رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ياسر جلال على حافة التراجع في”الفتوة”!

يبدو شعره بتسريحة جديدة في عام 2020 وليس 1850

بقلم : الناقد المجهول

السذاجة صفة غير مستحبة اجتماعيا ولكن كثيرا من الناس لا تفرق بين السذاجة والطيبة، نظرا لعدة عوامل فبعض الناس يرونهم شيئا واحدا، وبالتالي نظرتهم للشخص الطيب لا تختلف عن نظرتهم للشخص الساذج، فينظر الناس إلى كليهما نظرة شفقة أو ضعف، صحيح أن السذاجة ليست بالشيء القبيح ولكنها مكروهة،  لأنها تضع الشخص دائماً محط الضحية وفي الجانب الضعيف، فالشخص الساذج سريع الثقة بالآخرين بدون التفكير في أحقيتهم بهذه الثقة، فتجد من حوله يعرفون عنه كل شيء، وبكل تأكيد ستجد منهم ضعيف النفس الذي يمكن أن يستخدم ما يعرفه عنه لإيذاءه أو لانتهازه واستغلاله.

وهذا ما حدث تماما مع النجم “ياسر جلال” الذي رأيناه على حافة التراجع – دون أن يدري – طوال الحلقات الخمسة الماضية من مسلسله “الفتوة”، ولست أدري لماذا قبل بأن يلعب دور فتوة الغلابة “حسن الجبالي” ولم يستعد له بشكل احترافي على مستوى الشكل والملابس، ففي سذاجة واضحة ترك الذقن العصرية التي لعب بها في مسلسلين رمضايين سابقين كما هى دون أن يطرأ عليها أي تغير يواكب شخصية “مبيض نحاس” مسبسب الشعر مهندم الجلباب – الذي يبدو أنه يرتديه فوق البطلون – حتى الشال الذي يتلثم به، وتبدو لمعة الجيل واضحة في تسريحة شعره، رغم أنه يخرج بعض الوقت من معارك ضروس في الليل حيث ينتحل شخصية ملثم ينتزع الإتاوات من رجال الفتوة ويعيدها لأصحابها، ويدخل في معركة شرسة مع المطاريد الذين يسكنون الجبل في سبيل استعادة “ليل” ابنة فتوة الجمالية “صابر شديد”، بعد أن خطط لخفها في سرية فتوة الحارة المجاورة “سيد اللبان”.

لاشك أن “ياسر جلال” قبل أن يقع في براثن السذاجة الشعبية قد اقترن طوال خمس سنوات ماضية بموهبة كبيرة أهلته لاحتلال مكانة قوية في لعب أدوار الأكشن، حتى أصبح معادلا موضوعيا لنجوم هوليود الكبار في هذا اللون من الأداء الذي يتطلب قوة جسمانية وذكاءا خاصا وقدرة فائقة على التحكم في الانفعالات، لكننا نجده في “الفتوة” غير مهتم بما يحدث حوله، سواء كان ما يحدث لمصلحته أو مسببا لضرر يلحق به جراء تلك السذاجة المرتبطة بالتبعية، نعم هو تابع – للأسف – لمن حوله أو ممن يثق بهم على مستوى الكتابة الركيكة لـ “هاني سرحان” والإخراج الهزيل لـ “حسين المنباوي”، ويبدو أنه يقوم بتنفيذ كل ما يملى عليه دون مناقشة، رغم أن المؤلف ليس أهلا لمثل تلك النوعية من دراما البيئة الشعبية، التي نقل فيها شخصية “الملثم” بتصرف عن المسلسل السوري “أسعد الوراق”، ولا المخرج لديه من الخبرة لصناعة صورة مبهرة في مثل تلك الأجواء الشعبية التي تتسم بالزخم.

الواضح أن “ياسر جلال” هذه المرة لم يتمكن من دراسة المسلسل على نحو جيد بجيث اشتغل على الشخصية بتأني يجعله يمسك بتلابيبها على المستوى الداخلي والخاراجي، ومن ثم تراجعت محاولاته التمثيلية في التوافق مع جهود “المؤلف والمخرج” في ظل أنها محاولات تتسم بالسطحية في بناء درامي يقترب من أجواء نجيب محفوظ، لكنه لايشبهها في التفاصيل طبقا للتشريح المحفوظي الدقيق للحارة الشعبية في منتصف القرن التاسع عشر من حيث ملامح وسمت الفتوات ذلك الزمان، وحتى الأغاني التي استخدمها المخرج غير مناسبة لتلك الفترة الزمنية، ناهيك عن أخطاء في الديكور والملابس والاكسسورات التي لاتتناسب تماما مع تلك الفترة الزمنية “قبل 170 عاما” من الآن.

