بقلم : محمد حبوشة
فنانة موهوبة، ذات ملامح مصرية خالصة، أحبت التمثيل والفن منذ صغرها، وبزغ نجمها خلال شهر رمضان الماضي 2019 في دور “صدفة” المدمنة التي لفتت الأنظارإليها بفضل اجتهادها وعملها على الشخصية من خلال بروفات عديدة، حيث التقت بمدمنين داخل مصحات ومتعافين حتي تتقن تقديم الشخصية، وهى في ذلك تتبع أسلوب “بريخت” في نظريته الشهيرة في التكنيك الخارجي، والتي يقول فيها: “يجب على أن الممثل ألا يؤدي دوره كما لو كان يجسد الشخصية التي يمثلها، بل بوصفه راوية يسرد أفعالا قام بها شخص آخر في زمن سابق، فالممثل إذا أراد أن يؤدي دور إنسان يتألم، يفعل ذلك بمعزل عن تقمص للشخصية “وكانه يقول للمشاهد: “انظر! هذا الشخص الذي أؤدي دوره يتألم، وهذا يعني أنه لايسمح للممثل أن يتقمص الشخصية بصورة كاملة، بل إنه يعرضها ويصور طريقة تصرفها بقدر معرفته بالناس، من غير أن يوحي أنه قد تقمص الشخصية بصورة كاملة، إنه ملزم فقط بعرض الشخصية، لا أن يعيشها.
وهذا ما فعلته بالضبط ضيفتنا في باب “نجوم على الطريق” هذا الأسبوع، الفنانة التي تألقت مؤخرا “هاجر الشرنوبي” في عدة أدوار كتبت لها الصعود بثقة نحو النجومية ولعل أبرزها دور “فلة” فى مسلسل “كفر دلهاب” التي كانت أهم شخصية قامت بتجسيدها خلال الأعمال الفنية التى شاركت فيها، والتى عرضت جميعها فى المارثون الدرامى الرمضانى 2017، ومن المفارقات الغريبة أنه بسبب شخصية “فلة العفريتة” تعرضت للكثير من المواقف، منها اللقب الذى تم إطلاقه على ابنها يوسف فى المدرسة وهو “ابن العفريتة”.
ولدت “هاجر الشرنوبي” في الإسكندرية، والدها مصطفي الشرنوبي، وعميها الملحن فاروق الشرنوبي وصلاح الشرنوبي، وابنة عم الممثل الشاب والمطرب محمد الشرنوبى، ورغم انتمائها لعائلة فنية إلا أنها ترفض الاعتماد عليها في الوصول للنجومية، وقدمت أول تجاربها كممثلة في طفولتها من خلال مسلسل “حنين وحنان” مع الفنان العالمى الراحل عمر الشريف، وذلك في مصادفة يندر حدوثها حيث ذهبت مع صديقة لها يفترض أنها كانت ستشارك في هذا المسلسل، لكن عين المخرجة “إيناس بكر” وقعت عليها، وقامت بجعلها تصور مشاهد قليلة جدا في هذا المسلسل، ثم شاركت في فيلمي plan B (خطة بديلة) مع الفنان خالد النبوي، و”برد الشتا”، وهو الأمر الذي شجعها على التفكير في امتهان التمثيل في المستقبل، وبالفعل دخلت المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل واخراج، وأيضا تخرجت من كلية الأداب قسم علم النفس.
انضمت “هاجر” إلي “فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية” في بداية التحاقها بالفن، وعملت بمجال الإعلانات في بداية حياتها أثناء الدراسة بالمعهد، لكنها ابتعدت فترة عن التمثيل لمدة تزيد على تقترب من الـ 10 سنوات، بسبب فترة زواجها وحملها ولادتها، ووجود صعوبة في التوفيق بين عملها واهتمامها بالمولود الجديد، مما جعل من الصعب التفرغ للقيام بأي عمل، وبعد عودتها كان أول عمل فني قامت به هو “الحصان الأسود” مع الفنان أحمد السقا، وكان للمخرج أحمد خالد موسى دورا مهما في عودتها مرة أخرى للفن، بينما كانت تحضر أحد العروض المسرحية بمعهد الفنون المسرحية، وساعدها على التقديم للتمثيل.
ورغم أنها وصلت إلى آخر مراحل اليأس حينها فإنها فوجئت باتصال يدعوها للمشاركة في مسلسل “الحصان الأسود”، والذي قامت فيه بدور زوجة الفنان “محمد فراج” وفي نفس الوقت شاركت أيضًا في مسلسل “كلبش”، والذي قامت فيه بدور أخت الفنان “محمد لطفي”، وبعد ذلك تعاقدت على مسلسل “الحلال” من تأليف سماح الحريري، وبطولة سمية الخشاب وبيومي فؤاد وفادية عبد الغني ويسرا اللوزي، وإخراج أحمد شفيق.
