رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عودة الحوار المفقود

بقلم: محمود حسونة

ليس كل ما يفرزه كورنا في حياتنا بلاء، فالجلوس في البيت وعدم الخروج إلا للضرورة قد يكون فضيلة، ويكفي أنه يعيد تشكيل العلاقات الأسرية من جديد، ويردم فجوة كبرت واستفحلت بين الأهالي وأبنائهم، بعد أن أخذت هموم الحياة ومسؤولياتها الوالدين من أبنائهم، وأخذت التكنولوجيا ومخلفاتها الأبناء بعيدًا بعيدًا إلى عالم مجهول لذويهم. 

معظم أبنائنا انصرفوا عن عالمنا وعن ثقافتنا إلى العالم الأوسع والأثرى ثقافة وفناً، أخذتهم السينما الأمريكية، وغاصوا في تفاصيلها، ولم تقنعهم سواها، واستمعوا واستمتعوا بالأغاني الغربية، وتابعوا نجوم العالم في الفن والرياضة. 

تركناهم للشبكة العنكبوتية تشكل وعيهم وثقافتهم ووجدانهم، ولم يكن لدينا ولا لديهم الوقت المشترك لنعرفهم على عالمنا ولا على فننا، وهو الذي أصبح متاحاً في وقت الوباء الذي فرض علينا أن نغلق عليهم وعلينا أبوابنا، ليبدأ بيننا وبينهم حوار كان مفقوداً، حوار المشاعر والأحاسيس والوعي والثقافة والفن، ولنفاجأ بأنهم كانوا ينتظرون هذه اللحظة، ويسعدهم أن نتشارك سوياً في مشاهدة فيلم، أو الاستماع إلى أغنية.

قلبنا سوياً المحطات التليفزيونية، فإذا بالبرامج لا تحمل لنا جديدًا، رغم أن لا صوت يعلو فوق صوت كورونا، وجديدها من الأخبار يبحث عنه الجميع كباراً وصغاراً، ولكن للأسف عجزت محطاتنا ببرامجها ومذيعيها عن أن تقدم لنا جديداً يختلف عما نتابعه على مدار اليوم عبر المواقع الإلكترونية. 

وأمام الملل البرامجي لم يكن هناك سوى قنوات الأفلام واليوتيوب والتطبيقات الإلكترونية، ووجدناها فرصة لنعرف أولادنا على النجوم الذين تعلقنا بهم وشكلوا لنا وجداننا سينمائيًا وغنائيًا ومسرحياً، وكانت المفاجأة بأن الأفلام القديمة لا زالت هي الأكثر سحراً وجاذبية للأجيال المختلفة. 

في زمن كورونا تعرف أبناؤنا على نجيب الريحاني وليلى مراد، وتعلقوا بسعاد حسني وفاتن حمامة وشادية ورشدي أباظة وإسماعيل ياسين وشكري سرحان، وضحكوا مع عادل إمام وفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي، وانشغلوا بنور الشريف ومحمود عبد العزيز وأحمد زكي. أيضاً عرفوا أم كلثوم، وغنوا مع عبد الحليم حافظ، وأحبوا فيروز.

استمتع أولادنا بأفلام مثل (الزوجة الثانية، والزوجة ١٣، باب الحديد، الأرض، الإرهاب والكباب، معبودة الجماهير، الوسادة الخالية، الخطايا، أبي فوق الشجرة، خلي بالك من زوزو، أميرة حبي أنا).. وعشقوا مسرحيات (مدرسة المشاغبين، شاهد ما شافه حاجة، الواد سيد الشغال، سك على بناتك، تخاريف، أهلاً يا بكوات)، وغيرها..

هذه مجرد نماذج من أعمال تعرف عليها أولادنا وكانوا يجهلونها تماماً، وكانت كل علاقتهم بالفن المصري لا تتجاوز ما أجبرناهم على حضوره معنا في دور السينما، وتعرفوا من خلاله على بعض نجوم اليوم، وأصدروا أحكاماً واعية عليهم تراوحت مابين الإعجاب بالبعض والنفور من البعض الآخر. ولكن المفاجأة كانت في أفلام زمان التي أحببناها منذ عقود وأحبها أبناؤنا بعدنا بعقود. 

هذا أحد فضائل كورونا، التي خلقت مشتركات جديدة بيننا وبين أبنائنا وأكدت أن الفن الراقي ليس له عمر، ويمكن أن تتوارثه الأجيال، والأهم أن التليفزيون أصبح وسيلة إعلامية في مهب الريح بعد أن أصبح مذيعوه يخاطبون أنفسهم في زمن اليوتيوب والإعلام الالكتروني الأكثر تطورًا وديناميكية، والشاشة لن تكون في الغد سوى شاشة عرض للجيد من الأعمال الفنية سواء القديم منها أو الجديد، في عالم يتجدد كل يوم، ويفاجئنا بما لم يكن في الحسبان. 

كل أزمة نتعرض لها في حياتنا أكثر من وجه، والمهم أن نستغل الوجه الحسن ونوظفه لصالحنا ولصالح من نحبهم، نعيد وصل ما قطعته ضغوط الحياة، ونقطع ما تأذينا من وصله، ونمنح أنفسنا الفرصة للتأمل في عظمة الخالق والتي تبرهن عليها حركة الكون في كل وقت وحين، ولكننا في إطار لهاثنا وراء النجاح وتحقيق الطموح والسعي لأجل لقمة العيش لا نبصر كثيراً من الحقائق التي تحيط بنا من كل جانب. 

mahmoudhassouna2020@gmail.com 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.