بقلم الدكتور: طارق عرابي
إذا كان معظم عشاق كرة القدم يرون اللاعب الأرجنتيني “دييجو مارادونا” أسطورة في تاريخ كرة القدم العالمية، فإن عشاق الشاشة الكبيرة يرون ميريل ستريب Meryl Streep “مارادونا السينما العالمية” بلا اعتزال، وكأن هذه الأيقونة السينمائية الفريدة التي تجاوزت السبعين من عمرها تقول لنا مع كل أداء جديد لها: “أنا مهما كبرت هتلاقوا إسمي في الأوسكار وفي كل الجوائز .. لأن الموهبة لا تزال في جيبي”.
الممثلة العالمية ميريل ستريب (من مجموع 86 عمل فني حتى الآن) نالت 177 جائزة وترشحت لعدد 363 جائزة أخرى، وهي – من بين كل الممثلين والممثلات – أكثر من ترشح لجائزة الأوسكار بعدد 21 مرة فازت منهم بثلاث مرات، وكذلك هي أكثر من ترشح لجائزة “جولدن جلوب” بعدد 32 مرة فازت منهم بتسع مرات.
إذا أقنعتك “ميريل” في عملٍ ما بأنها سيدة غليظة الطباع فإنها تصدمك دائماً بشخصيات أخرى في أعمالٍ أخرى فتجدها الرومانسية والعاشقة المخلصة في حبها، ثم تأخذك إلى فيلمٍ آخر مع شخصية الزوجة العنيدة، وقد تراها في فيلمٍ ما الشخصية الموهومة بأنها موهوبة، ثم بفيلمٍ آخر تجدها شخصية سياسية بلا قيم أخلاقية تقبل أن تفعل أي شيء غير مشروع من أجل تحقيق مكاسب سياسية لها ولإبنها، وربما تكون شخصية “فانتازيا” ساحرة شريرة، ثم الزوجة والأم المصابة بمرض خطير والتي تجعلك تبكي وتتمنى لها الشفاء وكأنها إحدى أقاربك دون شعورك ولو للحظة أنها تمثل، وها هى ربة العمل المتسلطة ، وفجأة تراها المرأة الحديدية مارجريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا في الفترة من 1979 إلى 1990) ، وأعتقد بأنها لن تتوقف عن تقديم مفاجآت وصدمات إبداعية جديدة في أدائها لجميع أدوارها التالية طالما بقيت على قيد الحياة.
“ميريل” في بستان “تشيكوف” أمام صائد الغزال “دي نيرو”
في أواخر الستينات ، بعد أن تخرجت من مدرسة “ييل للدراما” Yale Drama School ، بدأت ميريل ستريب مشوارها الفني بالتمثيل على مسارح “برودواي” بمدينة نيويورك الأمريكية، وكان أول عمل سينمائي لها عام 1977 في فيلم “جوليا” Julia الذي ترشح لعدد 11 جائزة أوسكار وترشحت عنه النجمة “جين فوندا” لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيسي بينما نالت عنه النجمة البريطانية “فينيسا ريدجريف” جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور مساعد، ورغم أن “ميريل” لم يكن لها نصيب في أيٍ من هذه الترشيحات إلا أنه فألٌ طيبٌ لها أن يُرشح أول فيلم تشارك فيه لأكثر من عشرة جوائز أوسكار.
في عام 1978، بينما كانت ميريل ستريب تشارك بالتمثيل في مسرحية الكاتب الروسي الشهير أنتون تشيكوف Anton Chekhov “بستان الكرز” The Cherry Orchard على أحد مسارح برودواي، شاهدها النجم الصاعد عالمياً آنذاك روبرت دي نيرو Robert De Niro الذي كان قد نال جائزة الأوسكار عام 1975 عن أدائه في الجزء الثاني من فيلم “الأب الروحي”، وكان حينها بصدد عمل فيلم “صائد الغزال” The Deer Hunter، وبسبب إعجابه بأدائها أقنع مخرج الفيلم “مايكل سيمينو” Michael Cimino بإسناد دور “ليندا” للشابة الموهوبة “ميريل”، ومن هنا بدأت إنطلاقة النجمة العالمية الجديدة “ميريل ستريب” حيث كان إسمها ضمن 9 ترشيحات لجائزة الأوسكار عن هذا الفيلم كأفضل ممثلة في دور مساعد.