ملامح لا تنتمي لزمن قديم

يبدو أن “جلال”  تأثر بآراء وأفعال من حوله دون النظر إلى عواقب ذلك أو النتائج المترتبة على تفكيرهم، وبالتالي لم يتميز هذه المرة بالتفكير العقلاني وبعد النظر، وظن أن انتقاد الآخرين له  ينبغي ألا يعير انتباهه، بحيث يفكر فيما سيفعل لتغيير نفسه أو حتى يراجعهم في انتقادهم أو نظرتهم له، فهو متنازل عن كل شيء دون النظر إلى أي شيء، ربما يبدو صريحا بصورة زائدة، فهو لا يتعامل بالمجاملات بحيث أنه يمكنه أن يوصل ما يريد أن يقول بصورة مرنة ومقبولة، وإنما يقول ما يخطر بباله وحتى وإن كانت بصورة مسيئة أو غير مقبولة، وبالتالي الناس يسيئون الظن فيه وفي آراءه ولا يهتمون بكلامه وأفعاله.

بالطبع لا يمكنك التغلب على طبع من طباع الإنسان، ولكن يمكنك أن تغير بجزء من تصرفاته وتحويلها بالتكرارية لتكون جزء من شخصيته، ولكن علينا أن نعرف كيف يكون ذلك فرصة للوقع في براثن السذاجة التي تسمى في بعض الاتجاهات في علم النفس بخدعة الثقة، ويعني ذلك أن الشخص يضع ثقته في مكان خادع ولا يتوقع ماهو سيىء، فهو سينخدع تارة في أناس يمكن أن يخذلوه، وتارة أخرى سيجد من يرافقه دربه ويكون أهل لثقته.

سذاجة واضحة في الذقن العصرية والجلباب المهندم

ظني أن “ياسر جلال بعد هذه التجربة التي تنال حتما من رصيده عند الجمهور، سيراجع نفسه، خاصة أن الظروف الحالية في ظل أزمة “كورونا” كانت غير مواتية لمثل تلك الأعمال التي تتسم بطابع الفتونة في حارة شعبية على سبيل “النوستالجيا”، وهو الأمر الذي سيجعله حتما يعيد النظر ويتوخى الحذر في خطواته المستقبلية حتى لا يتعرض لمثل هذه المواقف، وعليه أن يعيد التفكير في عدة أشياء أهمها اختياره لمن حوله حتى يتجنب خيبات الأمل، ولا يجب أن ننسى أن خيبات الأمل هى المصدر الرئيسي للدروس التي يمكن الاستفادة منها في الحياة، ويعتبرها آخر مرحلة يمكن أن يتعرض لها، وأن يعرف جديا أن الحياة ذات ديناميكية سريعة، وأنه لا مكان للساذج ويجب أن يعرف ويأخذ من قصص أسلافه مواعظ وعبر أن الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة بعد جد وكد وتعب.

وأخيرا نهمس في أذن نجمنا الكبير”ياسر جلال” الذي نحبه كثيرا ونقدره ونحرص على وجوده في مكانة تليق بموهبته الكبيرة ونجوميته الآسرة – ونرجوه ألا يضيق صدره لنقدنا الذي ينطلق من خوف عليه – على أن يتجنب طريق السذاجة مرة ثانية، لأنها خدعة عقلية ضحيتها الشخص الساذج، ونقول له: يا صديقي علينا أن ننتبه لأنفسنا ولا يجب أن نرى في أنفسنا المثالية الكاذبة، لأن هذا من السذاجة البحتة، وعلينا أن نواكب الحياة ونصارع فيها بشرف، وأيضاً نتحلى بمكارم أخلاقنا التي تساعدنا في تمثيل التربية السوية التي نحب أن نكون عليها وننشئ جيل سوي عن طريقها ينفع هذا الوطن الذي يمر بتحولات مذهلة في حياته الحالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.