رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

جوني ديب .. حِرباء السينما بألف لون!

بقلم الدكتور: طارق عرابي  

إن سمات وقدرات الممثل الموهوب الحقيقي تختلف عن سمات وقدرات الإنسان العادي، فإذا كنا نقول في مجتمعنا المصري والعربي على سبيل التحذير: “ابتعد عن هذا الشخص لأنه بوشين”، فإننا نعني أنه غير صادق ويتلون كالحرباء على حسب الظروف، وإننا نفضله بوجه واحد ليكون في نظرنا إنساناً صادقاً، وإن أردنا تطبيق هذه النصيحة التحذيرية في عالم التمثيل فسنقول للمشاهد: “ابتعد عن مشاهدة هذا الممثل لأن آخره وشين”.

وهنا سيختلف المعنى المقصود وهو أن هذا الممثل محدود الموهبة والقدرات وليست لديه مَلَكة التلون على حسب الشخصية التي يؤديها، وإننا نفضل أن يكون الممثل “كالحرباء” قادراً على التلون والتأقلم مع كل دور يُسند إليه، ليكون في نظرنا صادقاً في آدائه .. هكذا كان الراحل “أحمد زكي” Ahmed Zaki في السينما المصرية والعربية ، وهكذا هو حال الممثل العالمي “جوني ديب” Johnny Depp فهو في عالم التمثيل كالحرباء قادر على التلون بألف لون والتحور بألف وجه.   

جوني ديب يعتبره النقاد اليوم واحداً من أعظم الممثلين تنوعاً وكفاءةً في الأداء التمثيلي ، ويعود ذلك إلى فطنة الانتقاء وعبقرية الأداء عند هذا الممثل شديد التميز.

وُلد جوني ديب عام 1963، ورغم أن كنتاكي هى مسقط رأسه إلا أنه نشأ منذ طفولته المبكرة في ولاية فلوريدا، وعلى الرغم من أن والده قد تلقى قدراً عالياً من التعليم مما جعله مهندساً مدنياً، إلا أن “جوني” ترك التعليم وعمره 15 عام واتجه إلى الموسيقى وكون فرقة موسيقية وأسماها The Kids، وتزوج مبكراً من “لوري آن أليسون”، ولكي يكفل نفسه وزوجته اضطر إلى العمل كبائع أقلام.     

الفتى اليافع جوني ديب وهو دون سن العشرين
الزواج المبكر لجوني ديب من لوري آن أليسون

“نيكولاس كيج” سبب دخول “جوني ديب”  عالم التمثيل

أثناء زيارته إلى لوس أنجلوس بصحبة زوجته، التقى “جوني ديب” الممثل “نيكولاس كيج” وأخبره أنه يعمل في مجال الموسيقى إلى جانب عمله كبائع أقلام، إلا أن نيكولاس كيج طلب منه أن يتجه إلى التمثيل لأنه يرى مستقبلاً له في هذا المجال، وتبتسم الحياة لجوني ديب ويحظى بدور المراهق “جلين لانتز” في أول فيلم له بعنوان “كابوس بشارع إلم” A Nightmare on Elm Street عام 1984.

جلين (جوني ديب) مع نانسي (هيذر لانجينكامب) – أول فيلم لجوني – A Nightmare on Elm Street – عام 1984
جوني ديب في مشهد من فيلم Private Resort عام 1985

وبعدها لم يتوقف جوني عن العمل، ففي عام 1985 لعب دور الشاب المراهق “جاك” في فيلم “منتجع خاص” Private Resort، وفي نفس العام لعب دور “ليونيل فيلاند” في المسلسل التلفزيوني الأمريكي Lady Blue، ثم قام بدور “دوني فليشر” في فيلم تلفزيوني بعنوان Slow Burn، وفي عام 1986 لعب دور “ليرنر” في فيلم Platoon مع النجمين “تشارلي شين” و”توم بيرينجر”، وكان معه بنفس الفيلم الممثل الأسمر الصاعد آنذاك “فوريست ويتكر”، وقد ترشح فيلم Platoon لثماني جوائز أوسكار حصد منها 4 جوائز كأفضل فيلم وأفضل مونتاج وأفضل صوت وأفضل إخراج للكاتب والمخرج الشهير أوليفر ستون.

