محمد علاء .. صانع الشر بدهشة إبداعية
كتب : مروان محمد
مدهش بعفويته وبساطته، بتصرفه العادي والسلس، لا يتصنع طريقة أداء، ولا يبالغ في سلوك، يحافظ دوما على هدوئه طوال الوقت لإظهار براعته، فالحماسة تدفعه إلى هذه البراعة، بل وتجعله متألقا، وتمنحه الرغبة في إثبات الذات على جناح العفوية التي يتمتع بها، والتي تتيح له التصرف بحرية كبيرة، وبتحرر واضح من قواعد وتقنيات الأداء التقليدي الذي يخلو من المشاعر، لذا يبدو لك أداءه مدهشا في قدرة فائقة على كشف الانفعالات، مشوقا في بساطته الشديدة حين يلعب الشخصية المراد تجسيدها، حيث يعيش مسارها وتحولاتها حتى تبدو لنا في النهاية مثيرة للمتعة البصرية.
إنه الفنان الشاب محمد علاء، صانع الشر على جناح الدهشة الإبداعية، اعتمادا على مقولة المخرج الروسي “قسطنطين ستانسلافسكي” التي تشير إلى “أن الممثل الحقيقي هو الذي يندمج في دوره، فيعيشه بكل جوارحه الشعورية واللاشعورية، ويؤدي دوره عن طريق المعايشة الحقيقية القائمة على الصدق الفني، والإيمان بالدور الذي يؤديه”، ولاشك أن “علاء” هنا يعتمد كممثل اندماجي على قدراته الداخلية التي تتمثل في العقل، والإرادة، والشعور، والتخيل، والتخييل، والتحكم في دوافعه الداخلية الشعورية واللاشعورية، واعتماده الذاكرة الانفعالية على مستوى التخييل والتشخيص.
و”محمد علاء” في اتباعه هذا التكنيك الخاص في الأداء الذي يجنح نحو الحرفية، يحرص على مبدأ المعايشة الحقيقية القائمة على الشعور الصادق، والإحساس النابع من القلب والعاطفة والوجدان، وفي هذا السياق يقول ستانسلافسكي: “إن التمثيل الزائف للعواطف أو للنماذج، أو مجرد استخدام الحركات والإشارات التقليدية هما من الأخطاء الشائعة في حرفتنا، ولكن ينبغي عليكم أن تتجنبوا هذه الأخطاء المجافية للواقع.
ومن هنا تجد “محمد علاء لايقلد العواطف والقوالب، بل يعيش هذه العواطف وتلك القوالب، ويقترن هذا عنده بالصدق والمعايشة الحقيقية للدور الذي يمثله اعتمادا على التذكر الانسيابي، واسترجاع الحوادث الماضية التي لها صلة بالدور المشخص في قلب الدراما، وهو في ذلك ليس الممثل الذي يتصنع في دوره، ويؤديه أداء آليا سطحيا زائفا خاليا من الإحساس والمشاعر الصادقة، وينعدم فيه الإيمان الحي والحياة الواقعية الطبيعية، بل هو الذي يخلق روحا إنسانية في دوره ويتحقق لديه دوما الإيمان الصادق بتوظيف الأفعال الجسمانية الصادقة، وتشغيل العواطف المتقدة، وتفتيق الانفعالات النفسانية الحقيقية، وربطها بالخيال والخبرة والشعور.
ولعل شيئا من هذا القبيل سوف نلحظه جيدا في أداء “محمد علاء لعدة أدوار تمثل علامات بارزة في مسيرته الفنية، فهو يختار أدواره بتأن شديد، وهو يعد واحد من الممثلين القلائل الذين يبحثون عن قيمة الدور وليس مساحته، ومن خلال متابعتي له لاحظت أن كل يشغل تفكيره دائما مدى تفاعل شخصيته مع الخط الرئيسي للأحداث الدرامية داخل العمل الفني؛ لذلك يبقى دائما ما يختاره من أدوار يرتبط بالعمق والوعي الكبير في عدم الوقوع في اختيار شخصيات نمطية ومستهلكة، بل متنوعة على مستوى الشكل والمضمون، لذا تبقى أدواره مفاجئة لجمهوره في العادة؛ وذلك باختصار لأنها ترتبط بحالته التجسيدية التي تنبع من عقله الباطن ودواخله اللامحدودة في رسم مسار وحركة شخصياته التي لعبها في قلب الدراما المصرية خلال السنوات الخمس الماضية، وكتبت لها الإجادة والقدرة على التجسيد الحي.