ورغم تألقها وإبداعها في جميع أعمالها، إلا أنني سآخذكم معي في السطور التالية إلى أمتع 10 محطات سينمائية في رحلة القطار الفني للنجمة ميريل ستريب، ومتعتكم الأكبر تكمن في مشاهدة تلك المحطات:
1 – فيلم The Iron Lady المرأة الحديدية – 2011
ميريل ستريب تلعب دور المرأة الحديدية “مارجرت تاتشر” Margaret Thatcher أول رئيسة وزراء لبريطانيا العظمى – كان ذلك في الفترة من 1979 حتى 1990 ، والفيلم يتناول جانباً رائعاً من حياة “تاتشر” بعدما تركت الحكومة ورحل زوجها “دينيس” Denis، فبينما تُخرج ملابس زوجها المتوفى حديثاً لإرسالها إلى المتجر الخيري “أوكسفام” Oxfam يحضر “دينيس” بالوجود التخيلي من قِبَل “تاتشر” التي يصعب عليها التأقلم مع الحياة بعد رحيله ونراها تتحدث إليه وكأنه مازال على قيد الحياة، وبطريقة “الفلاش باك” تأخذنا مارجريت تاتشر (ميريل ستريب) في رحلة عبر ذاكرتها لنراها منذ أن كانت فتاة وإلى أن أصبحت رئيسة الوزراء مروراً بنجاحاتها وإخفاقاتها.
فيلم “المرأة الحديدية” سيناريو الكاتبة البريطانية “آبي مورجان” Abi Morgan وأخرجته المخرجة والمنتجة البريطانية “فيليدا لويد” Phyllida Lloyd وهي نفس المخرجة لفيلم آخر لميريل ستريب بعنوان Mamma Mia. نال فيلم “المرأة الحديدية” جائزتي أوسكار، إحداهما أفضل مكياج Makeup والأخرى كانت لميريل ستريب كأفضل ممثلة في دور رئيسي.
2 – فيلم The Post – 2017
ميريل ستريب تلعب دور “كاي جراهام” Kay Graham المالكة لصحيقة الواشنطن بوست التي تقرر مع رئيس تحرير الجريدة (النجم توم هانكس) عام 1971 الدخول في معركة خطيرة ضد الإدارة الأمريكية ونشر وثائق سرية تؤكد تستر وكذب 4 رؤساء للولايات المتحدة على أمور وحقائق تتعلق بالحرب الأمريكية في فيتنام وهم: ترومان وآيزينهاور وكينيدي وجونسون. فيلم The Post أخرجه المخرج الشهير ستيفن سبيلبرج Steven Spielberg وقد ترشح الفيلم لجائزتي أوسكار إحداهما كانت لميريل ستريب كأفضل ممثلة في دور رئيسي والأخرى كانت لأفضل فيلم.
3 – فيلم Florence Foster Jenkins – 2016
تلعب ميريل ستريب دور “فلورنسا فوستر جينكينز” صاحبة أسوأ صوت في تاريخ الغناء ، والتي لم تتوقف عن محاولاتها لتحقيق حلمها بأن تصبح أشهر مطربة أوبرا ،، والفيلم مأخوذ عن القصة الحقيقية لهذه الشخصية التي صُنفت كأسوأ مطربة أوبرا في التاريخ ، ولدت عام 1868 ورحلت عن عالمنا عام 1944 ، وعلى الرغم من ضعف موهبتها الفنية وصوتها المزعج – أو ربما يكون هذا هو السبب الذي جعلها – تصبح شخصية موسيقية بارزة في مدينة نيويورك الأمريكية خلال عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. شارك في بطولة الفيلم النجم هيو جرانت Hugh Grant وترشحت ميريل ستريب عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيسي.
4 – فيلم Into the Woods – 2014
دور الساحرة العجوز التي فقدت جمالها تلعبه ميريل ستريب تلعب في هذا الفيلم “الفانتازي” ، والتي تغامر داخل الغابات للعثور على بعض المكونات التي تعيد لها جمالها. ترشحت ميريل عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور مساعد.
