بقلم : محمد حبوشة
يا مصر وانتى الحقيقة
وانتي اغترابي وشقايا
انتي الجراح الرهيبة
وانتى اللى عندك دوايا
علمنى حبك عبارة
سهلة وبسيطة وعفية
شرط المحبة الجسارة
شرع القلوب الوفية
بهذا المقطع الذي يحمل كل المشاعر الوطنية، توجه المطرب المصري الكبير الذي يلقب بـ “الكينج” محمد منير، بالشكر إلى جيش مصر الأبيض من الأطباء والممرضين والطواقم الطبية التي تحارب من أجل منع تفشى فيروس كورونا، وانطلاقا من حسه الوطني الرفيع استعان “الكينج” بصور الأطباء والطواقم الطبية وهم يرتدون القناعات والكمامات من الحجر الصحى خلال فيديو لأغنية “ياما مويلى الهوا” الذى نشره عبر حسابه بموقع تويتر، موجها شكره للأطباء، حيث علق قائلاً:” جيش #مصر الأبيض .. شكراً”.
وتأكيدا على على هذا الموقف الوطني قررنا أن نخصص “بروفايل” هذا الأسبوع للفنان والمبدع “محمد منير” تحية تقديرا واحترام لموقفه الإنساني والوطني في هذا الوقت العصيب من عمر “الكينج” تزامنا مع أزمة كورونا التي تمر بها البلاد، والذي غرد قبل أيام على “تويتر” قائلا: “أشعر بالفخر والأمان مع أزمة كورونا بشكل متحضر ومنظم وواعي، وأطلب من جمهوري الحبيب الالتزام بكل طلبات الحكومة، وأنا على ثقة أننا سوف نعبر هذه الأزمة بعون الله”، وهو الأمر الذي يعكس حسا وطنيا ولد مع “الكينج” الذي نشأ بقرية “منشيه النوبة” بأسوان وسط طبيعة خلابة عرفت بالفطرية، وتلقى تعليمه المبكر في كنف تلك القرية، وقضى فترة الطفولة الأولى والصبا في أسوان، قبل أن يهاجر مع أسرته للعاصمة، بعد غرق قرى النوبة تحت مياه بحيرة ناصر التي خلفها السد العالي، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
الغناء هواية منذ الصغر
أحب “منير” الغناء كهواية له منذ الصغر وكان بداية تطلعه الغنائي إنه كان يغني لرفاقه في فترة تجنيده بالجيش، وكانت بدايته الحقيقية بانضمامه إلى الموسيقار “هاني شنودة“، والذي غير مسار حياته ومن جانبه أضاف للمجموعة كثيرا، بألحانه وتوزيعاته غربية الطابع في ذلك الوقت، بل إنه جلب أعضاء فرقته الحديثة وقتها “فرقة المصريين” ليرددوا ويعزفوا أغاني ألبوم “منير” الأول الذي لم يصادفه النجاح.
ومن بعد هذا الألبوم جاء الألبوم الثاني من إنتاج نفس الشركة التي اقتنعت بتلك المجموعة، حيث جاء “شنودة” بيحيى خليل وفرقته، ومن ثم حقق الألبوم نجاحا كبيرا، وتبعه نجاحات متتالية في ألبومات نتاج لتعاون كامل مع فرقة يحيى خليل، وملحنين وكتاب شباب وكبار، وتنوعت التجارب وأثراها اتجاه منير للدراما، وإشراك فرق غربية أيضا، والغناء بلهجات شامية وسودانية وجزائرية في خضم ما عرف بموسيقى الجيل وخلطها بين القوالب المختلفة في إطار التجديد في شكل الغناء.
على الرغم من دراسة “منير” السينمائية إلا إن عشقه للغناء وميوله الموسيقية كانا قد حسما قراره في تحديد إتجاهه، ولعل تشجيع أخوه الأكبر “فاروق” شجع منير على موهبة الغناء التي كان يتمتع بها عبر عذوبة صوته كان سببا مباشرا لامتهانه الغناء، فضلا عن أن “فاروق” وجد في أخيه الأصغر الحلم الذي طالما حلم به، لذلك كان له منذ الوهلة الأولى الأب الروحي الذي تولى توجيهه ورسم طريقه منذ البداية، ومن حسن الحظ أن “فاروق” كان يرتبط بصداقة مع اثنين نسجوا بدايات محمد منير الفنية على نول الفن الحقيقي والمعبر عن طين الأرض وحلم الوطن، وهم الشاعر الكبير “عبد الرحيم منصور” والملحن المبدع “أحمد منيب”، واللذين شكلا أسلوب وطريقة “الكينج” في الغناء.