“محمد علاء المعروف باسم (جاميكا)، ولد في مدينة حلوان عام 1982م، وكان عاشقا للعب كرة القدم، حيث لعب لصالح العديد من الأندية، منها اتحاد الشرطة، والمقاولون العرب في مرحلة الناشئين، الشرقية للدخان، لكن بعد إصابته ابتعد عن الملاعب تماما، أما عن هوايته المفضلة فهي الرقص والرسم، بعد التحاقه بالجامعة بدأت تجربته مع التمثيل، حين انتابه شعور جارف بأن هذا هو حلمه الحقيقي الذي يجب أن يبحث عنه، ومن هنا التحق بمعهد السينما العالي، وبعد انتهاء دراسته بدأ مشواره الفني ، على مسرح الشباب بالإضافة إلى الإخراج أيضا، وشارك في مهرجان المسرح العربي، واستمر في العمل متقطعا حتى حصل على دور في مسلسل (الرمال) بالصدفة عام 2004.
وحدث ذلك عندما كان ينشئ المنتج (طارق العريان) شركتين لاكتشاف الوجوه الجديدة واحدة للتمثيل والأخرى للموسيقى، ذهب (علاء) ليدخل هذا الاختبار، وكان مع وقتها مع إحدى الفرق الغنائية، وتم ترشيحه للقيام بدوره في مسلسل (الرمال)، ثم بدأ الاختلاط مع كثير من الممثلين المشهورين الذي ساعدوه كثيرا، وكان أول دور رئيسي له في فيلم (واحد صفر)، وفي هذا يقول في أحدى المقابلات أنه كان مقتنع أن على الممثل أن يقبل بأي دور، لكن اكتشفت أن على الفنان عليه أن يختار دوره بعناية، ومن ثم فقد ابتعد عن التمثيل لمدة ثلاث سنوات، بسبب إنه رفض تقديم أي أدوار، فقد أصبح يفكر في الدور وأهميته، وأنه لابد أن يختار دوره بعناية، وبدأت العروض الفنية تعرض عليه، فهو ليس من النوع الذي يذهب للمخرجين والمنتجين من أجل دور .
بدأ (جاميكا) في المشاركة في أعمال تلفزيونية عديده وناجحة منها دور (سامح) في مسلسل الحارة عام 2010م، بطولة سوسن بدر وكريمة مختار و سلوى محمد علي وصلاح عبد الله، وقدم دورا آخر في مسلسل (المواطن إكس) ، لكن دوره مع الفنانة غادة عادل في مسلسل (سر علني) كان من الأدوار التي حققت له قدرا من الشهرة، وبعدها سافر خارج البلاد لمدة عام واحد، لكنه لم يستطيع الاستمرار خارج مصر، وبعد عودته اتصل به مخرج مسلسل (أعلى سعر)، فقد تم الاتفاق معه على تجسيد دور مدرب الرقص، نظراً لأجادته الرقص الحديث على المسرح، لكن بعد قراءته للعمل اعتذر عن الدور، فهو لن يقدم دورا إلا وأن كان مؤثرا في العمل، ويترك بصمة في عقول المشاهدين .
ويعد دور (على) في مسلسل سابع جار كان واحد من القفزات المهمة في حياة (محمد علاء)، وربما ساعده في ذلك أداءه التلقائي بصدق وواقعية أكسبته أرضية كبيرة عند الجمهور، فضلا عن الجدل الذي أثاره المسلسل جراء علاقته الغريبة مع زوجته التي اشترطت عليه أن تقتصر فترة الزواج على الإنجاب فقط، ولغرابة العلاقات المتحررة الموجودة في هذا المسلسل حصل على نسبة مشاهدة عالية، ومن المفاراقات أنهم عرضوا عليه الاختيار بين دورين (أحمد أو علي) حتى استقر الاختيار على تقديم دور (علي)، فهو الأقرب له، ونجح في تقديم الشخصية كثيرا وأحبها المشاهدين، ثم حصل على دور الصيدلي (زياد) في (أنا شهيرة أنا الخائن) عندما كان يقوم بالتمثيل إحدى مشاهد مسلسل سابع جار، فقد صادفه المخرج أحمد مدحت ، وأتفق معه على أن يقدم دور زياد في المسلسل، وبعدما قرأه وافق على أخذ الدور، كان سعيد بهذا الدور، فهو دور جديد بالنسبة له، فيه الكثير من الحزن والشجن.