وبعد “الحلال” بدأت تتفتح الأبواب أمامها أكثر، فشاركت في “نسر الصعيد”، بطولة: محمد رمضان، وسيد رجب، ودرة، وعائشة بن أحمد، ووفاء عامر، ومحمد عز، وعايدة رياض، ومها أبو عوف، وتأليف محمد عبد المعطي، وإخراج ياسر سامي، حيث جسدت دور زوجة “صالح القناوي”، الذي قدم شخصيته الفنان محمد رمضان، ولديهما ابن وهو “زين”، الذي جسد دوره أيضا محمد رمضان، وتتوفى “هاجر” في الحلقة الثانية من المسلسل، لكنها تترك جرحا غائرا في نفس “زين” الذي تولت الزوجة الثانية لـ “صالح” الفنانة وفاء عامر تربية منذ صغره والوقوف بجانبه في أزماته ومشاكله حتى صار ضباط للشرطة.
في عام 2018 كانت سنة سعدها الفني، حيث شاركت “هاجر الشرنوبي” في مسلسل “رسايل” بطولة مى عز الدين، خالد سليم، أحمد سعيد عبد الغنى، أحمد حاتم، رامز أمير، وأخرون، تأليف محمد سليمان عبد المالك، إخراج إبراهيم فخر، وشاركت أيضا في نفس العام فى بطولة مسلسل “سك على اخواتك” بطولة على ربيع، إخراج وائل إحسان ، كما شاركت بعد ذلك في أعمال درامية أخرى مثل “سرايا حمدين” بطولة سامح حسين، راندا البحيرى، محمد ثروت، إيناس مكى، أحمد حلاوة، إيمان السيد، عماد رشاد، مصطفى أبو سريع.
لكن دورها في “كفر دلهاب” يظل العلامة البارزة في مسيرتها الفنية، حيث اشتهرت بدور العفريتة “فلة” الذي أثار الكثير من الجدل في المسلسل مع باقة من النجوم مثل يوسف الشريف، وروجينا، ومحمد رياض، وهادى الجيار، ومحمود حجازى، وهو من تأليف عمرو سمير عاطف، إخراج أحمد نادر جلال، ولعل شخصية “فلة العفريتة” التي لعبتها في هذا المسلسل عرضتها للكثير من المتاعب، خاصة وأن تجسيد هذه الشخصية كان يستلزم ارتداء قناع يحتوى مواد تجميلية كثيرة طوال أحداث المسلسل، مما ترك أثر في رقبتها ظلت تتعالج منه طويلا.
“هاجر” لفتت الأنظار أكثر في عامي 2019 و 2020 من خلال عدة أدوار مهمة لعبتها في فيلم “رأس السنة” ومسلسلات “بنت القبايل، طاقة حب، أفراح إبليس، بلا دليل، لمس أكتاف، حواديت الشانزليزيه، لآخر نفس، الشارع اللي ورانا”، وأخيرا مسلسل “ليالينا 80” الذي يعرض في رمضان الحالي، فضلا عن لعبها دورا مهما على خشبة المسرح في رواية “حمام الست” مع النجم محمد عز، وهى بدورها تعشق المسرح الذي قدمت فيه من قبل “ليلي والمجنون، هاملت، أرض لاتنبت الزهور”.
“الشرنوبي” تعتبر أن سندريلا الشاشة “سعاد حسني” مثلها الأعلى وقدوتها في عالم الفن، كما أنها أنها تتمني تجسيد شخصية كيلوباترا والوقوف أمام زعيم الكوميديا عادل إمام، مؤكدة في ذات الوقت أنها تعتبر نفسها محظوظة بالوقوف أمام كاميرا عمالقة المخرجين وتتمني الوقوف أمام عدسة كاميرا المخرجون “مروان حامد وشريف عرفة وهادي الباجوري”.
و يبدو لي من خلال متابعتي لتكنيك أدائها اللافت مؤخرا والذي توقفت أمامه بصفة خاصة في مسلسلي “طاقة حب” و”ليالينا 80″ أنها تؤمن إيمانا قاطعا بأفكار “ستانسلافسكي” الذي يرى أنه هناك دائما احتمالات عديدة وأساليب مبتكرة في التقنيات عند الممثل، وهى حاضرة في ذهنه: مثل : التعبير عن السعادة ، الفرح ، الحزن ، وغيرها، هذا الينبوع الروحي الممزوج بالموهبة والمسالك المتعددة لتمثيل الشعور وما إلى ذلك من وسائل التعبير الإبداعية، وهذا ما كان يسميه ستانسلافسكي (البصمات المسرحية)، ويعتبرها هى الأساس في الحرفة (الصنعة المسرحية) التي تتناقض تماما مع (المعايشة) التي يؤكد عليها، إلا إنه يعتبر امتلاك الاثنين من ضروريات الإبداع في العمل، تماما كما فعلت “هاجر الشرنوبي” في مختلف الأدوار التي قامت بها، وأيضا فيما ستجسده في المستقبل من شخصيات تهفو نفسها للعب أدوارها.. فتحية لهذه النجمة القادمة على الطريق ولا يستهويها الصخب والضجيج، بل إنها تعمل على نار هادئة.