تعالوا يا بنات نلعب مسلسلات
بقلم : محمد شمروخ
تابعت حلقات طويلة من مسلسل “حكايات بنات” بأجزائه المتعددة وهو وإن كان من نوعية الأعمال الدرامية التى لا تستهوينى لا بسبب إلا أننى كان لابد من متابعتها لمزيد من التعرف على هذه النوعية التى أراها قائمة على الافتعال منذ بدايتها، افتعال في المواقف وافتعال في الحوار وافتعال في الأداء.
لن أقول إنه يقدم صورة غير واقعية عن المجتمع المصري، أبدا فالمسلسل واقعى جدا في نقل صور وأفكار ومشاكل شريحة مهمة من المجتمع المصري، لكن من قال إن الفن هو مجرد نقل وتقليد للواقع على طريقة “COPY – PASTE” فتلك وحياتك صورة مزيفة للفن بل وتقتل روحه الإبداعية وتوقف نموه وتزيد بأن تقدم تبريرا لكل الأصناف المنحطة من الأعمال الغنائية والتمثيلية بداية من أغانى التكاتك وحتى أفلام البورنو، فليس لهم من حجة إلا أنهم يعبرون بالفعل عن واقع.
وأنا هنا أقر وأعترف أنها فعلا تعبر عن واقع بل وتجسده ولكن من ذا الذي افترى بالكذب عيانا بيانا ليجعل الفن هو تجسيم للواقع المباشر.
بل تعال هنا وأجبنى فورا.. ومن قال إن الواقع لدي بمفهومه هو الواقع لديك بمفهومك وهو الواقع لديه بمفهومهم، فنظرة الفنان إلى الواقع لا معنى لها إن لم تختلف عن النظرة السطحية لى ولك ولهم ولهن.
فالواقع يا سيدي الواقع يتعدد بتعدد الواقعين والواقعيين.. فكل منا يرى الواقع من زاوية وقوع مختلفة!.
ووقوع عن وقوع يفرق يا صاحبي..
وأجبنى لو استطعت: أترى نظرة واحد مثل نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس أو محمد عبد الحليم عبد الله أو عبد الحميد جودة السحار وغيرهم من أصحاب الروائع الذين أثروا السينما بأعمالهم الأدبية، أترى نظرة أي منهم إلى راقصة مثل نظرة صاحب كباريه أو وكيل فنانين أو قواد؟!… “
ربنا يسامحك يا أستاذ شرابي يا بتاع كله”
فحجة تجسيد الواقع والتعبير عنه هي حجة العاجزين في الفن والأدب وجميع مجالات الإبداع على السواء.
ونعود لمسلسل حكايات بنات، فلأنه مفتعل فهو لأن الواقع الذي عبر عنه لمستويات وشرائح اجتماعية تعيش حياتها مفتعلة، وكأنها تعيش الحياة (DAYUSE) لمجموعة بنات كيكا مع ولاد خيخا والكل دلعهم مرئ ولا ترى البنات في الحياة غير التلاعب بالمشاعر الإنسانية، سواء كانت مشاعر الرجال الأكثر تفاهة أو مشاعرهن هن أنفسهن تحب وتكره وتكره وتحب.. بالفعل عالم فاضية.
وتراهن يؤدين بطريقة فتيات الشريحة الديوزية نفسها من عوجة البق ولوى اللسان والاستظراف في تحريك قسمات الوجوه وهز الاكتاف في حركات هيستيريكال مع نطق الكلمات وحشر عشروميت كلمة من قاموس إلياس الجيب وتعلم الإنجليزية بدون معلم.
ولكن مع كل هذا لا أدرى ما سبب اعتقادي بأنه كان من الممكن أن يقوم السيد المخرج باستغلال قدرات الممثلات في هذا المسلسل، خاصة أن منهن من أبدين قدرات تمثيلية هائلة تبشر بنجمات حقيقيات لكنهن للأسف وقعن في أسر التفاهة باقتدار عجيب.
وسعادتك تعال مرة أخرى واركن واقعك على جنب وأخبرنى: كيف يمكن أن ترى حياة لكل هذا العدد من الناس تسير كل أيامها في شوارع بكل هذا الروقان ولا أي معاناة في إشارات ولا ركنات.. لا كمان.. ولا كأن حد من قرايبهم ولو من بعيد، ينتمى لبقية خلق ربنا.. المهم فقصة الواقع هذه قصة مزيفة كالواقع تماما لكل الموضوعات التى اختارها مؤلف وسينارست هذا العمل بأجزائه المتوالية.
زيف وافتعال وهيافة متعمدة وكأن القائمين على العمل يعمدون لتجاهل أي قدرات حقيقية فيهم بكل الطاقم من مخرج وسينارست وممثلين، كأنهم كانوا يكبتون إبداعاتهم التى كانت تخرج في فلتات معدودة وتعبيرات نادرة لولا أنى لمستها لما كتبت كلمة عن هذا المسلسل.
“ولازم تصدقنى عندما أقرر لك بأن الذي يتعمد إظهار التفاهة في حقيقته لا يمكن أن يكون تافها بهذا الشكل”.
ستقول إن المسلسل لاقى نجاحا ومتابعات وتشييرات ولايكات بالهبل – أي نعم هذا وقع بالفعل – ولكن بمجرد الانتهاء من الأجزاء ستنسى ذاكرة المشاهدات والمشاهدين – وربما الممثلات والممثلين – ما كان يعرض.
بقى شيء وهو أخطر ما في المسلسل ولعله “الخية” التى وقع فيها الجميع وهو محاولة نشر قيم انفلات أخلاقى واجتماعى بتقديم أشكال لعلاقات أقل ما يقال عنها أنها عالم سايبة وأهلهم أكثر برودة من المحيط القطبي، مع أنهم في مستويات يراها المجتمع أنها النماذج المثلى..
باختصار الرسالة وصلت متأخرة جدا لأنه لو جيت للحق، ففي تلك الشريحة التى يحاول المسلسل نقل حياتها، من هم أكثر انفلاتا من المسلسل بكل أجزائه ولكن بصورة تجاهلها صناع العمل تماما ليحاولوا إقناعنا بأنهم يقدمون صورة من مجتمع ملائكى يرفل في النعيم وكل مشاكله عن الصحوبية والحب مع أحلى تشكيلة من الموبايلات والسيارات والأزياء والديكورات.. حاجة آخر ألاجة.. مع أن هذه الشريحة على عكس ما قد يظن البعض، مفعمة بموضوعات درامية لو وجدت من يعبر عنها بصدق فنى حقيقي لخرج علينا بدرر فنية تضاهى ليالي الحلمية ولكنهم تكاسلوا أو تجاهلوا ركضا وراء الصور الزائفة هنا وهناك.