جمع فاروق بين الثلاثي الأسطورة “منير – عبد الرحيم – منيب” وما أن استمع عبد الرحيم منصور وأحمد منيب إلى محمد منير حتى شعروا إنهم أخيراً وجدوا ضالتهم في هذا الشاب الصغير الذي اقترن فيما بعد بما يعرف بموسيقاه الخاصة التي يخلط فيها الجاز بالسلم الخماسي النوبي، وكلمات أغانيه العميقة، وأسلوب أدائه ومظهره غير الملتزم بتقاليد الطرب والمطربين، وبخاصة شعره النامي المفلفل بفوضى وطريقة إمساكه بالميكروفون ووقوفه وحركاته العصبية الغريبة أثناء الغناء، ومن هنا أدرك الثنائي”عبد الرحيم ومنيب” أنهم في طريقهم إلى صنع أسطورة غنائية حقيقية لا يتبقى لها إلا التوفيق والنجاح حتى تكتمل.
الملاحظ في مسيرة “منير” أن أهم ما يميزه عن كل أبناء جيله أنه الوحيد الذي كان يحمل مشروعا غنائيا متكاملا، ودائما يكون ظهوره حدثا مهما لأنه قليل الظهور والحديث، ولكن جمهوره ومحبيه فى كل العالم العربى والغربى ينتظرون دائما طلته، ويبدو أن الجانب الاجتماعى والإنسانى لدى الكينج هو المحرك له فى الظهورفي الحفلات الخيرية حيث يقول في هذا الصدد: “دائما لا أتوانى عن المشاركة فى الأنشطة الخيرية الإنسانية، لأننى أعتبر هذا الأمر واجبا وطنيا، وهو مايعكس حبه لتراب مصر ونيلها وأرضها الطيبة التي جاء من طينها على جناح حلم غنائي مختلف ويتمتع بحسن وطني عالى، كما جاء مؤخرا في كلمته لتحية جيش مصر الأبيض من الأطباء وطواقم التمريض وكافة العاملين في قطاع الصحة في مواجهة فيروس كورنا.
وهنا يبدو لي “محمد منير” ليس مجرد فنان كبير يغنى ليمتع الجمهور التي عرفته على مدار أكثر من 40 سنة، ولكنه حالة فريدة من المطربين الذين يحملون رسالة وطنية منذ أول أغنياته، فهو يختار كلماتها ليس للإمتاع فقط، وإنما للتحفيز والحس على الأفضل، لذلك يبدو ملحوظا أن كل أغنية من أغنياته تمثل حالة خاصة من الحب، حب الوطن والخير والنيل والحياة والبشر، والجيران، يغنى للوطن والحرية والحب والسلام، ولا يكتفى بكلمات أغنياته وألحانها العذبة الشجية التى تنساب إلى وجدان عشاقه ومحبيه، ولكنه دائما يتواصل مع جماهيره وخاصة من الشباب والفتيات الذين يراهن عليهم ويرى أنهم بناة الغد المأمول، وصُناع الحلم المرتجى.
ربما أثرت نشأة “منير” في فترة الطفولة والصبا في بلاد النوبة إلى حد كبيرعلى شخصيته التي تكونت على شاكلة أهل النوبة الذين عبدو قديما آمون، إلها للشمس والريح والخصوبة، فامتلك القدرة على التجدد وإعادة خلق نفسه، واستطاع التحول لأفعى وطرح جلده، ثم تجلى للخلق، بينما ظلّ، في الوقت نفسه، منفصلاً ومستقلاً عنه، وعندما اتحد مع رع، استطاع الجمع بين النقيضين “التجلي والخفاء”، وإعادة تشكيل نفسه من جديد، تماما كما فعل “منير” مع “عبد الرحيم منصور وأحمد منيب” في إنتاج تجربة خاصة ومستقلة تجمع بين العاطفة والوطن في ثوب يجمع الأصالة والمعاصرة، ويشدو بأغنيات خلدها الوجدان الشعبي .. هكذا كان محمد منير، ابن النوبة ورمزها الأوحد منذ عدة عقود، فرغم أنه همشت فيها تلك المملكة الأم، منبت الإمبراطورية المصرية؛ لكن مشواره الحافل استطاع التجلي والخفاء، في أن يكون فنان الشعب تارة، وفنان النخبة تارة أخرى.
