت” القوات المسلحة الباسلة الشجاعة، التى هى مصر كلها، فالجيش والشعب يد واحدة، وأنهى كلمته بأغنيته الوطنية الشهيرة “مصر يا أول نور فى الدنيا” كلمات الشاعر الغنائي الراحل “عبدالرحمن الأبنودي” ألحان الموسيقار “جمال سلامه”، كما غنى “جدد الوصل” للشيخ “على محمود”، وأنشد أحمد سعد “قبضة الروح”، “عرفت الهوى”، وغنى وائل الفشني “وجال هكذا الدنيا وكل من عليها فان”، “أنا لو شكيت اللي بي للجبل”، وأمتعنا “عاطف مصطفى” برائعة ابن الفارض “قلبي يحدثني بأنك متلفي”، وأنشد الشيخ إيهاب يونس “مولاي”، وقدم محمود هلال أنشودة “كلنا عشاق”، واختتم الحفل المطربين الستة بأنشودة “روضة الهادي نبينا”.
ابداع أحمد ثروت وفريقه
ابدع المخرج “أحمد ثروت” فى إخراج الحفل وقدم على المسرح بالإضاءة والمؤثرات البصرية لوحة متحركة، وكأنما رسمها فنان ساحر باستطاعته أن يغيرها باستمرار بحيث لا تثبت على مشهد واحد، كل شيء متداخل فى كل شيئ، السحاب مع الإضاءة، مع اللون الأخضر الذي سيطر على هذه الليلة المباركة.
ومضت ساعات الحفل الثلات وكأنها لحظات سريعة، فالمسرح يأخذ بالألباب، والابتهالات يخفق لها القلب وتتهدج الأنفاس، وقد دهشت وفرحت أن يخرج هذا الحفل مجموعة من الشباب الواعي الذكي المطلع، ويستطيع أن يفهم التجديد فى المسرح بهذه الأصالة.
جدير بالذكر أن الحفل الأول كان تحت عنوان “مناجاة النصف من شعبان” قد تصدر ترند موقع “يوتيوب” فى مصر والعالم العربى بأكثر من مليون مشاهدة لايڤ، وآلاف التفاعلات والتعليقات، والذى شارك فيه المنشدين “إيهاب يونس ومصطفى عاطف ووائل الفشنى”.