شاشة ونجوم رمضان على صخرة كورونا
بقلم : محمود حسونة
بعد أيام معدودات نستقبل شهر رمضان الكريم، ولكنه يأتينا هذا العام بثياب لم نعهده بها، وملامح لم نعتده عليها؛ يأتينا ونحن متفرقين بعد أن عرفناه شهر التلاقي والتجمع، يأتينا وكل منا قابع داخل بيته ومغلق عليه بابه بعد أن كان شهر الزيارات وصلة الأرحام وتجمع الأهل والأصدقاء والأحبة. يأتينا وكل منا ينتظر وحده مدفع الإفطار بعد أن كان انتظار هذه اللحظة جمعي وجماعي.. يأتينا وكل يؤدي فروضه بعد أن منعنا كوفيد اللعين من صلاة الجماعة وحرمنا من صلاة التراويح في المسجد.. إنها أحكام فرضها علينا فيروس خفي وعدو يتربص بنا ونحن نعجز عن رؤيته ولا نملك من وسائل مقاومة له إلا الحجر المنزلي، واتباع كل إجراءات الوقاية الاحترازية التي تمنعه من أن يتمدد بيننا وينتشر وينال منا.
أيضا كورونا سيلقي بظلاله أيضاً على التليفزيون وقنواته، بل ربما تواجه الشاشة التحدي الأصعب، خصوصًا وأن ثقافة المشاهدة ذاتها ستتغير، وما كان مقبولًا على الشاشات خلال السنوات الماضية لا أعتقده سيكون مقبولًا هذا العام.
كنا ننتظر خرائط برامجية رمضانية مختلفة عما عهدناه سابقًا، ولكن القنوات التي أعلنت عن خرائطها لم تفاجئنا بأي جديد، ولعل الجديد فقط كان في طرق الإعلان، فبعض المحطات التي اعتادت الإعلان عبر مؤتمرات صحفية، فرض عليها كورونا وضرورة التباعد الاجتماعي إما الإعلان عبر مؤتمرات صحافية عن بعد، وإما الإعلان عبر بيانات صحفية، وأضعف الإيمان الاكتفاء بالإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر شاشة المحطة ذاتها.
المعلن عنه هو كالعادة مسلسلات وبرامج وبعض المسابقات ومساحة لبرامج الطهي، وكأن كورونا الذي قلب العالم رأساً على عقب وغيّر في معادلات السياسة والاقتصاد والفضاء والطب، وبدّل أولويات العالم وكاد أن يهدم امبراطوريات، لم يصل تأثيره إلى صناع القرار في المحطات التليفزيونية، ولم يفرض عليهم ضرورة التغيير، أو أنه فرض ولكنهم عجزوا عن أن يغيروا شيئاً بعد أن أصاب الكثيرين منهم الإفلاس الفكري والعقم الإبداعي.
صناع القرار الإعلامي يتوهمون أن المشاهد القابع في منزله إجباريًا سيتقبل نفس ما كان يتقبله في الأعوام الماضية، ويتوهمون أن كورونا لم يغير شيئاً في ذائقته، ونمط مشاهدته وما يمكن أن يجذبه، والحقيقة التي ستؤكدها الأيام المقبلة أن كورونا غيّر كثيرا في الناس، وابتذال الأمس لن يقبلوه اليوم.
وفي ذات الإطار، يضع حال الناس اليوم نجوم الفن أمام اختبار حقيقي، فالناس لن تضحكها كوميديا العاهات والشقلبظات والاستخفاف بالعقول، ولن يضحكوا إلا لكوميديا الموقف، ومع الكوميديان الحقيقي الذي يحترم عقولهم ويقدم لهم فن راق يسخر من أوضاع مقلوبة ونماذج متقلبة. أما الفنانون الذين لا يقدمون جديدًا ولا يطورون أنفسهم ويكررون نماذج نجحوا بها خلال السنوات الماضية، فلا يستبعد أن يخسروا من رصيدهم، ويفقدوا النجومية التي حققوها في الماضي القريب أو البعيد.
الغارقون في العنف غير المبرر والذين يوهمون الناس أنهم لا يختلفون عن البطل الأمريكي الوهمي القادر على فعل المستحيل، سيكون للجمهور وقفة معهم، بعد أن جاء كورونا ليؤكد أن الانسان كائن ضعيف، وأن أباطرة العالم وقفوا أمامه عاجزين، وأن البطل التليفزيوني الفاعل للمستحيل ما هو إلا شخص يسخر من المشاهدين ويستغفل الناس، وبالتالي فقد يلفظونه ويبحثون عمن يحترم عقولهم ويقدم لهم شيئاً واقعياً.
المحطات التليفزيونية ونجوم الأعمال الدرامية وضعهم كوفيد ١٩ أمام تحد كبير، فإما أن تستعيد الشاشة جمهورها المفقود وإما أن تكرس فشلها، فتدفع المشاهد إلى الابتعاد أكثر فأكثر عنها، والانصراف إلى المواقع والتطبيقات والبرامج الإلكترونية؛ وإما أن يكرس النجوم نجوميتهم ويؤكدوا للناس أنهم جديرين بثقتهم، أو تتحطم هذه النجومية الوهمية على صخرة كورونا التي لا ترحم مستهتر ولا تغفر لمتهاون.
ليس أمامنا إلا أن ننتظر ما ستقدمه لنا الشاشة في رمضان، وإن كان الجواب باين من عنوانه.