كتب : محمد حبوشة
“من المتعارف عليه أن الدراما المرئية تقوم على مبدأ إعادة صياغة الفعل الواقعي ماضياً أم آنياً في بناء جمالي يتأسس داخل السياق الاجتماعي القائم ويستهدف التأثير في المجتمع الحي، فيخاطب جمهوراً يعرفه ويكون حاضراً في هذا البناء الجمالي بزمنه وقيمه”، هذا ما يوضحه الناقد الفني حسن عطية، أستاذ الدراما ونظريات النقد في أكاديمية الفنون، في كتابه “الدراما التلفزيونية… تحضير التاريخ… تأريخ الحاضر” الصادر عن الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة.
والواضح أن صناع الدراما الكوميدية في مصر تحديدا لايدركون فحوى كلام “عطية” عن وظيفة الدراما، وهنا أقصد الضحك، فـ “الضحك يقتل الخوف، وبدون خوف لا إيمان هناك” كما يقول “أمبرتو إيكو”، و”الضحك هو الانعكاس الأصدق للنفس” بحسب “دوستوييفسكي”، لكن الضحك في نظر صناع مسلسل “رجالة البيت” تأليف أيمن وتار، وإخراج أحمد الجندي، وبطولة أحمد فهمي، أكرم حسني، بيومي فؤاد، لطفي لبيب، عارفة عبد الرسول، دينا محسن “ويزو”، هو نوع من التهريج والتقليد باستخفاف ثقيل الظل للنجم الراحل “محمود عبد العزيز” من جانب “أكرم حسني” بطريقة استفزازية تسيئ لتاريخ واحد من عتاة الأداء التلقائي على مستوى الكوميديا والتراجيديا.
الواقع أن هذا المسلسل في ذهابه نحو مناطق من الضحك المبتور في تزيد واضح، ومحاولات استمالة المشاهد بانتزاع الضحك رغما عنه تبدو غير منطقية وغير احترافية بالمرة، والكارثة أنها تأتي عبر أداء يخلو من أي انفعال، بل يجنح نحو أسلوب “النطاعة” في التمثيل – وهو أسلوب جديد ربما يكتشفه المشاهد في هذا المسلسل – واستخدام إفيهات مستهلكة اعتمدت على قلب الجمل بطريقة “القلش”، وهذا لا يفجر الضحك بقدر ما يثير الاشمئزاز، خاصة إذا ما كان يحمل في طياتها إسقاط سخيف على التعليم عن طريق الغناء بإعادة ألحان وأداء نجوم مشهود لهم بالكفاءة والامتاع الغنائي، واستخدام كلمات سطحية وخلق مواقف مشوهة تسيئ للعملية التعليمية والمدرسين أكثر مما تفيد، هذا للأسف هو السياق العام لمسلسل ينبغي أن ينتمي للون الكوميديا.
لقد شعرت وغيري كثيرون بحالة من الامتعاض والتقز من محاولات الضحك السخيف والاسقاط غير المنطقي وقلب الجمل الحوارية والسخرية من كثير من قيمنا وتقاليدنا الأصيلة في سبيل جلب نوع من الإضحاك المسف والتفاهة في أداء بارد يخلو من حرارة الحماس التمثيلي المتعارف عليه، وكأن أبطاله مسلسل “رجالة البيت” يذهبون إلى البلاتوه يوميا لقضاء أوقات فراغهم، لا لكي يبدعون فنا محترما يمكن أن يمتعوا به جمهور يتعطش للكوميديا النظيفة الخالية من بهارات تم إضافتها بزيادة لإفساد الوجبات الضاحكة أكثر من التشويق والإثارة القادرة على انتزاع الضحك من قلوبنا المثخنة بجراح الإرهاب تارة، وتارة أخرى الجلوس في البيت قسرا بسبب جائحة كورونا، وتبقى الكارثة أن تفرض علينا هذه النوعية من مسلسلات لاترقي إلى أي فن غير أنها بضاعة أتلفها الهوى، ومن ثم تسببت إضاعة الوقت فيما لايجدي ولا يفيد.