ليرنر (جوني ديب) مع الرقيب بارنز (توم بيرنجر) – فيلم Platoon – عام 1986
جوني ديب ليس جوني ديب بل إدوارد ذو اليد المقصية – فيلم Edward Scissorhands – عام 1990

في عام 1987 طرقت النجومية والجماهيرية الواسعة باب جوني ديب، عندما لعب دور الضابط “توم هانسون” في المسلسل التلفزيوني الأمريكي الشهير 21 Jump Street والذي استمر لأربع مواسم حتى 1990. بعد ذلك يُسند إليه دور البطولة في فيلم Edward Scissorhands عام 1990 حيث يلعب دور “إدوارد” صاحب اليد المقصية المتشعبة، وقد ترشح الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل مكياج Makeup، وفي نفس العام شارك جوني في فيلم Cry-Baby حيث يلعب دور Cry-Baby Walker وهو ولد سيء لكنه صاحب قلب من ذهب، يقع في غرام الفتاة الطيبة “أليسون” من أول نظرة، وأليسون ترغب في تغيير طبع الطيبة فيها لذا فإنها تقع في حب Cry-Baby Walker ومن هنا تبدأ المشاكل حيث أن حبيبها السابق “بالدوين” تدفعه الغيرة إلى محاولة الانتقام من Cry-Baby Walker .

جوني ديب بأحد مشاهد فيلم Cry-Baby عام 1990

في عام 1994 يلعب “جوني ديب” دور شخصية مخرج (مأخوذة من قصة حقيقية) في فيلم Ed Wood ويقوم فيه بتجسيد شخصية “إد وود” المخرج السينمائي الطموح والذي على الرغم من افتقاره للموهبة فإنه يبذل أقصى ما لديه من جهد ليحقق أحلامه في عالم الإخراج السينمائي، شاركت “جوني” بطولة هذا الفيلم النجمة “سارة جيسيكا باركر”.

في عام 1997 يحظى “جوني ديب” بفرصة البطولة أمام النجم الكبير آلباتشينو Al Pacino في فيلم Donnie Brasco المأخوذ من أحداث واقعية، ويجسد “جوني” في هذا الفيلم شخصية عميل سري لصالح مكتب التحقيقات الفيدرالي تحت إسم “دوني براسكو” الذي يتسلل إلى عصابات المافيا ويعمل معهم ويغوص في عمق تفاصيل حياة المافيا على حساب حياته الشخصية الخاصة والأسرية، وفي المقابل يلعب النجم “ألباتشينو” دور “ليفتي” أحد أعضاء المافيا والمهضوم حقوقه بين كبار الأعضاء. ترشح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل سيناريو للسيناريست ” بول أتاناسيو”.  

جوني ديب في دور المخرج الطموح عديم الموهبة إد وود – فيلم Ed Wood – عام 1994
جوني ديب مع النجم الكبير ألباتشينو – فيلم Donnie Brasco – عام 1997

ثم تتوالى أعمال جوني السينمائية بلا توقف حتى يصل إلى الفيلم الذي ترشح عنه لأول مرة في تاريخه لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي وهو الفيلم الأول لسلسلة أفلام “قراصنة الكاريبي”Pirates of the Caribbean: The Curse of the Black Pearl عام 2003 .

جوني ديب مع النجمة كيرا نايتلي بمشهد من أول أفلام قراصنة الكاريبي عام 2003
مع النجمة كيت وينسلت بأحد مشاهد فيلم Finding Neverland – عام 2004

في عام 2004 يشارك “جوني” النجمة “كيت وينسليت” والنجم “داستن هوفمان”  واحداً من أروع أفلامه وهو “البحث عن نيفرلاند” Finding Neverland ، ويتناول الفيلم جانب من حياة الكاتب والمؤلف المسرحي “جيه إم باري” (جوني ديب) الذي يخلق علاقة حب أفلاطوني مع السيدة الأرملة “سيلفيا” (كيت وينسليت)، وكذلك يُنشيء مع أولادها الأربعة الصغار علاقة صداقة ومحبة خالصة، وتكون هذه العلاقة مصدر إلهام للسيد “جيه إم باري” ليكتب أروع أعماله على الإطلاق وهى مسرحية “بيتر بان”، وهي عن مجموعة أطفال لا يريدون أن يكبروا، المسرحية يتم عرضها بمعاونة المالك والمنتج “تشارلز فرومان” (داستن هوفمان) وتلقى المسرحية نجاحاً مدوياً بين الجماهير، ويتسبب مرض “سيلفيا” في وفاتها، وينتهي الفيلم بخلق روابط قوية بين “جيه إم باري” والأطفال بطريقة لم يتوقعها على الإطلاق. هذا الفيلم ترشح لسبع جوائز أوسكار كان من بينها الترشح لجائزة أفضل ممثل في دور رئيسي لجوني ديب، وفاز الفيلم بجائزة واحدة من بين هذه الترشيحات وكانت جائزة الأوسكار لأفضل موسيقى تصويرية.   