فارس الأغنية الوطنية
في أول ألبوماته؛ لم يلق نجاحا شعبيا يذكر، بل كان المسيطر الأساسي لون الغنائي وقتها، الفنان الراحل الكبير “محمد حمام”، كفارس للأغنية الوطنية المستمدة من طين الأرض وفطرة الأم بعفويتها المطلقة، لذا ما تزال تتربّع على قلوب الجماهير حتى الآن، والحقيقة أنّه، وبحسب حلقات تلفزيونية بعنوان “الموهوبون في الأرض”، تحدّث فيها الكاتب الصحفي، بلال فضل، عن محمد منير، بحكم الصداقة التي جمعتهما منذ تسعينيات القرن الماضي، وشاهد عيان على فترة صعوده جماهيرياً، أوضح فيها أنّ “منير، بذكاء فطري، استطاع تطوير الموسيقى المصرية بشكل غير مسبوق في عصره، وبتوأمته مع الرباعي: هاني شنودة، ويحيى خليل في الموسيقى والألحان، وعبد الرحمن الأبنودي، وعبد الرحيم منصور في الشعر.
ولأن الموسيقي النوبية تحمل في قوامها طابع إفريقي، نجح منير في التوازن بين الموسيقى الشرقية والغربية وذلك من خلال عدم تخليه عن جذوره النوبية، حيث إن نغمات أغانيه تأتي من على ضفاف النيل ممزوجة بأفكار موسيقي تتلاءم مع روح الغرب مثل بوب مارلي، ومايكل جاكسون، لذلك عمل منير على تجديد التراث النوبي ونقله للعالم الخارجي، مما جعله واحدا من الفنانين المصريين القلائل الذين تركوا بصمتهم في المجتمعات الغربية وبمنهجية لا ينافسه فيها أحد.
وهو هنا لم يكن مهتماً فقط بتراث بلدته، لكنه كان مهموما أيضا بالتجديد للعديد من الفنانين الذين نجح في تطويع وتوظيف صوته على أعمالهم، بل إنه لم يذهب لأعمال معروفة أو فنانين أصحاب جماهيرية كبيرة بل ذهب للتفتيش عن مطربين لم يأخذوا حقهم على الساحة الفنية مثل آخرين، وبفضل إعادته لأعمالهم وضع لهم نجومية من طابع خاص، وكان من بين هؤلاء الراحل سعد عبد الوهاب” بأغنية الدنيا ريشة في هواه، وليلى جمال بـ “شىء من بعيد نداني”، و نجاة بـ “أنا بعشق البحر”، وهي واحدة من أهم الأعمال التي جددها الفنان في رحلته الفنية.
وبهذا يتضح لنا أن “الكينج” لم يأتي في بداية حياته من أرض أسوان مسافرا على جناح حلمه إلى القاهرة ليبحث عن أعمال فنية، لكنه كان يحمل بين جوانحه حلما بحجم الوطن، فقط كان يبحث عن جهة إنتاجية بينما مشروعه الفني كان جاهزا مكتملا مثلما كان فريدا و مميزا، فبعد اجتماع الثلاثي “منير – عبد الرحيم – منيب” إنضم إليهم الموسيقار هاني شنودة، الذي أضاف لفريق العمل بألحانه وتوزيعاته الغريبة الطابع، هؤلاء المبدعون نسجوا معا خليطا رائعا ونادراً من الموسيقى النوبية والسلم الخماسي مع الموسيقى الشرقية مع الموسيقى الغربية في سياق فريد ومختلف، وربما كان يدرك أنه لن يحظى بقدر كبير من الشهرة في البداية، لكن كانت لديه قناعة أكبر بأنه صاحب مشروع غنائي مختلف ومغاير يضعه وحده في منطقة خاصة به وحده.
