كامل الشناوي يلعن كل النساء على باب “كاميليا”!
* أم كلثوم تشجعه على كتابة الشعر في فاتنة عصرها
* كان غموض نجمة السينما يخيفه منها
* الحب جعله يرى المشيعون يبتسمون والنعش يرقص
* نور الهدى تدخل حياته فتنسيه كاميليا
بقلم : أحمد السماحي
الحب فى الأرض بعض من تخلينا، لو لم نجده عليها لاخترعناه”، هذا البيت الذي كتبه الشاعر “نزار قباني” كان دستور الحياة العاطفية للكاتب الصحفي والشاعر الكبير “كامل الشناوي”، الذي كان يحب كل أسبوع واحدة جديدة، وأحيانا كل يوم، لهذا وصف الكاتب الصحفي الكبير “مصطفى أمين” قلبه بأنه مثل دور السينما تعرض كل أسبوع فيلما جديدا، وأحيانا يستمر عرض الفيلم بضعة أسابيع بناء على طلب الجماهير!.
والمتابع لمشوار “كامل الشناوي” العاطفي يجد أن كثير من النساء مررن على قلبه، فكان يقول: “إن ولعي بالجمال لا يقف عند حد، فأنا أحب الجمال فى الطبيعة والفن والأخلاق والمرأة”، وقال مصطفى أمين عن مزاجه العاطفي: كان ذوقه غريبا فى الحب، كان دميما ولا يختار إلا ملكات الجمال، وكان ضخم الجثة ويصر أن تكون معبودته دقيقة صغيرة قصيرة، تكون معه رقم 50 فيكون هو الخمسة المستديرة، وتكون هى الصفر الذي على اليمين، كانت الفتاة التى تقف وحدها لا تستهويه ولا تلفت نظره، وإنما الذي يجذبه هو الزحام، فهو يحب المرأة التى حولها زحام شديد، فيحاول أن يشق طريقه إليها، ويدفعه من أمامه، ويوقفه بجواره، ويزغده من خلفه، إلى أن يصل إلى المرأة التى اختارها منهوك القوى”.
اليوم سنتوقف عند واحدة من أسخن قصص غرامه، وهي حبه للفنانة “كاميليا” ساحرة الرجال وفاتنة عصرها في الأربعينات، لم تكن رمز الاثارة والفتنة والجمال”كاميليا” في شهرة “كامل الشناوي” أو ثقل مكانته، لكنه كان يراها أهم امرأة في العالم، حيث إن الحياة لا تستقيم من دونها، رآها الدنيا وكل ما عداها أموات، إذا ضحكت فكأنها لا تضحك لأحد سواه، وإذا مثلت مشهد غرامي مع “محمود ذوالفقار، أو أحمد سالم، أو يوسف وهبي” فهو المقصود بكل كلمة وكل حركة، كل قبلة تهديها لأحد أبطال أفلامها فهو المقصود به، فستانها الجديد من أجله، عطرها الساحر رسول اختارته وسيطا بينهما.
نظراتها الحالمة كان يشعر بأنها سفارة حبهما، فيها التأشيرة إلى عالم الجنة وفيها أيضا جواز المرور، أحب الشاعر الكبير فاتنة عصرها، ولعن على بابها كل النساء وتاب على بوابتها عن كل حكايات العشق والغرام .
لست أقوى على هواك
تعرف بها وبدأت علاقتهما تنتشر بين المقربين منهما، وفي هذه الأجواء ومع نهاية عام 1947 حدث أن سهر “كامل الشناوي” مع مجموعة من أصدقائه فى بيت الجراح المصري الشهير الدكتور”عبدالوهاب مورو”، الذي كان هاويا أصيلا للطرب والغناء، وكان يحلو له أن يقيم فى بعض الليالي سهرات فنية فى بيته، تضم مجموعة من كبار المطربيين والمطربات ونجمات الشاشة المعروفات، وتضم أيضا كبار الكتاب والصحفيين والشعراء، وفى إحدى الليالي وكما كتبت مجلة “الصباح” اجتمع “عبدالوهاب وأم كلثوم وفكري أباظة والشاعر الكبير كامل الشناوي وتوفيق الحكيم ، ومصطفى أمين وكاميليا”، وفى السهرة سألت “أم كلثوم”بخبث، صديقها “كامل الشناوي” : ألم تحرك فيك “كاميليا” الجميلة موهبة الشعر؟!
كامل: لسه!
مصطفى أمين: لأ لأ يا كامل يا خويا دى حتى تبقى عيبه فى حقك، متحيز لها ولم تكتب فيها شعر حتى الآن، أقل من “كاميليا ” جمالا وكتبت فيهن شعر.
أم كلثوم: لأ وأيه شعر “يهوس”
كامل: يا ست “ثومة” أنا في عرضك أنا مش قدك، أنا مستعد أديكي “البكوية” بتاعتي بس تحلي عني.
أم كلثوم: لأ أنا مش عاوزة البكوية خليها لك أنا عاوزة شعر
كامل: شعر!