5 – فيلم August: Osage County – 2013
في هذا الفيلم تلعب ميريل ستريب دور الأم “فيولت” Violet العليلة ، ولها ثلاثة بنات يعشن بعيداً عنها واللاتي يعدن إليها في مقاطعة أوسيدج بولاية أوكلاهوما الأمريكية وذلك بسبب وفاة والدهن ، وأثناء تواجدهن في أحر الأوقات (شهر أغسطس) بأوكلاهوما يواجهون رأي أمهم المريضة فيهم . بنات “فيوليت” هن باربرا (جوليا روبرتس) و كارين (جولييت لويس) و إيفي (جوليان نيكولسون). ترشحت ميريل ستريب عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيسي كما ترشحت جوليا روبرتس عن نفس الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور مساعد.
6 – فيلم Julie & Julia – 2009
ميريل ستريب تلعب في هذا الفيلم دور “جوليا تشايلد” صاحبة كتاب الطهي الشهير “إتقان فن الطبخ الفرنسي” Mastering the Art of French Cooking الذي يحتوي على 524 وصفة ، على الجانب الآخر تضجر السيدة النيويوركية “جولي باول” (إيمي آدامز) بوظيفتها المملة وتقرر أن تخوض مشروع جريء يتعلق بإعدادها لجميع الوصفات الواردة بكتاب جوليا تشايلد ، وتتشابه قصة “جولي باول” في هذه التجربة مع قصة جوليا تشايلد (ميريل ستريب) في كيفية غزوها للمطبخ الفرنسي بكثير من الشغف والخوف. ترشحت ميريل ستريب عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيسي.
7 – فيلم Doubt – 2008
تلعب ميريل ستريب في هذا الفيلم دور “الأخت ألوسيوس” Sister Aloysius في مدرسة سانت نيكولاس St. Nicholas School والتي بعدما أخبرتها الأخت جيمس Sister James (الممثلة إيمي آدامز) أن الأب فلين Father Flynn (الممثل الراحل فيليب سيمور هوفمان) يمنح إهتماماً زائداً لأول تلميذ أسود بالمدرسة ، تبدأ الأخت ألوسيوس حرب اتهامات وتشويه لسمعة الأب فلين دونما أية أدلة ، فقط لأنه كاهن ذو شخصية كاريزماتية وعقلية منفتحة ويدعو إلى إصلاح القواعد الصارمة والمستبدة للمدرسة. فيلم “الشك” Doubt ترشح لخمس جوائز أوسكار ، واحدة منهم لأفضل سيناريو لمؤلف ومخرج الفيلم “جون باتريك شانلي” John Patrick Shanley، بينما ذهبت الأربع ترشيحات الأخرى لأصحاب الآداء التمثيلي على النحو التالي: ميريل ستريب كأفضل ممثلة في دور رئيسي – فيليب سيمور هوفمان كأفضل ممثل في دور مساعد – إيمي آدامز كأفضل ممثلة في دور مساعد – ولأول مرة الممثلة السمراء فيولا ديفيس كأفضل ممثلة في دور مساعد.
8 – فيلم Music of the Heart – 1999
في هذا الفيلم تلعب ميريل ستريب دور معلمة الموسيقى “روبرتا” المصابة بحالة اكتئاب بعدما هجرها زوجها ، وتقرر الخروج من الاكتئاب بتدريس العزف على آلة الكمان الموسيقية للأطفال الفقراء ، وتبدأ هذه التجربة الجديدة بكل حماس ، وعلى الرغم من الخلافات الأولية لها مع مديرة المدرسة والطلاب ، ينجح برنامجها نجاحاً يصل إلى جلب التقدير العام لها. وبعد 10 سنوات ، يتم فجأة إلغاء برنامجها وذلك بعد تخفيضات الميزانية – فتعمل روبرتا (ميريل ستريب) مع مديرة المدرسة وتلاميذها السابقين على إقامة حفل لجمع التبرعات حتى تتمكن من مواصلة برنامجها في تعليم التلاميذ الفقراء العزف على آلة الكمان الموسيقية. ترشح هذا الفيلم لجائزتي أوسكار إحداهما كانت لميريل ستريب كأفضل ممثلة في دور رئيسي والثانية كانت لأفضل موسيقى.