ولقد كانت الإنطلاقة الأولى في تاريخ محمد منير، ألبومه “علموني عنيك” الذي خرج للنور عام 1977، ثم قدم عام 1981 ألبوم “شبابيك” الذي حقق مبيعات هائلة وفي هذا الألبوم انضم إلى فريق العمل الموسيقار يحيى خليل بفرقته التي تولت توزيع الألبوم بالكامل، ليكون محمد منير هو أول مطرب عربي يقدم موسيقى الجاز، وقد صنف ألبوم “شبابيك” بعد ذلك بسنوات من ضمن أفضل الألبومات الموسيقية العربية والأفريقية في القرن العشرين.
موعد مع سينما شاهين
ثم كان منير على موعد مع كاميرا يوسف شاهين، حيث شارك في 1986 في فيلم “اليوم السادس” مع المطربة الراحلة “داليدا”، وشارك أيضاً في نفس العام في فيلم “الطوق والأسورة” مع شريهان للمخرج خيري بشارة، وكان فيلم “المصير” هو التعاون الثالث بين منير وشاهين، والذي انتج عام 1997، وشارك الفيلم في العديد من المحافل والمهرجانات الدولية، وتم تكريم يوسف شاهين بجائزة خاصة في الذكرى الـ 50 لمهرجان كان السينمائي، وقدم منير أغاني الفيلم في ألبوم حمل اسم الفيلم ومن أهم أغنياته “علي صوتك بالغنا / لسه الأغاني ممكنة”.
“محمد منير” يقول بنفسه : إنني منذ ولدت لا أملك حلما في حياتي سوى حلمي بالغناء والموسيقى، خاصة الغناء الوطني، لذا أتمنى من الأجيال الجديدة التي أراها تغني للوطن أغاني معقولة أن تعمل أكثر وبشكل أكثر جدية لإنتاج أعمال وطنية صادقة للوطن ككل، وأن تتلمس في خطاها الموسيقى النابعة من قلوب ونبض الناس، مضيفا: بالفعل كل مرحلة كان لها تحدياتها، وكانت التحديات في مجملها صعبة، لأنني كنت ألج كل مرحلة منها وأنا محمل بالجديد، الجديد في طلته الأولى لا يكون مرحبا به في أغلب الوقت، فكنت أحمل في صدري كل ماهو جديد سواء كان موسيقيًا أو حتى الجديد على صعيد المظهر، نظرًا لعدم التزامي بالمظهر التقليدي الذي كان يظهر به الفنانون آنذاك.
ويدلل منير على كلامه في مقام آخر قائلا: أنا أؤمن أنه لا يوجد فن جيد بدون معاناة، لذلك أرفض دائما النجاح الجاهز في برامج المواهب التليفزيونية التي انتشرت مؤخرا، على الرغم من أنها تساعد الفنان في تقديم نفسه، ولكنني مقتنع أن الفن هو رحلة حياة كاملة، ولا بد أن تقابله الصعوبات خلال تلك الرحلة، وتقابله العثرات التي تطرحه أرضًا فيقوم من جديد وينفض عن نفسه الغبار ليتابع المسيرة، وهو ما سيجعله يكتسب الخبرات اللازمة لمشواره الفني، وبالطبع، وهو أمر طبيعي.
شراكات إبداعية ناجحة
فمنير منذ انطلاقته وحتى هذه اللحظة يحيط به مجموعة من الموسيقيين والفنانين العالميين الذين كون معهم شراكات فنية وإبداعية ناجحة، صبت بدورها في نوعية ونكهة الموسيقى التي قدمها، وحرص طيلة حياتي على تقديم ما يشعر به وما يعبر عنه هو نفسه، وهو في هذه الحالة يعني وجه مصر وتراثها وفنها وموسيقاها، إضافة إلى الوطن الأكبر وهو الوطن العربي الذي غنى لجميع بلاده من المحيط إلى الخليج، فاستطعت بتعاونه مع كبار الموسيقيين أن يخلط ما بين اللحن الجيد والموسيقى العالمية بنكهة مصرية تعبر عنه وعما يشعر به.. وهو ما جعله يشعر أن مهمته حاليًا أن يغني لكل الثقافات العربية.