أم كلثوم : أيوه شعر في كاميليا ولا أقول لكاميليا عن اللي سبقوها في قلبك
كامل: لأ فى عرضك! خلاص هكتب، هاتولي ورقة وقلم.
وانفرد بنفسه وبعد فنجانيين من القهوة، وشرب سيجارتين كتب يقول :
لست أقوى على هواك ومالي
أمل فيك فارفقي بخيالي
إن بعض الجمال يذهل قلبي
فكيف كل الجمال.
ومجرد ما ألقى “كامل الشناوى” قصيدته حتى صاح الجميع إعجابا، وترنموا على إيقاع قصيدته المرتجلة، وكان أكثرهم طربا وترنحا “فكري أباظة” الذى قام إلى العود الذى علقه رب البيت الدكتور “مورو” على الحائط، وجاء بالعود مقترحا على “عبدالوهاب” أن يلحن أبيات “الشناوي”، وأن تغنيها “ثومه”، وتهلل الجميع فرحا بهذا الاقتراح ووافق “عبدالوهاب” على التلحين ووافقت الست على الغناء.
وقال عبدالوهاب في حماس: ناولنى العود يا خويا ناولنى عنده حق “كامل” ما هو شاف “كل الجمال”!
أم كلثوم ضاحكة: ما ظنش أنه لسه شاف “كل الجمال”!، لحن يا محمد لحن.
وأمسك عبدالوهاب بالعود ومضى يلحن الكلمات، واستهوى اللحن “أم كلثوم” فراحت تترنم به فى صوت خفيض، ثم انطلقت تغنى بملئ صوتها وإمتاعها، وتجلت وتسلطنت وتركت أداءها المعجز يقودها، وسط صيحات الحضور الذين استمتعوا بلحن لم يخرج للنور بعد انتهاء هذه السهرة، حيث خشت “أم كلثوم” أن تغني لحنا لعبدالوهاب فتغضب عشاق صوتها، الذين كانوا يعتبرون “عبدالوهاب” عدوها اللدود.
القاهرة مبتسمة
اقتربت “كاميليا” من “كامل بك” لظرفه ولطفه وخفة دمه، وغيرت لون أيامه، أصبحت الحياة أجمل، وأيامها أكثر بهجة، وألوانها ملونة بألوان قوس قزح، كان عندما يسأل عليها فتقول له الشغالة أنها نائمة، فكان يقول لأي شخص يدخل مكتبه: ” سكوت القاهرة نائمة الآن فلا ترفعوا أصواتكم حتى لا تستيقظ”، وإذا رأها مبتسمة عاد يقول لمن حوله: كانت القاهرة تبتسم اليوم، الشوارع تبتسم والسيارات تبتسم، والعمارات تبتسم، حتى أنه رأى جنازة فى ميدان الأوبرا كان المشيعون يبتسمون والنعش يرقص!.
شائعات ونميمة
كان “كامل الشناوي” أبرز صفاته خفة دمه، يقول النكتة فتصبح على كل لسان، كأنها أغنية من أغاني أم كلثوم أو عبدالوهاب، وكانت “كاميليا ” عاشقة للسهر وخفة الظل، والمال، وفى وسط هذه الأجواء المليئة بالحب وخفة الدم، جاء من يهمس “لكامل الشناوي” إن “كاميليا” تحب غيره، كذب “كامل الشناوي” الناس وصدق نفسه، اتهم مروجي الشائعة بالحقد، أخفى شكوكه عمن يعرفون أنه أسير هواها، أوهم نفسه بأن “كاميليا” لا يمكن أن تكون بينها وبين أي رجل علاقة، حتى لو كانت علاقة قرابة!.
كان يحلو لـ “كامل الشناوي” أن يخدع نفسه ويلوذ بالفرار من كل من يذكره بأن “كاميليا” تعتبره أستاذا وصديقا حقيقيا لها، ويقترب من كل إنسان يصور له غرام “كاميليا” له حتى لو كان يعرف أنه كاذب!
قالوا له أنها تحب مكتشفها النجم “أحمد سالم”، فضحك عاليا ورد قائلا: كان ماضيا مؤلما، ويوم ثاني قالوا له: أنها تحب النجم الدنجوان يوسف وهبي، الذي أعطاها بطولة فيلمها الأول “القناع الأحمر”، والذي من الصعب أن تقاومه امرأة، ابتسم وقال: “أبوحجاج لا يحب إلا نفسه وفنه، وهو صاحب الشائعة”.
ملل وعذاب
كانت النجمة الفاتنة تشعر بالملل كثيرا في علاقاتها، وتقرب منها كل من يضحكها، أو تستفيد منه، لهذا ملت “كامل بك” بعد شهور من علاقاتهما، وكان هو الآخر متقلبا يحب ثم يكره، ثم يحب من جديد، يصنع التمثال ويحطم الصنم، ثم يعود ليجمع الأنقاض ليبني ناطحة سحاب، أو برج.
وقد عبر الشناوي بقوله “إنها تحتل قلبي.. تتصرف فيه كما لو كان بيتها، تكنسه وتمسحه وتعيد ترتيب الأثاث، وتقابل فيه كل الناس، شخص واحد تتهرب منه، صاحب البيت”.