تسبب هذا الدور بالقلق له، لأنه أول دور يقدمه بهذا الشكل، الذي جعله يعيش هذه القصة ويتقمصها، صديقه الذي كان يعيش نفس التجربة، فقد لاحظ صديقه فقد أصبح دائم الانحناء والنظر إلى الأرض، شديد الخجل ( مش قاعد راكز)، فقد كان من أصعب الأدوار الذي تقمصها، خاصة وهو يعترف لشهيرة بحبه، وقد لاحظت أنه ممثل له تكنيك خاص في الأداء، حين لعب هذا الدور على نحو يتسم بنعومة شديدة مع لمسات رومانسية حالمة غاية في الروعة، وقد برع في تجسيد حالة الحيرة بين فتاتين إحداهما قريبة له، والأخرى زميلة دراسة وترأسه في العمل.
ويعد عام 2018 هو عام الانطلاق الحقيقي له بمسلسل “اختفاء” الذي شارك بقوة في نجاحه على جناح النوستالجيا والغموض، لكن عام 2019 هو الأكثر إضاءة في حياة “محمد علاء، حيث قام بلعب أدوار مهمة في ثلاثة مسلسلات في موسم رمضان هى (حرملك، قمر هادي، زي الشمس)، وأول هذه الأعمال المسلسل التاريخي (حرملك)، وجسد خلاله دور (سليم بيك)، وضم المسلسل أكثر من 60 ممثلا، من بطولة جمال سليمان، سلافة معمار، ودرة وباسل الزار ونبيل عيسى، وتم تصوير المسلسل بعدد من الدول منها الإمارات ولبنان وتركيا، كما قدم (علاء) دورا متميزا من خلال مسلسل (قمر هادي) مع النجم هانى سلامة، وذلك بعدما وقع اختيار المخرج رؤوف عبد العزيز عليه، لتقديم أحد الأدوار المحورية خلال المسلسل، وثالث الأعمال مسلسل (زي الشمس) الذى حقق فيه علاء ظهورا خاصا.
ثم خاض (محمد علاء) تجربة الشر لأول مرة في مسلسل “طاقة حب” عام 2020، الذي يعد عام النجومية حيث جسد من خلال دور نصاب احترف تزييف المستندات، واعتاد التحايل على القانون في الاستيلاء على الشركات المالية، وهو ربما أهله للعب دور “ياسر” الأخ الذي يتسم بثبات انفعالي رغم أنه شخصية مهزوزة وتابع طول الوقت لشقيقه “فتحي”، في مسلسل (البرنس)، لكنه هنا امتلك قدرة فائقة على التميز في أدوار الشر بتكنيك يعتمد على برود الأعصاب بملامح حادة وأداء هادئ حمل طابع الغموض، بحيث أصبح واحد من أقوى أدواره في مسلسل يعد المسلسل الأكثر مشاهدة وإثارة للجدل في المارثون الرمضاني 2020.
يبدو لي في النهاية أن (محمد علاء) صاحب أسلوب خاص في الأداء الصادق على نحو مؤثر للغاية كما بدا لي في (البرنس) حين أسمعنا نبضات قلبه المصحوبة بالتأثر العاطفي لـ (فدوى)، حينما كان يحكي لـ (رأفت)، فعلي الرغم من الشر الزائد عن الحد الذي يسكنه بقوة، إلا أن وجهه بدا معبرا للغاية وتلك هى الحركة المعبرة عن الاحساس العاطفي، فالجبين البارد واليدان الساخنتان التي ظهرا بهما كانتا نتيجة للتأثر ليست بالتأكيد صوته المكتوم ولا حركته المكبلة بقيد شقيقه “فتحي”، لكن جهده الحقيقي الخلاق نقل للمشاهد رسالة تتجاوز نطاق صوته وحركات جسده، ومن هنا نستطيع القول براحة تامة أن (محمد علاء) ليس نجما قادما على الطريق فحسب، بل محترف حقيقي في صناعة الشر بدهشة إبداعية.