جمال القاهرة كما سجلتها كاميرا دراما رمضان
بقلم : محمد حبوشة
حين تهب نسائم الصيف وأنت جالس في بيتك الآن لابد أن تنتابك العديد من المشاعر والانفعالات المصحوبة بمشاعر متباينة، وحتما سيقفز في ذاكرتك على الفور مشاهد متناثرة تشعرك بالحزن على تلك الأيام الخوالي في رمضان من كل عام، حيث كان ليل قاهرة المعز – الموحش حاليا – يحظى بكثير من الزخم والفعاليات والطقوس التي كان يستمتع بها المصريون، فقد كان ليلهم القاهرى مرصعا بالنجوم الفضية التى كانت تسطع فوق صفحة النيل الخالد فى شموخه وبهاء إطلالته المتنوعة لتفضي لنهار عفي مفعم بندى الصباح، عبر الكورنيش الممتد بانسيابية وتلقائية تحنو بظلالها على ملايين المصريين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، فالغنى والفقير كان فى ليل القاهرة ونهارها سواء فى إحراز متعة النسائم، وبريق الموج الناعم حين يلمع فى العيون التواقة للمناظر الخلابة من أقصى جنوب القاهرة “منطقة حلوان ” حتى شمالها فى منطقة ” شبرا الخيمة “.
وبالطبع سوف تأسرك تلك الوجوه السمراء بملابسهم المتواضعة التى لاتخلو من لمسات فنية، تبدو فى كثير من الأحيان كلوحة تشكيلية غنية بالألوان التى تعكس البراءة والرضا، وفى ركن منها يبدو الأطفال يركضون فى خفة مثل الفراشات التواقة للضوء، تلك هى الملامح التي تسكن لوحة القاهرة كنوع من الـ “لاند سكيب” أو “الطبيعة الصامتة” كما صورتها كاميرات الدراما الرمضانية الحالية عبر أرصفة الشوارع المزدانة بالأشجار تتخلل فروعها وبين ثنايا أوراقها أضواء خافتة تصنع ظلالاً من البهجة والطمأنينة على تلك الوجوه، سرعان ما تزيل صخب زحام النهار، وتكسر حدة سخونة شمس الظهيرة القاسية المصلوبة على رقاب العباد طوال يوم كامل من الشقاء والتعب.
هذا الكرنفال الذي كان يبدو كسيمفونية عشق لكل ما هو جميل وخلاب في نيل القاهرة، أو في عمق المدينة الصاخبة، حيث تتعانق الأنوار الملونة كاللآلىء المنثورة على صفحة ماء النهر حين تختلط بنسمات الهواء ووجوه المكلومين من البسطاء، كلها كانت مظاهر يستمتع بها بسطاء مصر وميسوريها على وجه السواء، فبمجرد أن كانت تغرب شمس النهار فى رحلة وداع قرصها القرمزى عند الأفق البعيد مختفية بين التلال والتخوم ذاهبة لمثواها الأخير خلف أهرامات الجيزة، تشرق حياة أخرى من نوع جديد على إيقاع الليل فى هديله مثل الحمام حين ينفض عن جناحيه بقايا الكسل، ويبدأ تناجيه المحبب لقلوب العشاق والحيارى فى دنيا الهوى والغرام.
نيل القاهرة في صيف هذا العام – بحسب الأحداث الدرامية التي تتنوع ما بين الاجتماعي والنوستالجيا والرومانسي والتاريخي مطعم بالبطولة – يبدو أكثر جمالا من خلال بعض المشاهد الفاصلة – على صمتها الموحش في ليل غربة حظر التجوال – التي تتخلل الأحداث حين تسلط أضواء كاشفة عن جمال القاهرة من أعلى سواء، لتؤكد أن النيل ليس صانعا لسحر الطبيعة الرائعة فحسب، بل هو المتنفس الوحيد الذي يجذب العديد من الأسر والسائحين العرب والأجانب الذين يحلو لهم قضاء لحظات من النزهة ومتعة الشراء، فتجد حوله التجمعات في أي موقع يطل عليه، عبر امتداده الذى يتلوى كثعبان جامح من شبر الخيمة بمحافظة القليوبية حتى حلوان، وعلى الجانب الآخر الممتد من امبابة إلى الجيزة فى مسافة تزيد عن 40 كيلومترا، وقد زاد من جمال كورنيش النيل تلك التوسعات الجديدة ، فهناك سور جديد مبني على الطراز القديم و”برجولات” خشبية، فضلا عن إضافة بعض الأنوار الملونة التي تلف الأشجار فتكسبها رونقا وجمالا ًمن نوع خاص.