9 – فيلم One True Thing – 1998
تلعب ميريل ستريب في هذا الفيلم دور “كيت جولدن” الأم التي لا تحظى بالتقدير الذي تستحقه ، وعندما تمرض ويتم تشخيص إصابتها بالسرطان تعود إبنتها “إيلين” (الممثلة رينيه زيلويجر) من نيويورك لتقوم على رعايتها بناءً على طلب والدها “جورج جولدن” (الممثل ويليام هيرت) ، وخلال الوقت الذي تقضيه “إيلين” مع والديها ، تكتشف أسرارًا لم تكن مطلعة عليها في طفولتها ، وعلى الرغم من أنها كانت ميالة بعاطفتها وعشقها لوالدها ، إلا أنها اكتشفت أن والدتها المريضة كانت تعيش حياة أصعب مما يمكن تخيلها. ترشحت ميريل ستريب عن هذا الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة في دور رئيسي.
10 – فيلم Out of Africa – 1985
ميريل ستريب تلعب في هذا الفيلم دور “كارين بليكسن” الزوجة الأرستوقراطية التي تسافر إلى أفريقيا لتنضم إلى زوجها ،”برور” (الممثل كلاوس ماريا براندوير) ، وبعدما تكتشف “كارين” أن زوجها “برور” غير مخلص ، تبدأ قصة حب جديدة مع الصياد “دينيس” (الممثل روبرت ريدفورد) ، لكنها تكتشف أنه يفضل أسلوب حياة البسطاء مقارنة بخلفيتها الأرستقراطية ، ورغم ذلك يستمر الاثنان في علاقتهما حتى تجبر سلسلة من الأحداث “كارين” على الاختيار بين حبها وبين طموحات شخصيتها الأرستوقراطية. هذا الفيلم ترشح لأحد عشر جائزة أوسكار وكالعادة كان من بينهم ترشيح ميريل ستريب كأفضل ممثلة في دور رئيسي بينما حصد الفيلم من مجموع الترشيحات 7 جوائز أوسكار جائزتان منهم كانت كأفضل فيلم للعام وأفضل إخراج من نصيب منتج ومخرج الفيلم “سيدني بولاك” وخمس جوائز أوسكار أخرى لأفضل سيناريو وأفضل تصوير وأفضل ديكور وأفضل صوت وأفضل موسيقى تصويرية.
النجمة ميريل ستريب لها العديد من أفلام أخرى عظيمة ترشحت عنها لجائزة الأوسكار وهي: فيلم Ironweed عام 1987 مع النجم جاك نيكلسون – فيلم The Deer Hunter عام 1978 مع النجم روبرت دي نيرو – فيلم Marvin’s Room عام 1996 مع النجم الصاعد آنذاك ليوناردو دي كابريو – فيلم The Bridges of Madison County عام 1995 مع النجم كلينت استوود – فيلم A Cry in the Dark عام 1988 (الإسم الأصلي للفيلم “ملائكة الشر” Evil Angels ) – فيلم Postcards from the Edge عام 1990 مع النجمة شيرلي ماكلين والنجمين جين هاكمان ودنيس كويد – فيلم Silkwood عام 1983 مع الممثل كيرت راسل – فيلم The French Lieutenant’s Woman عام 1981 مع النجم جيريمي آيرونز – فيلم The Devil Wears Prada مع النجمة آن هيثواي – فيلم Adaptation مع النجم نيكولاس كيدج.
ولها فيلمان آخران نالت عنهما جائزة الأوسكار وهما: فيلم Sophie’s Choice – إنتاج عام 1982 – كأفضل ممثلة في دور رئيسي ، وفيلم Kramer vs. Kramer من إنتاج عام 1979 كأفضل ممثلة في دور مساعد ، وهو الفيلم الذي شاركها فيه البطولة النجم داستن هوفمان وفاز عنه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي ، وفاز في نفس الفيلم الكاتب والمخرج روبرت بنتون بجائزتي أوسكار إحداهما كأفضل سيناريو والأخرى كأفضل مخرج.