جوني ديب (سويني تود) مع هيلينا بونهام كارتر (السيدة لوفيت) – فيلم Sweeney Todd – عام 2007

في عام 2007 يقدم “جوني” أداءً رائعاً في فيلم Sweeney Todd: The Demon Barber of Fleet Street الذي يتناول مأساة حلاق لندن (الممثل جوني ديب) مع القاضي الظالم والشرير “توربين” (الممثل آلان ريكمان) الذي يطمع في زوجة الحلاق الجميلة ويشتهيها لنفسه فيدبر للحلاق جريمة لم يرتكبها وينفيه إلى استراليا كي يخلو له الجو، ويمر 15 عام ويعود الحلاق إلى لندن متستراً تحت اسم جديد وهو “سويني تود” وقد أصبح مهووساً بفكرة الانتقام، فيتعاون مع السيدة “لوفيت” (الممثلة هيلينا بونهام كارتر) ويفتح محلاً للحلاقة بالدور الذي يعلو متجرها، وتسوقه رغبة الانتقام إلى حالة نفسية مرضية تجعله يقتل زبائنه الأبرياء وينقل جثثهم بطريقة ابتكرها لتصل إلى مفرمة سفلية متصلة بمتجر السيدة “لوفيت” التي كانت تستعملها لعمل فطائر اللحم لزبائنها.

وينتهي المطاف بقتله للقاضي ومساعده ثم يقتل المرآة المهووسة والمجنونة “الشحاذة” ثم يكتشف بعد فوات الأوان أنها زوجته الجميلة التي رفضت أن تنصاع لرغبات القاضي فتعذبت حتى أُصيبت بالجنون، وكاد أن يقتل ابنته دون أن يعلم لولا حبيبها الذي أنقذها، ويقتل السيدة “لوفيت” لأنه عرف أنها أخفت عنه حقيقة المرأة المجنونة رغم علمها بأنها زوجته ولكنها أخفت تلك المعلومة طمعاً في الزواج منه. وفي النهاية يُقتل “سويني تود” على يد الصبي الذي كان يعمل عند السيدة “لوفيت”. ترشح هذا الفيلم لثلاث جوائز أوسكار وكان من بين الترشيحات جائزة أفضل ممثل في دور رئيسي لجوني ديب ، وفاز الفيلم بجائزة منهم كأفضل إخراج فني Art Direction .

في عام 2009 يتألق “جوني” مع النجم “كريستيان بيل” في فيلم Public Enemies، حيث يلعب جوني دور “جون ديلينجر” محترف سرقة البنوك، والذي يضعه رئيس المباحث الفيدرالية آنذاك “جيه إدجار هوفر” على قمة قائمة أعداء الوطن ويكلف وكيله الأول “ملفين بيرفيس” (الممثل كريستيان بيل) بمهمة القبض عليه وجلبه حياً أو ميتاً.

جوني ديب (جون ديلينجر) – مشهد من فيلم Public Enemies – عام 2009

وفي عام 2010 يشارك النجمة أنجيلينا جولي Angelina Jolie بطولة فيلم The Tourist  والذي يتناول قصة الفتاة إليس “أنجيلينا جولي” التي تجلس بجوار السائح الأمريكي فرانك “جوني ديب” بالقطار المتجه إلى مدينة فينيسيا الإيطالية Venice وتستهدف “إليس” السائح الأمريكي “فرانك” كصيد غرامي جديد، وتعرف “إليس” أن “فرانك” مطلوب من الشرطة، وفضلاً عن ضرورة تجنب رجال الشرطة فلابد أيضاً من تجنب أفراد العصابة التي سرقهم “فرانك”. فيلم أكشن رومانسي ومغامرات مشوق للغاية.

فرانك (جوني ديب) مع إليس (أنجلينا جولي) – فيلم The Tourist – عام 2010

وعلى الرغم من أن جوني ديب استحق الترشح لجائزة الأوسكار عن الثلاثة أعمال التي ذكرناها، إلا أنني أرى أن هناك أفلام لجوني ديب كانت أكثر أحقية ليس فقط بالترشح وإنما بالفوز بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي، سأذكر إثنين فقط من هذه الأفلام، وقد اخترتهما لأن المقارنة بين أداء “جوني ديب” في الفيلمين ستمنحك فرصة لتعرف وتتأكد أن هذا الممثل البارع لديه قدرة “الحرباء” في التلون والتكيف مع كل شخصية يلعبها مهما تنوعت وتباينت سمات شخصيات الأدوار التي يؤديها، الفيلم الأول هو فانتازيا كوميدية رائعة تحمل بين خطوطها الدرامية الكثير من القيم الإنسانية والأخلاقية .. إنه فيلم “تشارلي ومصنع الشوكولاته”Charlie and the Chocolate Factory”. 

