صورة بقلم : حمدى مصطفى
حين أكتب عن عبد الحليم حافظ فلن أضيف جديدا بعد كل ماكتب عن أمير العشق ومطرب الحب سوى أننى طفت فى أماكن عديدة أتلمس ذكراه الـ 43 وأسأل نفسى وربما أوجه سؤلا إلى وزارة الثقافة وعندها الإجابة الشافية، لماذا لايوجد حتى الان متحف لحليم؟
حينما تقرأ أخبار ذلك المتحف فى السنوات الأخيرة تكاد تتيقن أن هناك متحف باسمه فى الشرقية، أو بشارع السودان بالمهندسين، أو بمنطقة البيطاش بالإسكندرية، أو حتى فى أول منزل يسكنه فى “حارة عويس” ببركة الفيل بالسيدة زينب، أو عند الحاجة زينب ابنة شقيقته المرحومة الحاجة عالية فى مسكنه بالزمالك.
فى شقة الزمالك تحديدا يوجد المتحف شبه الرسمى لعبد الحليم حافظ، يزوره عشاق فنه سنويا فى 30 مارس ذكرى وفاته، يشاهدون مقتنياته ويشمون عطره ويكتبون كلمات حب على حائط حجرة نومه، حتى مكان رأسه على سرير نومه مازال موجودا حتى الآن بعلامة اتكاء رأسه!!
مشاعر جميلة وعجيبة تنتاب كل من يدخل تلك الشقة فى تقليد ظل حوالى 40 عام ويعتبر بمثابة التقاء أرواح الأحبة مع روح فقيد الفن والطرب العربى، ساقنى الحنين لزيارة مسقط رأس معشوقى المفضل كعشاق فنه لأكتب بإحساس المعجب العاشق لتلك الحالة من الحب الفريدة لذلك المطرب الجميل، وكدت وأنا اطير من القاهرة إلى الزقازيق ثم “ههيا” ثم “الإبراهيمية” وأخيرا إلى قرية “الحلوات” أن أردد على مسامع قلبى أحلى أغانيه من جملة 250 أغنية حب وثورة ووطن وعشق وحتى مناجاة لله سبحانه.
وتتذكر عيناى مشاهد 16 فيلما هى كل أفلامه فى السينما المصرية، من أول “لحن الوفاء حتى ابى فوق الشجرة”، وأفقت من حلمى الجميل على صورة شجرة مقطوعة تطل على الترعة اللعينة التى أصابته بالبلهارسيا على مدخل قرية “الحلوات”، فبكيت بكاءا مرا على ما أصابه، وإن كان هذا المرض الذى فتك بجسده قد مس شغاف قلوبنا جميعا حبا له ولصوته ونبض إحساسه المرهف .
أفقت من حلمى أكثر وأكثر لأجد تمثالا مذهبا رفيعا ممصوصا منصوبا على عمود طويل من الطوب الأحمر أمام وحدة محلية للقرية التي لاتليق ولا يليق التمثال بمكانة حليم بها على الإطلاق!!
انطلقت لداخل القرية أكثر فأكثر لأشاهد بعين إحساسى الشارع الذى تربى فيه حليم حتى السابعة من عمره، قبل أن يذهب إلى ملجأ الزقازيق، وكان طفلان من القرية يرافقانى، أحدهما يسمع فى موبايله أغانى مهرجانات ولايسمع صوت (أعز الناس)، لكن (بعد إيه) فكل الغناء الجميل (راااااح).
وقفت أمام فرن عيش مغلق وملتصق باستراحة أو سراى عبد الحليم حافظ، والتى كان يقيم فيها حليم خلال إجازته التى كان يقضيها بالقرية مع رفاق عمره الطويل و الموجى وبليغ وغيرهم، يفتح قلبه لكل أهل قريته.
هكذا أصبحت السرايا مهجورة من الصعب أن تدخلها حتى لاتصيبك لعنة عفاريت الزمن وذلك منذ فترة الثمانينات، بعد أن باع ورثة حليم هذه السرايا، والتى تبلغ مساحتها 6 قيراط إلى رجل يدعى محمود شندى بمبلغ 36 ألف جنيه – وقتها – ثم ألحق بها فرن عيش ليغذى بطون أبناء القرية بدلا من غذاء روحهم برائحة فن ومقتنيات حليم وأوتارموسيقاه وعوده وصور بطلات أفلامه وملابس بروفات أفلامه وبدلة أغنيته الأخيرة (قارئة الفنجان).
ولم أترك القرية إلا وقابلت آخر قريباته التى مازالت تعيش هناك، والتى تعدى عمرها الثمانين عاما وأكثر، وهى إبنه خالته “الحاجة رقية، والتى تحدثت لدقائق معى عن حليم وأيام الزمن الجميل التى مرت بلا عودة، وهى تؤكد لى أنها تحدثت مرارا وتكرارا عن موضوع إنشاء متحف حليم دون جدوى أو فائدة، فالحال باق على ما هو عليه فى قرية “الحلوات” أوفى الاسكندرية أو حتى “فيلا حليم” بشارع السودان بالمهندسين، وهى التى تم تصميمها فى نهاية السبعينات للمعمارى “جمال بكرى” وتحولت الآن الى مطعم ومقهى!!
هكذا يبقى حال فنانينا العظام الذين عاشوا فى تلك الأماكن، ومن هنا نهيب بوزارة الثقافة أن تحيى مشروعها (عاش هنا ) من جديد، نطلب من الوزيرة الفنانة العازفة على ألحان كل حنجرة عظيمة كحليم أن تجمع مقتنياته فى أى مكان من تلك الأماكن التى ذكرناها حتى لايطويها النسيان مع غبار وضوضاء أغنيات المهرجانات التي تزحف على حياتنا في تجريف متعمد لملامح الأغنية العربية الشرقية.