أحمد عصام السيد .. ممثلا كوميديا !
بقلم : محمد حبوشة
لاشك أن الكوميديا لها دور فى صميم حياتنا النفسية والاجتماعية المصرية قديما وحديثا، فنحن نريد أن نضحك حتى نخفف عن أنفسنا بالكوميديا، والضحك إضافة إلى هذا هو ظاهرة اجتماعية فى أغلب شأن، فنحن لا نضحك ضحكاً مفرطاً حينما نكون وحدنا، وإذا حدث هذا فإننا نضحك بدافع تخيلنا للنكتة التى شاركنا فى الضحك عليها شخص آخر أو أشخاص آخرون.
إذا يبدو الضحك فى جوهره بالفعل ظاهرة اجتماعية ، ولعل شيئاً من هذا المكان فى ذهن صمويل جونسون، حين قال: “اختلف الناس فى الطريقة التى يعبرون بها عن حكمتهم، ولكنهم اتفقوا على الطريقة التى يضحكون بها”، والضحك، فوق هذا وذاك، ابتهاج بالحياة، أو كما عبر عنه فولستاف، ذلك الضاحك طيب القلب فى قوله لجمهوره: “تحبون الدنيا؟
إذن لأستخدمن فنى فى إقناعكم بأنها هكذا فعلا”.
وفى كتابه الشهير: The Physiology of laughter يقول هربرت سبنسر: إن الضحك هو مجرد فائض للطاقة الإنسانية وعلى المرء أن يجد له متنفساً ليخرج هذه الطاقة من جسده والطاقة الفائضة التى يثيرها الإحساس بالسرور والبهجة لابد أن تبحث لها عن منفذ من خلال الظاهرة الصوتية المتعلقة بعملية التنفس والتى نطلق عليها الضحك .
من أجل ذلك ستجد أن الثقافة الشعبية المصرية مفعمة من الناحية الفكاهية بالمواقف الطريفة بالأقوال والحكم، وهى ظواهر صوتية تبدو مؤلمة تارة ومضحكة تارة أخرى، ولعل ذلك يعد السبب الجوهرى فى أن الشعب المصرى هو بالسليقة ابن نكتة، وآخر الفكاهيين المصريين من أولاد النكتة الذين لفتوا نظري في مجال السخرية اللاذعة، هو الكوميديان من طراز رفيع المخرج الشاب “أحمد عصام السيد” من خلال برنامجه الجديد على اليوتيوب “قصة ولا مناظر”
البرنامج في حد ذاته بما يحمله من مضمون يركز بالأساس على تعلم “فن السينما” من خلال شرح مبسط من جانب “أحمد” يتعلق بزاويا التصوير، وصناعة الكادر السينمائي في أروع صوره، وذلك بالاستشهاد بمخرجين عالميين ومصريين موهوبون بالضرورة في صناعة السينما بخلق صورة تعتمد على الخيال الذي يجلب الإبهار.. كل ذلك جميل ورائع من جانب مخرج شاب يتطلع إلى خلق ثقافة بصرية لدى المشاهد العادي، ولكن الملفت في هذا البرنامج هو شخصية “أحمد عصام السيد” الكوميدية بامتياز.
ولأن ابن الوز عوام، كما يقول المثل الشعبي الدراج، فقد ظهر لي الفنان الشاب “أحمد عصام ” ممثلا كوميديا مكتمل العناصر، وذلك من خلال لغة جسد رائعة ومعبرة، رغم أنه يتحدث – كما ذكرت سابقا – في موضوعات أكاديمية عن الوضع المثالي للكاميرا، و كيفية صناعة الفيلم السينمائي على المستوىين الجمالي والدرامي معا، وقد شرح بأسلوب سهل مختلط بحس كوميدي، قواعد تكوين حلو ومريح للعين على المستوى الجمالي، وذلك بتقسيم الشاشة أفقيا ورأسيا إلى مربعات لتشكل في النهاية كادر مثالي، مستشهدا في ذلك بأفلام “الناصر صلاح الدين لأاحمد مظهر، والحريف لعادل إمام، إسكندرية ليه ليوسف شاهين” ثم ينتقل بنفس الإيقاع المريح ليحدثنا عن “سيمترية الكادر” لدى كل من المخرج الأمريكي “ويث أندرسون” والمخرج المصري الموهوب “مروان حامد” في فيلم “الأصليين”، وصولا إلى كيفية أن تبروز ممثلا بعينه داخل كادر معين، وتطرق إلى زوايا التصوير الصحيحة لعمل نوع من العمق في الصورة.