ويلي وانكا (جوني ديب) صاحب مصنع الشوكولاته مع المتسابقين – فيلم تشارلي ومصنع الشوكولاته – عام 2005

فيلم Charlie and the Chocolate Factory – عام 2005

هذا الفيلم الكوميدي والخيالي يحكي عن الطفل تشارلي باكيت (الممثل الصغير آنذاك “فريدي هايمور”) وجده المُسن جو (الممثل ديفيد كيلي)، حيث كان الجد المسن “جو” هو الأكثر تشجيعاً لحفيده “تشارلي” لشراء منتج الشوكولاته الذي قد يتضمن بطاقة الاشتراك في مسابقة مصنع الشوكولاته، وبالفعل يحالف الحظ “تشارلي” ويجد داخل عبوة الشوكولاته بطاقة الاشتراك في المسابقة، وعليه ينضم “تشارلي” وجده “جو” إلى مجموعة صغيرة من الفائزين ببطاقات المشاركة في المسابقة، وجميعهم يدخلون في جولات متنوعة  بالمصنع السحري والغامض الذي يمتلكه السيد “ويلي وانكا” (جوني ديب)، ويُبطن السيد “وانكا” بداخله رؤية خاصة في معايير من سيفوز في نهاية الجولات، وهو ما سيكشف عنه فقط بعد أن يرى سلوك وأخلاقيات ومعادن الأطفال المتسابقين، وعليه فإننا سنرى أثناء جولات السباق التباين بين الأطفال من حيث صفات القناعة والإيثار والطمع والحقد والسلوك الشرير من أجل الفوز ولو بالكذب والخداع.

ولأن الطفل “تشارلي” أثبت بتلقائيته أثناء الجولات أنه الأكثر طيبةً وخُلُقاً وأنه قنوع وأن حلمه بالفوز يأتي من أجل إسعاد أسرته وجعل حياتهم أفضل قبل أن يكون من أجل نفسه، فإن الجائزة الكبرى من السيد “وانكا” تكون من نصيب الطفل “تشارلي باكيت”. ترشح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار 2006 كأفضل تصميم ملابس، كما ترشح عنه جوني ديب لجائزة جولدن جلوب 2006 كأفضل آداء لممثل في فيلم سينمائي عن عام 2005 .

المجرم الخطير جيمس بولجر (جوني ديب) مع رجل المباحث جون كونولي (جويل إدجيتون) – فيلم Black Mass عام 2015

فيلم Black Mass – عام 2015

لو كان هناك خريطة مكانية لتصنيف الأفلام وتسكينها جغرافياً وكان موضع فيلمنا الأول الذي تحدثنا عنه هو أقصى الشرق فإن فيلمنا الثاني هنا يقع في أقصى طرفٍ من الجهة الغربية، فهو فيلم مأخوذ عن القصة الحقيقية لأخطر وأقوى المجرمين في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، والذي لعب دوره بعبقرية وإتقان منقطع النظير نجمنا “جوني ديب”.

في سبعينيات القرن الماضي، بينما لا يزال شقيقه الأكبر “بيل” (الممثل بينيديكت كومبرباتش) زعيمًا قويًا في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ماساتشوستس، يستمر الشقيق الأصغر “جيمس وايتي بولجر” (النجم جوني ديب) في حياة العنف والجريمة في بوسطن، ومن خلال صلات أخيه السيناتور “بيل” القوية مع المباحث الفيدرالية يتقرب “جيمس” من وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي “جون كونولي” (الممثل جويل إدجيتون) والذي يعرفهم ويعرف العائلة منذ سن الطفولة ويحاول رجل المباحث الفيدرالية تجنيد “جيمس” لمساعدة الـ FBI في القضاء على فوضى وعنف عصابات المافيا الإيطالية، لأنهم أصبحوا بعيدين عن سيطرة المباحث الفيدرالية وبسبب صعوبة توفير أدلة دامغة على أعمالهم الإجرامية، وبعد ذكاء رجل المباحث “جون” في طرح وتوصيف مفهوم التعاون مع “جيمس” بعيداً عن أن يكون وشاية يتم التوافق بينهما، وعليه يضاعف “جيمس بولجر” من أنشطته الإجرامية وتزداد قوته وهيبته في كل الأوساط، وبسبب علاقته مع رجل المباحث القوي يتمكن من ممارسة كل أنشطته الإجرامية بمنتهى الحرية بعيداً عن متناول المباحث الفيدرالية، ليصبح أحد أخطر رجال العصابات في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

Dr.TarekOraby@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.