ولنا أن نسال المولف أيمن وتار، عن معرفته عن مايسمى بالحبكة (plot) الدرامية في هذا المسلسل، صحيح أنه مصطلح غامض غير محدد، حتى “أرسطو” نفسه مثلا لم يضع مفهوما محدد لهذا المصطلح ، لكن البعض من النقاد أطلقوا عليه مجموعة تسميات، فمنهم من يقول إنها قصة (story) والبعض الآخر يقول انها خرافة (myth) وهنالك من يسميها عقدة، والحقيقة أن أيا من تلك الأنواع الثلاثة لايوجد لها مجرد شبه في هذا المسلسل، فالحبكة فيه لاتعني القصة كما يذكرها البعض لأن الحبكة تبنى على السبب والنتيجة، في حين أن القصة سرد ووصف وحوار، وتلك مخرجات غير موجودة بالمرة في “رجالة البيت”، والذي يغلب عليه طابع الاسكتشات المحرضة على السخف والتقزز.
وكما هو معروف لا تتضمن القصة حبكة إلا باحتوائها على السبب والنتيجة ، فالحبكة هي تنظيم وترتيب الأحداث المنقولة عن القصة بشكل منطقي ومعقول، والحبكة إذا تبنى على أساس السبب والنتيجة وهى (خط تطورالقصة)، أي هى نظام ترتيب الأحداث المنقولة عن القصة وأسلوب صياغتها بشكل درامي من مخيلة المؤلف الدرامي، وليس الأمر على شاكلة تلك التخاريف التي تسكن عقل “أيمن وتار” المشوش، ويؤديها الثنائي “فهمي وحسني” في ديالوج يومي ممل إلى حد القرف، فعادة ماتبنى الأحداث وفق علاقة سببية أما بالنسبة إلى خرافات قصة “رجالة البيت” فإنها بنيت على خيال عقيم لاتستقيم معه رؤية محددة أو علاقة سببية لإضحاك الناس.
عناصر بناء النص ينبغي أن تشتمل على عدة عناصر ومكونات فنية، تتطلب من الكاتب جهدا في بلورتها وإيصالها وهى: موضوع المسلسل في العادة، ويجب أن لا يتنافى ذلك مع المعايير الأخلاقية أو الجمالية للفن، على عكس هو موجود وثابت في قلب لوحات من السخرية في “رجالة البيت” التي تثير الاشمئزاز، أما البناء الدرامي في هذا المسلسل: وهو أن تسير الأحداث بتفاصليها المختلفة بحيث تجعل الوصول إلى النتيجة أمرا واقعا، ويكون لكل حدث سببا منطقيا دون مفاجآت أو مصادفات مفتعلة، فهذا ليس له وجود في نص “أيمن وتار”، وبالتالي كانت النتيجة أداء مفتعلا من جانب “أحمد فهمي وأكرم حسني” ويساعدهم في ذلك “ويزو” وبيومي فؤاد الذي يملك قدرة على رسم ابتسامة عذبة على شفاه الجمهور، إلا أنه أخفق إلى حد كبير في هذا المسلسل الذي يبدو سرياليا في شكله وملامحة المشوهة، بفعل الكوميديا التي لا تضحك بقدر ما تثير السخرية على فريق عمل فشل في إنجاز مهمة صناعة مسلسل كوميدي بامتياز.
وربما يكمن السبب في ذلك إلى أن البناء الدرامي السليم للمسلسل لايعتمد على الإثارة والتشويق بعيدا عن التعقيد والغموض الذي حاول المؤلف دسه في هذا النص، وإذا كانت الشخصيات وهى العماد الرئيس للنص والأحداث، فإنها هنا قد أصابها الوهن والترهل وكل أمراض التمثيل، وحتما سينعكس ذلك على النص برمته، خاصة إذا كان هزيلا ومهلهلا إلى أبعد حد، أما الحوار: وهو الجزء الأهم من العمل الفني، ومن خلاله يصل الكاتب إلى قلوب المشاهدين من أقصر طريق، وهو الوسيط الذي يحمل الفكرة وينقلها بطريقة سلسلة عبر جمل بسيطة يمكن أن تفجر الضحك بطريقة منطقية، فلا تجد له شبيها في هذا المسلسل، أما عن السيناريو فحدث ولا حرج من “خزعبلات” على مستوى تركيب الشخصيات وأدوارهم والحبكة والمؤثرات والديكور، ويمكنني القول في النهاية بأن جميع أحداث هذا المسلسل بكل تفاصيلها وتقنياتها لاتنتمي إلى أي صنف أدبي أو درامي يخضع للمنطق والعقل ويتصف بالجدية والتميز المطلوب إثباته في المنافسة الشرسة على كعكة درما رمضان 2020.