مشوار “الكينج” الفني عبارة عن مراحل، بدأت كمطرب في أسوان ثم مطرب لمصر ثم مطرب للعالم العربي ككل، وموسيقاه بالطبع تأثرت بالموسيقى النوبية والأسوانية، لأنها أرض ميلاده وتكوينه الأول، ولكن فيما بعد غنى لكل مصر ولكل الوطن العربي على الرغم من كونه صناعة مصرية خالصة، كما أنه لم يتأثر بالأغنية النوبية فحسب، وإنما تأثر أيضًا بفن الجعافرة والعبابدة الذي اعتبره من أرقى وأهم الفنون التي شهدتها مصر والمنطقة بأثرها.
وتبقى خصوصية ارتباطه بأسوان لأنها كانت وما زالت معقل الصوفية الوسطية في مصر، ويحمل كل أسواني في قلبه حسا صوفيا وروحانيا نتيجة تأثره بالموسيقى والفن المحيط به طيلة الوقت، وهو ما جعله يقدم كل تلك الفنون الصوفية الموسيقية في ألبوم “الأرض السلام”، الذي يعتبر أول تجربة في تاريخ مصر تشهد على الموسيقى الصوفية، وتحملها بكافة تنوعها في قالب موسيقى حديث معتدل، حتى تستطيع كل أطياف الناس سماعها من العرب والغرب.
أكثر من 500 أغنية
الخلاصة: إنه منذ 1977 حتى 2020 سار منير على دروب كثيرة، فقد قدم ما يزيد عن 500 أغنية خلال مسيرة الـ 43 عاما تلك، أصدر خلالها حوالي 30 ألبوما، وشارك مغنيين آخرين في ألبومات أخرى، وغنى في 17 فيلما منهم 11 قدم بهم أدوارا، علاوة على تترات وأغنيات أخرى بـ17 مسلسلا تلفزيونيا وإذاعيا مشاركا كممثل في 2 منهم، وظهر ممثلا ومغنيا في 3 مسرحيات، هذا غير الإعلانات والبرامج والأغنيات المنفردة… لقد أخذته النجومية، وارتبط بالسوق بمعناه التجاري الربحي، للدرجة التي دفعته لعمل إعلانات لشركات الاتصالات قبل وبعد ثورة 25 يناير.
لكن يبقى في مسيرة “محمد منير” كلماتان معبرتان عن شخصيته، هما “الصدق والتحدي” .. هكذا تتلخص رحلة الكينج، فقد حمل على عاتقه منذ بداية الرحلة مهمة اختيار الكلمة التي تعبر عن هويته وأحاسيسه حتى في اختياره لمجموعة الأعمال التي قام بإعادة توزيعها وغنائها لكبار النجوم من أصحاب الطرب القديم، أما التحدي فهو البناء الحقيقي الذي صعدت عليه نجوميته فهو تحدي لا ينصب نحو أمر واحد بل يحمل الكثير والكثير، سواء على مستوى خلق مساحة على الساحة الفنية لمطرب من آصحاب البشرة السمراء محتفظًا بهويته النوبية في المرحلة التي شهدت تغييرًا جذريًا في الساحة الغنائية بعد أن رحلت أسماء كبار النجوم مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وأفسحت الساحة لنجوم جدد مثل محمد ثروت وهاني شاكر وعلي الحجار بالإضافة إلى نجوم الطرب الشعبي مثل أحمد عدوية وتغيير الذوق الفني إلى حد كبير.
ومن أجل كل ماسبق يظل منير صاحب منظومة فنية لها سحر خاص لا يمكن أن تصنفه بكونه فنانا عاديا، بل هو واحد من الذين جعلوا للأغنية المصرية هوية وقيمة تشعر بها وتعيش معها في الأفراح والأوجاع، تحمل الروح المصرية الوطنية الخالصة، وتمجد من شأنها، ويبقى هو وحده متفردا في هذا الفناء الكبير مثل الكنز يزداد ألقه كلما مرت عليه السنوات وتقدم في العمر أكثر وأكثر.. متعه الله بالصحة والعافية وأدامه فنان يظل شرطه الوحيد للمحبة هى الجسارة دون سواها.