القصبجي لجأ لـ “شتراوس” في “طيور” أسمهان
كتب : أحمد السماحي
من الأغنيات الخالدة في تاريخ الغناء المصري أغنية “يا طيور” كلمات الشاعر الغنائي “يوسف بدروس”، ألحان الموسيقار المتطور “محمد القصبجي” الذي نحتفل هذه الأيام بذكرى ميلاده، فاللحن الذي وضعه “القصبجي” لهذه الأغنية عام 1940 يعد واحدا من روائع ما لحن على الإطلاق، وأكد عبقريته الموسيقية، وفيه استخدم الأساليب الغربية المتطورة في الكتابة، فقد أدخل عليها تعدد الأصوات، والتوزيع الموسيقى، مراعيا عدم الخروج باللحن من هوية موسيقانا العربية، أما خاتمة اللحن فجاءت معتمدة على الآهات في شكل محاكاة بين صوت المغنية وآلة الكمان التى جاءت تحكي نفس نغمات المطربة، وكأنها صدى للصوت البشري.
عن حدوتة ولادة هذا اللحن تقول الدكتور “رتيبة الحفني” فى كتابها عن”محمد القصبجي”: أذكر واقعة فنية جاء على أثرها مولد إحدى روائع “محمد القصبجي” الغنائية، فمن بين ما تضمنته مكتبة والدتي الموسيقية من تسجيلات اسطوانة فالس “غابات فينيا”، وهى من مؤلفات “يوهان شتراوس” الموسيقار النمساوي الأصل، ومؤلف فالس “الدانوب الأزرق”، كان هذا الفالس مسجلا على اسطوانة بصوت مغنية نمساوية شهيرة، هى “إرنا زاك” صاحبة الصوت الجميل من طبقة السوبرانو الحاد “كوليراتوارا”، وكان ختام هذا الفالس يأتي بجزء استعراضي صوتي رائع، تقلد فيه المغنية تغريد الطيور بالآهات، بينما تبادلها فى الأداء آلة الفلوت.
أعجب “القصبجي” بموسيقى هذا الفالس وبأسلوب أداء المغنية، وخاصة الجزء الأخير منه، فكان يطلب من والدتي إعادة هذا الجزء عدة مرات، ومع كل تكرار كان ينفعل بالصوت الرائع لأداء هذه المغنية، وللتوافق الجميل بين صوتها وبين نغمات آلة الفلوت، فيضرب بيده على رأسه.
وتضيف الدكتورة “رتيبة الحفني”: وذات يوم وبعد أن أستمع “القصبجي” كعادته إلى هذا الفالس أكثر من مرة، طلب مني إحضار عودي الصغير، وبدأ يعزف عليه لحنا جميلا مصريا أصيلا، ومان يصاحب تلك النغمات ببعض الكلمات، وفي ختام اللحن جاء “القصبجي” بجزء صوتي استعراضي بنفس الأسلوب الذي كانت تؤدي به المغنية النمساوية ختام فالس “غابات فينيا” وكانت هذه الليلة مولد أغنية “يا طيور” والتى تغنت بها المطربة الكبيرة “أسمهان” .