وعلى المستوى الدرامي بدا أداء “أحمد” رائعا في سخريته وقفشاته المحببة، وهو يتحدث عن الكاميرا كأداة في يد صانع الكادر أو المشهد، مثل ريشة الرسام أو قلم الكاتب، وأضاف جملة جميلة بسخرية مقصودة قائلا بطريقة كوميدية على سبيل الدعابة: “إذا كنت سباك فهذه هى بمثابة”المفك”، وتطرق إلى أن زوايا الكاميرا معروفة ومعدودة على النحو التالي: “Top Angle، Hight Angle، I level، Low Angle، Point Of View”، وكل واحدة من الزوايا تستطيع أن تعبر بها عن المعنى وعكسه تماما، لكن الذي يفرق في الأمر كله هو طريقة تخديمك على الكادر والمحتوى بشكل عام من خلال صناعة المشهد.
وقد استشهد بعدة مشاهد تشرح ذلك، كما هو الحال في أفلام “الفيل الأزرق، أيام السادات، الإرهاب والكباب، الناظر، ثم شرح قدرة المخرج على استخراج معنى جديد عكس الزاوية تماما أو دمج معنيين بعضهما البعض في نفس الزاوية الزوايا .. المهم أنك تحاول ولا تخف من أن تفشل فتبقى التجربة هى الأهم.
انتهت 7 دقائق و48 ثانية هى عمر برنامج “قصة ولا مناظر” سريعة جدا، فقد مر الوقت خاطفا، لكن ظل أثر الأداء الكوميدي من جانب “أحمد عصام السيد” عالقا في ذهني، ومؤكد أيضا في ذهن من شاهدوا هذا البرنامج، وهو ما يبشر بمولد ممثل كوميدي آثر الوقوف خلف الكاميرا، رغم ما يملكه من قدرات تمثيليلة كوميدية يمكن أن تضعه في مصاف نجوم كبار أثروا حياتنا الفنية على مستوى أعمال أدخلت البهجة في نفوسنا طوال سنوات، ومنهم بالتأكيد من درس الإخراج كمهنة، لكن هناك من اكتشف قدراتهم التمثيلية التي أسعدت الجماهير أمام الكاميرا.. لذا نشد على يد “أحمد عصام ” أن يتجه فورا وبلا تردد إلى الوقوف أمام الكاميرا، حيث سيمتعنا أكثر وأكثر بما يملكه من طاقة كوميدية قادرة على تفجير الضحك من أعقد المشكلات التي تحاصرنا كما فعل مع موضوع أكاديمي بحت استطاع أن يفجر من خلال الضحك بفرط من سخرية مستحبة وغير جارحة.
وهنا أسوق له رأي الدكتور يسرى عبد المحسن أستاذ الطب النفسى بأن السخرية تعد من أهم الموروثات لدى الشعب المصرى، والتى يجد فيها فرصة لمعارضة الحكام على مر السنين، خصوصاً أن معظم من تولى حكم مصر عبر التاريخ كان بعيداً عن معاناة الشعب الحقيقية وتفصله بطانة تعزل الشعب عن الحكام.
وأطمئنه من جانبي إلى أن المصريين معروف عنهم حب الدعابة والسهر فى جماعات أمام المقاهى التى تتحول إلى منتديات سياسية يلتقى فيها الجميع فى دوائر مستديرة لمناقشة مختلف القضايا، بدءاً بالسياسة وانتهاء بالأسعار والحوادث والقصص والحكايات المسلية”، وهو الأمر الذى جعل الأغنية الفكاهية والفيلم الكوميدي على مدار تاريخها حاملين للعديد من المعانى والمواقف التي تشبه برنامج “قصة ولا مناظر”، ذلك الذي دفع به ممثلا كوميديا أراه رائعا بفضل أدائه المبهر الذي ظهر على نحو يعكس موهبته.