ليل القاهرة كما صورته الدراما الرمضانية في مسلسلات “البرنس ، بـ 100 وش، لما كنا صغيرين، الفتوة، فرصة تانية، خيانة عهد، ونحب تاني ليه”، وغيرها من أعمال أخرى هنا يعوضك عن النهار شديد العداء ، وهو ربما كان لايبدو فى بعض الأحيان ودودا ًو لكنه محتمل، ليته يعود الآن، إنه الجمال الذي تشتهيه و يترفع عن طاعتك لتستمتع ليس بكامل المتعة التى تنشدها في ظل جائحة كورنا، بل إن تلك المشاهد ستذكرك على أية حال كيف كنت تحظى بالمشروبات المنعشة في حديقة غير مزدحمة أو كوفى شوب يؤمه بقايا المثقفين والمناضلين فى زمن الحريات التى أصبحت بلا سقف، أو في مقهى متواضع لازالت تقدم فيه المشاريب المصرية الخالصة والمتنوعة، مابين الشاى والقهوة والأعشاب المتعددة الفوائد تستطيع، حتما سيمر بذاكرتك كل تلك المشاهد التي أصبحت الآن من الماضي، حيث كنت تختلس على الأقل لحظة واحدة في كل مكان أمضيت فيه جزءا ً من ليل القاهرة دون أن تشعر بأنك مرفوض هنا أو كونك ضيف ٌ ثقيل.
وحدتك في ليل القاهرة هى الباقية الآن، بعد أن أصبحت بمثابة تكفيرعن كل سيئاتك، هو مداهمة الحنين إياك حتى تعود شاباً يافعاً مراهقا ً يشتاق لكل شيء، ولأشياء ربما لا يستطيع تسميتها، وكأن ليل القاهرة كان بمثابة فتاة تقتحم عليك عالمك لتحيطك بأسئلة لا تنتهي وتختفي فجأة، كأنها تعطيك الفرصة للتفكير في كل تلك الأسئلة، و لكنك لا تصل لإجابة أبدا ً، هى حالة أشبه الآن بلحن ٌ شديد الحزن لا تستطيع تذكر تفاصيله، وهو أن تجد نفسك غريبا وحيدا ً في ميدان التحرير الفارغ المفرغ شديد الاتساع بلا أدنى أمل في العودة إلى سابق ماضيه الصاخب أيام فورات الغضب، لتنال بعضا ً من النوم استعدادا ً لنهار قاهري ٍمعاد ، هو أن تتذكر مدينتك الودودة فتردد :” أنا آت ٍ إلى ظل عينيك آت”.
الحديث عن أجمل المشاهد على نيل القاهرة لايخلو في مشاهد الصمت التي تتسرب عبر الأحداث الدرامية في رمضان 2020 في بوح أو همس عن تلك المنطقة المواجهة لمبنى الإذاعة والتلفزيون، حيث كان يزدحم الرصيف بالمشاة الذين ينتظمون في كتل بشرية يصعب اختراقها، إنهم أولئك الراغبون في القيام بالرحلات النيلية عبر مرسي “ماسبيرو”، وكانت تعد هذه الرحلات من أجمل السهرات التي يقبل عليها السائحون العرب خصوصا وبعض الأسر المصرية عموما، ولا سيما خلال شهر رمضان الفضيل، حيث يحلو السهر وتكون الفرحة فرحتين.
كما أن أصحاب المراكب المتوقفة عن الحركة حاليا كانوا قبل جائحة كورونا يقومون بجهد ملحوظ في تزيين مراكبهم بالأنوار، مع انبعاث الموسيقى والأغنيات الشعبية والجديدة لمطربى ومطربات مصر والعالم العربى، مشرقين ومغربين وخلايجة، من خلال أجهزة الكاسيت المصاحبة لهم، وفى المقابل لماسبيرو كان يمكنك الاستماع بمشهد ليل القاهرة من أعلى منطقة فى القاهرة من فوق برج الجزيرة الذى يزيد من سحر الأضواء المتلألئة، من خلال عدسات مكبرة لكافة أنحاء القاهرة وميادينها وشوراعها وحتى حاراتها وأزقة الضيقة التى تراها بوضوح من فوق هذا البرج العتيق.
