كتبت سدرة محمد
هى مباراة غاية في الروعة والجمال على جناح التراجيديا الإنسانية على مستوى الأداء بين نجوم مسلسل “البرنس” من جانب “محمد رمضان، أحمد زاهر ومحمد علاء وإدوارد وروجينا وعبد العزيز مخيون”، مرورا بـ “وأحمد داش وريم سامي وأنعام الجريتلي ومها عثمان”، ووصولا إلى “رحاب الجمل”، وجميعهم برع في تجسيد شخصيته بأسلوب غاية في الدقة والاحترافية ،عبر قصة وسيناريو وحاور وإخراج “محمد سامي، ولعل التناقض ودوافع الغيرة والحقد الذي رصده السيناريو بين الأشقاء السبعة ربما دفع غالية الممثلين إلى أداء استثنائي كاشفا عن مكنون ما يدور داخل النفس الإنسانية التواقة للشر.
من داخل ورشة “الدوكو” تدور الأحداث التي تحمل مفارقات غريبة وغير عاقلة من جانب أب متعنت وضع ابنه الصغير في مأزق كبير، عندما كتب كل ميراثه باسمه (بيعا وشراء) قبل أن يغادر الحياة بسنتين، وذلك على أثر جحود أبنائه الخمسة في معاملته، وكان الأسطى “حامد البرنس” لايملك دوما إمكانية كسر شوكة أبنائه ومنع أي منهم من الجنوح نحو ارتكاب أفعال مشينة، بينما يحاول الأخ الذي يحمل الترتيب الخامس بين أشقائه “رضوان” في انكسار رأب الصدع الذي يعتري هذا الكيان الأسري المهلهل، ولكنه في ذات الوقت يتألم جراء وصية أبيه التي أورثته الحقد والضغينة من باقي إخوته الذين كادوا له على طريقة “حكاية سيدنا يوسف”، فخططوا لقتله وزوجته وأبنائه، لكن القدر شاء له أن يلفت هو وابنته، وهنا يقدم محمد رمضان مشهد الـ “ماستر سين” في الحلقات التسعة الأولى حيث جاء على النحو التالي:
يهرب “رضوان” من المستشفى متحاملا على نفسه آلام بطنه المفتوحة ويذهب إلى قبر زوجته “لبنى” وابنه “سيف”، وفي خطوات متثاقلة يتجه نحو القبر الذي كان بالأمس القريب يدفن فيه أبوه الأسطى “حامد البرنس”، لكنه لا يحتمل ألم الفراق وآلام بطنه ويركع على الأرض في حسرة وندم على مافات، يبكي بكاء حارا على فراق الأحبة “الأب والأم والزوجة والابن، بينما الموسيقى التصويرية المعبرة بصدق من جانب الموسيقار “عادل حقي” تعزف لحنا جنائزيا حزينا بأسلوب شرقي خالص بحيث يناسب الأجواء في تلازم حتمي لتأكيد تلك المرثية.
ينحني “رضوان” راكعا قبل أن يصل إلى القبر في غير قدرة واحتمال لجلال الموت من ناحية، ومن ناحية أخرى حزنا وألما على الفقد المفاجئ لأحبة لا ذنب لهم في قضية ميراث الغضب الذي تركه الأب في وصيته الظالمة له قبل إخوته، فقد ألقته على كاهله بتبعات على لايقوى على احتمالها.
يرفع رضوان رأسه في بطئ شديد وينظر إلى القبر قائلا: حبايبي اللي جوه زادو”أبويا وأمي ولبنى وسيف” .. الله يرحمكم .. الله يرحمكم ويسكنكم فسيح جناته.
يقترب أكثر من القبر وعينه ملئها الدمع والحسرة تبدو واضحة على وجهه المكلوم: والله العظيم يا “لبنى” ماكنتش باكدب عليك لما قلت لك انك أغلى حد في حياتي، ما كنتش باكدب عليك لما قلت لك إني عمرى ما حازعلك تاني، كان وعد، وصعبان على إني زعلتك .. قسما بالله العظيم كنت ناوي أعوضك عن كل يوم زعلتك فيه، بس عمرك سبقني .. عمرك سبقني وحرمني منك يا “لبنى”، وأنت يا “سيف” حقك على .. حقك على يا حبيبي، لما جبتك هنا وقلت لك ابقى اعمل زيي .. ابقى هات عيالك واقرأ ليا الفاتحة .. ما كنتش أعرف إني أنا اللي حاجي أزورك يا حبيبي .. ماكنتش أعرف إني انته اللي حتندفن قبلي .. ماكنتش أعرف إن حتى دفنتك مش حاحضرها ولا غسلك.
يبدو جلال الموقف الصعب الذي وضع فيه “رضوان” رغما عنه قاسيا إلى أقصى حد هكذا في اتجاه الكاميرا لإضهار القبر مغلقا على من سجى جسده داخله، ومع نوبة بكاء حار يقول رضوان : والله يا “لبنى” انتي و”سيف” لو كان اللي عمل فيكم كده بشر، مش قضاء وقدر لاكون جايبلكم حقكم منه تلات ومتلت، وما حخلي دمكم يروح هدر.
يتجه رضوان إلى قبر أبيه المجاور ويقول في أسى : اسمع يا ابا حقولك كلمتين حق ومتزعلش من ابنك اللي عمره ما زعلك : لو كان اخواتي همه اللي عملوا كده في مراتي وابني فده بسببك .. بسبب وصيتك اللي مخدتش رأيي فيها .. وصيتك اللي سبتها لي مربوطة في رقبتي بسلسلة من نار شوتني وحرقتني لحد ما دمي سال منها، لو كانوا عيالك همه اللي عملوا كده قسما بالله العظيم لادفنهم جنبك .. مش حايصعبوا على ولا حرحمهم .. حاخليهملك عبرة لأهل الأرض.
ينتهي حوار الحزن والشجن عند هذا الحد، ثم يركع رضوان على الأرض من جديد على ركبتيه ليحضن ابنته، بينما ينطق عزف الناي المعبرعن جلال الموقف ليمهد لـ “أحمد سعد” أن يطلق صوته بترنيمة حزينة قائلا:
مالاناش إلا بعض ..
يا بنتي ياحتة مني بقينا مالاناش إلا بعض
فاتنونا أغلى الحبايب وسابونا لوحدنا
أبوكي جبل وثابت مهما قابل من الحياة
وعمره ما يحني ضهره مهما يشوف منها
اكبري محتاج أفضفض
غيرك انتي أشكي لمين
وأما أعجز مين يطبطب لما تتعبني السنين
ما احنا مالاناش إلا بعض..
مالاناش إلا بعض..