لم ييأس الشاعر الرقيق ذو الجسم الضخم من حبه، بل إنه ظل يحاول التقرب منها، كان يحاول بأي طريقه أن يعود إليها يمدحها ويشتمها، يركع أمامها ويدوسها بقدميه، يعبدها ويلعنها، وكانت تجد متعه أن تعبث به، يوما تبتسم ويوما تعبس، ساعة تقبل عليه، وساعة تهرب منه، تطلبه في التليفون في الصباح، ثم تنكر نفسها منه في المساء”.
صد “كاميليا” لحب “الشناوي” كان يمثل أمرا صعبا عليه، ولم يرغب في تصديقه، كان يقول لمن حوله من زملائه الصحافيين ومنهم أستاذي “يوسف الشريف”: “لا أفهمها، فهي امرأة غامضة لا أعرف هل هى تحبني أم تكرهني؟، هل تريد أن تحييني أم تقتلني؟.
الملك فاروق ينهى العلاقة
كانت النجمة السينمائية طموحة لاترضى بأي عاشق، حتى أنها دفعت نفسها دفعا في طريق الملك “فاروق” فى إحدى سهرات “الأوبرج”، ووقع الملك الشاب في هواها، وتأكد ” كامل بك” من هذا الغرام، فقرر الابتعاد، حيث كانت تربطه بالملك علاقة طيبة جدا، خاصة بعد أن سمع الملك عنه، وقربه منه، وكان الملك قد قرأ له شعرا ونثرا وسمع عن مهاراته في السخرية اللاذعة وقدرته على تقليد الأشخاص، وأعجب بحديثه الضاحك الودود إعجابا كبيرا وصار بينما تعارف ودود.
ولما علم الملك أن ثمة اتجاهاً إلى ترشيح “كامل” لعضوية مجلس النواب، أمر بأن يكون ترشيحه في دائرة “الزعفران” بمنطقة “كفر الشيخ” التي كانت تابعة وقتها لمديرية “الغربية”، وكانت الدائرة تتبع الأوقاف الخاصة الملكية، بمعنى أن الملك كان يملك فيها الأرض، وكل الناخبين في الدائرة كانوا من مزارعي أرضه أو موظفي دائرته، ما يعني أن الملك “فاروق” أراد أن ينجح “كامل”، وهو ما حدث بالفعل حيث نجح نجاحاً ساحقاً، وصار نائبا للشعب وصال وجال في مجلس النواب مدافعا عن قضايا الحرية والدستور والانتصار لحرية الصحافة.
يا فتنتي لست عبدا!
كل هذا المعروف الذي صنعه “الفاروق” جعل الكاتب والشاعر الكبير يقتل حبه بيده، خاصة بعد أن علم من صديقة مقربة بينه وبين النجمة الشابة أن ” كاميليا” هى التى وضعت نفسها في طريق الملك، وحاولت استمالته بكل الطرق حتى استجاب لها.
وكان ” الشناوي” يكره فيها غموضها فكان يقول: ” أنا لا أفزع إلا من شيئين آلام مرض لا أعرفه، وغموض إمرأة أعرفها، وقد أتحمل آلام المرض بأمل أو يأس، أما غموض المرأة فلا يجدي معها أملي فيها أو يأسي منها”.
وكتب فيها قصيدة بعنوان “لست عبدا” يقول مطلعها :
علام يا قلب تشكو، نقض الحبيب عهوده؟
دع الهوان وحطم أغلاله وقيوده
يا فتنتي لست عبدا، ولا أطيق العبوده
وكتب معبراً عن جرح كبريائه وإحساسه بخطر أن يكون منافساً لـ”فاروق” في عشق امرأة فاتنة مثلها قد تجعل بينه وبين الملك خصومة لا يحمد عقباها، فكتب يقول:
عيناك، عيناك
نامت فى جفونهما مفاتن
أيقظت ليلي وأعصابي
أصد عنها بعين غير صادقة
وبين جنبي قلب غير كذاب
يا كبريائي لقد كلفتني خطرا
فيه المنايا مطلات بأنياب
تمرد الليل لا أغفو به أبداً
حتى أرى الفجر مسفوحا على بابي
نور الهدى تنسيه كاميليا
بعد أن تركها شاهد في إحدى المرات أحد محبيها يتودد إليها، فكتب ساخرا: “إنها كالدنيا، لا تبقى ولا تتجدد إلا إذا خرج من حياتها أناس، ما أكثر الذين شاهدتهم وهم يغادرونها، وما أكثر المواليد الذين رأيتهم على بابها”.
تعذب كامل الشناوي بعض الوقت من نار الغيرة، لكن نظرا لأن غدة الحب في قلبه تفرز باستمرار، لهذا فتح شبابيك قلبه لوافدة جديدة، وكانت هذه الوافدة هي المطربة الرقيقة “نور الهدى”، التى غيرت أيامه ولياليه ولنا معها وقفة جديدة قريبا جدا.