آه منك ياليل القاهرة حين كانت تتخذ الأسر مواقع مميزة جدا على النهر، حيث يفترش أفرادها المساحات الخضراء الواقعة بين روض الفرج وعمارات “أغاخان” الشهيرة، كذلك في المنطقة الواقعة بين “وكالة البلح” وحتي “ميدان التحرير”، وتعد هذه المساحات كانت من أكثر المناطق ازدحاما ليلا، نظرا لأنها متنفس الأحياء الشعبية مثل بولاق أبو العلا، بالإضافة إلى امتداد ساحل شبرا، وبالطبع كان يجد الباعة هنا متسعا للرزق في هذه المناطق، حيث تباع المشروبات الساخنة وتنتشر عربات حمص الشام والمشروبات المثلجة، كما تنتشر عربات الذرة المشوية والمسليات، فضلا عن السميط والبيض والدقة، وهي من الأكلات الشعبية المصرية التى تناسب أجواء ليل القاهرة.
ويظل “الحنطور” الذي توقفت عجلاته وسكت حصانه عن الصهيل منذ أكثر من شهرين من وسائل النقل الخفيف للاستماع بالمشاهد المميزة والرئيسة لليل القاهرة على إيقاع خطوات الخيول مع أغنية “النهر الخالد” لمحمد عبد الوهاب، وكانت تعد هذه النزهة من الرحلات المفضلة للسائحين خاصة العرب والأجانب الذين كان يحلو لهم أن يراقبوا عن كثب حركة الخيول وهى تجر عربات الحنطور فى دلال وتيه، تعزف أنشودة مميزة على إيقاع خطواتها الواثقة عندما تصتك حدواتها بالأسفلت، ومشهدا كهذا يعتبر من ضمن الفلكور المصرى المميز، و يعد من أجمل وسائل السير على النيل، خاصة في المنطقة الواقعة بين “ميدان عبد المنعم رياض” و”كوبري قصر النيل” الذى يرقد فى مقدمته أسدين وفى نهايته اثنين أخريين.
وحتى في ليل القاهرة حين كنت تدلف بسيارتك أو مشيا على قدميك نحو قلب ليل القاهرة فإن أهم مواقع السهرات في مصر كانت هى كباري القاهرة التي أصبحت مناطق جذابة، وكانت وزارة السياحة قد حرصت على وضع لمسات جمالية تليق بها ، خاصة كوبري قصر النيل الذي يمثل إحدى تلك اللمسات التى تعد غاية في الجمال على خريطة سهرات الليل القاهرى الفاتن والمسكون بالبهجة ، فهو علاوة على أنه مرتع البسطاء وألبوم ذكريات العرائس والعرسان الذين يحرصون على التقاط صور تسجل هذه المناسبة فى ليلة الزفاف، فهو يعد من الأماكن المفضلة لهواة الصيد الذى يتراصون على جانبي الكوبرى، إلا أن الزحام كان يحول دون إمكانية البقاء طويلا قبل أن يهجره رواد المتعة الآن في ظل حظر التجوال.
دقائق معدودة فقط كان يختطفها المشاة من متعة النظر إلى القاهرة عبر هذا الكوبري العتيق المعروف بأسوده الرابضة فى مدخله وآخره منذ سنين طويلة فى دعة وشموخ، والبعض كان يفضل الجلوس في المساحة الخضراء حول تمثال سعد زغلول المواجه للبوابة الرئيسة للأوبرا، فضلا عن أن بعض الشباب والفتيات والأسر الذين كانوا أيضا يتخذون من المنطقة المجاورة لحديقة الأندلس أماكن للمتعة والراحة، كل كان يبحث عن متنفس له حول أقدم الكبارى فى تاريخ المحروسة.
وهناك كوبري 6 أكتوبر الذى يربط بين القاهرة والجيزة من ميدان الدقى حتى مدينة نصر ومرورا بالعباسية ومصر الجديدة، والذي احتل مشاهد كثيرة في قلب دراما رمضان رغم أنها حاليا يعاني من الهجر والهجير، بعد أن كانت مواكب الأعراس تمنحه بهجة مميزة جدا، حيث كان يهوي العرسان التقاط الصور فوقه، بما يتوفر فيه من اتساع عن كوبرى قصر النيل، وكذلك كوبري الجامعة، والأخير يعد أكثر هدوءا بسبب موقعه والوجود الأمني المكثف فوقه نظراً لأن سفارة إسرائيل كانت تطل عليه من ناحية الجيزة.
تذكرك مشاهد الطبيعة الصامته في قلب الدراما الحالية بتلك اللحظات الجميلة حين كنا نتجه شمالا نحو كوبري الساحل، حيث تجد هناك ليل أكثر خصوصية لما يتمتع به المكان من سمات شعبية لدى المصريين وبعض السياح العرب، الذين يقطنون منطقة أغاخان الشهيرة بشققها الفاخرة المطلة على الكورنيش، إنهم قد عرفوا طريقه منذ ثمانينات القرن الماضى، وأدمنوا الاستمتاع بالنيل من فوقه، وكان الباعة يتسثمرون جاذبية الكوبري لعرض ما لذ وطاب من المشروبات الساخنة والباردة، وكذلك حمص الشام والذرة المشوية والترمس والفول السوادنى، والآخيرين مرتبطان بحكايا العشاق والمحبين التى تضرب بجدوزها فى عمق الفلكلور، كما تحكى لنا أفلام السينما المصرية منذ قديم الأزل.
ولم يسقط من الذاكرة خلال تلك المشاهد لليل القاهرة الساحر في دراما رمضان ذلك الكوبري الذي يربط بين حي إمبابة الشعبي وحى شبرا الشعبى أيضا، والمطعم بطبقة أرستقراطية حديثة، ويعد هذا الكوبرى الذى شهد سنوات طويلة من التعديل والانشاء حتى نهاية تسعينيات القرن الماضى من أطول الكباري الموجودة على نيل القاهرة، واستخدمه المصريون من الطبقة الوسطى كمتنزه شعبي نظرا لقربه من منطقتين تعد الأكثر تكدساً سكانياً فى القاهرة ، وأصبحت مكانته كمتنزه صيفي وشتوى لا تقل عن أهميته لعبور السيارات القادمة من الوجهين البحري والقبلى، خاصة أنه يتميز برصيف عريض يسمح بجلوس أسر بأكملها.
فضلا عن الأسرة التي تتخذ من سياراتها مكانا لقضاء وقت ممتع واحتساء المشروبات المصرية اللذيذة، وأصبح من المشاهد المألوفة فوق هذا الكوبرى وغيره من أماكن النزهة الليلية أن تري السيارات مفتوحة الأبواب يطل منها أصحابها ويشهد الليل جوانب من الثرثرة المحببة حول شئون العيش والسياسة وآخر أخبار الفساد والثورة ومسيرات الإخوان وغيرها من شئون وشجون بالإضافة لجديد السينما والأغانى .
وقد كان للشباب أيضا حظ وافر في الاستمتاع بالسهر في ليل القاهرة، لدرجة أن مناطق بأكملها اشتهرت بجذب فئات عمرية معينة، منحوها بدورهم طعما خاصا مثلما يحدث في شارع جامعة الدول العربية، حيث كان يتجمع الشباب من أعماروجنسيات وطبقات مختلفة بطول الشارع الممتد من ميدان “سفنكس” إلى مدخل شارع السودان، ويتركز التجمع الشبابي حول المحلات الشهيرة، والتى تخصصت منذ زمن في صنع عصائر الفواكه الطازجة والآيس كريم الطازج، حيث يقف الشباب بجوار سيارتهم لتناول المشروبات فضلا عن انتشار السيارات الثابتة التي تبيع الساندويتشات وأكلات “التيك اوي” والتى بدورها تتفوق على المطاعم الكبرى، وتنافسها فى الجودة والأسعار.
صحيح أن منطقة المهندسين كانت تعد من أكثر مناطق القاهرة احتفاءً بالليل، لكن شارع “عباس العقاد” بمدينة نصر كان يعد شارعا شبابيا جدا هو المنطقة الجاذبة فى هذا الحى لكثرة عدد زائريه والمتنزهين به مستمتعين بالكوفى شوب، وكانت تعد مقاهي الإنترنت هى الأكثر انتشاراً بجوار المقاهي السياحية التي تعد القاهرة عاصمة لها نظرا لكثرة عددها، الذي يزيد حاليا على الألف مقهى حسب آخر الإحصاءات.
وعادة ما كان زبائن تلك المقاهي ينتمون لمختلف الفئات العمرية، إلا أن الشباب يغلبون عليها في فصل الصيف بعيدا عن هموم الدراسة فى المدارس والجامعات التى تبتلعهم لأكثر من ثمانية أشهر، وكانت تقدم بعضها فضلا عن المشروبات التقليدية الساندويتشات والشيشة التى كانت قد انتشرت مؤخرا بمعدلات مذهلة خلال السنوات الأخيرة قبل أن يوقفها الحجر الصحي الإجباري، وهى فى ذلك كانت لاتفرق بين الشاب والفتاة ، وبعضها يحتوي على طاولات “البلياردو وتنس الطاولة” التي يهواها الشباب بعد أن أصبحت النوادى – الخاوية الآن – مزدحمة – آنذاك – بالرواد الذين يقدرون على دفع عشرات الآلاف من الجنيهات للحصول على إشتراك بها.
يا إلهي .. ما أجمل تلك الذكريات التي طوتها صفحة كورونا لأجل غير مسمى، حين كان يأتى صوت الشيخ محمد رفعت رافعا آذان المغرب فأن ذلك يعني أن رمضان يطرق أبواب القاهرة الفاطمية القديمة بعاداتها وتقاليدها العريقة التى تتنوع فى وسائل العيش التى تناسب أجواء شهر الرحمة والغفران، وهذا يعنى أننا سنحصل على سهرات رائعة في أحضان “قاهرة المعز”، عبر جولة بين أزقة وحواري “الجمالية” موطن نجيب محفوظ و”الدرب الأحمر” ،و”تحت الربع” ،و”الغورية” ، حيث كانت تختلط روائح المسك بالعطارة في تركيبة غريبة تأخذك إلى دنيا ساحرة لا يشعر بها إلا من يداوم على هذا الجو الذي يعطيه “براحًا” في النفس، مع المشاهد الروحانية المنبعثة من الجامع الأزهر، ومسجد الإمام الحسين رضى الله عنه، وكذا المسجد العتيق الذى يقبع أعلى قلعة صلاح الدين الأيوبى فى شموخ نادرا ماتراه فى الشرق العربى، وكان قد بني على غرار الطراز المعماري للمسجد الأزرق باستطنبول في نركيا.
إنطلاق مدفع الإفطار وصوت آذان الشيخ “محمد رفعت” في رمضان أو غيره من أشهر السنة الهجرية، هذه الخصوصية المصرية التي كانت تأخذ الناس إلى موائد الطعام، وتصبح بالنسبة للقاصدين قاهرة المعز إيذانًا بالانطلاق نحو أجواء شفافة تهذب القلب والعقل معا، إنها سياحة روحية تخلتط فيها روائح الأطعمة بالكنافة والقطائف وغيرها من حلوى وروائح البخور والعود والعنبر، وتلك الطقوس تجعل ليل القاهرة موصولا بنهارها المفعم بأجواء التوتر والعصبية التى يصعب معها السير فى الشوارع، وتزيد البركة فى عمليات البيع والشراء.. كلها مظاهر تسكن الآن لوحة القاهرة في صمتها المريب بين أحداث الدراما الحالية، نتذكرها فقط عبر مشاهد متناثرة تكشف عن وجع انتاب ذاكرة المصريين.
وعلى الرغم من الأجواء القاهرية التي كانت مشحونة بالغضب الإخواني الذي يسعى لتشويه صورتها بقى كل مامضى من ليل القاهرة ونهارها، تبقى واحة رحبة فى دروب المتعة في ليلها المسكون بروعة المكان وعبق الزمان وفيضان النيل الذي مازال يجرى متدفقا بمائه العذب، مسافر زاده السحر والحب والجمال في انتظار عودة جديدة لمتعة جديدة في ليل ونهار القاهرة الساحرة العامرة بالحب والطمأنينة والسلام في ظل أزمتها الطارئة حاليا.. اللهم فرج كربة القاهرة وإعادتها لسابق عهدها، زاهرة عامرة بالحب والطمأنينة والأمن والأمان.