أحمد داود .. نجم يسير بخطوات مدروسة
كتبت : سدرة محمد
تكمن أهمية الممثل في مقدرته على فهم الشخصية والدور الذي يلعبه، إن امتلاك الممثل لطاقة خلاقة قادرة على تفهم الدور، هو ما يجعل الممثل متمكنا من أدواته وقادرا على التفاعل مع المتلقي، وذلك من خلال حركات وإشارات واِيماءات وتكوينات وفعل، سواء كان خارجيا أم داخليا متفاعلا مع عناصر الدراما الأخرى، وهو في ذلك يستعين بأداوته الجسدية والصوتية، طبقاً لخصائص أدائية معينة، للوصول إلى تجسيد أو تقديم الشخصية التي نسجها الكاتب وتصورها المخرج، وهى كلها غايات تدرك من جانب نوع معين من الممثلين الأكفاء الذين يملكون قدرا من الموهبة، وكثير من التواضع الذي يجلب الاستقرار والهدوء النفسي والاتزان في الشخصية.
ونجمنا القادم على الطريق هذا الأسبوع الممثل الشاب “أحمد داود” هو من ذلك النوع من الممثلين الذين يتسمون بأداء احترافي يؤكد أنه يتمتع بقدرة الإدراك التعبيرية في قرائته لحوارات النص، متصورا وباعثا ذلك العالم الداخلي المتأزم بشخصية البطل وانفعالاته النفسية الداخلية ومزاجها وأهدافها التي تروم الوصول إليها، وهذه القدرة الإدراكية تفترض مقدرة الممثل التي يتم بواسطتها ترجمة تلك الانفعالات والخصائص السلوكية واسترجاع ملامح تلك الحركات والوضعيات والإشارات وطريقة الإلقاء ونبرة الصوت وشكل الكلام مع الشخصيات الأخرى.
أحمد داود، ممثل يعرف جيدا كيف يوظف التقنيات الجسدية والصوتية كافة في خدمة شخصية البطل، ويملك في ذات الوقت القدرة على التقاط هذه الحركة وتلك النبرة المسيطرة، وأسلوب التنقل والحركة وأسلوب الصوت والإلقاء، ولقد ظهرت تلك الصفات وغيرها مع “داوود” حين قام بالعديد من الأدوار البطولية من مسلسلات وأفلام، ومع ذلك فقد ظهر تواضعه الجم، ورغم أدائه البارع فهو لا يحب أن يلقب بالنخبوي، أو ينصف في خانة النجوم الأكثر شهرة، لأنه ببساطة يرغب في أن يكون ممثلا متاحا لكل الفئات العمرية والثقافية، لكن هذا لا يمنع أنه أحد الشباب القلائل الذين يسيرون إلى النجومية بخطوات مدروسة ومحترفة.
ولهذا تركت أدواره أثرا لدى المشاهد العربي، سواء عبر مسلسلاته التي شارك في بطولاتها، أو عبر أفلامه السينمائية، ما يؤكد أنه لا تنقصه الموهبة ولا الطموح، وهو يبحث دوما عن الأفضل ليقدمه، وذلك منذ بداية تخرجه من كلية الهندسة، وأثناء دراسته عمل بالتمثيل على مسرح الجامعة، ثم فاز بالعديد من الجوائز على مستوى الجامعة وبسبب حبه للتمثيل بدأ البحث عن وسيلة ليدخل بها عالم التمثيل الحقيقي، وقد دشن رحلته الفنية بالمسلسلات التلفزيونية والمسرح الثقافي الفرنسي، ومثل به مسرحية “موتى بلا قبر”، وحصل على جائزة أفضل ممثل شاب من مهرجان الشباب المبدع سنة 2004م، لكن بدايته الحقيقية كانت في فيلم “السلم والثعبان”، وبرنامج “عائلة بيسو”.
ويعتبر أحمد داود، من الممثلين الشباب المصريين الذي يحاولون على الدوام التقدم إلى الصدارة من خلال الأعمال البطولية التي يقدمها بجدية واجتهاد، وهو في ذلك لا يعتمد على نوع محدد، وإنما يسعى دائما لتقديم ما يناسب جميع الفئات العمرية ولا يقيد نفسه في الانتقاء، ومن هذه الأعمال التي تشهد له بالتنوع والعزف على أوتار شخصيات كثيرة تختلف في طبيعتها وتكوينها ومواقفها من الحياة بصفة عامة، ومنها أدواره في مسلسلات وأفلام مختلفة، مثل “هذا المساء – يوم للستات – جراند أوتيل – هيبتا – الماء و الخضرة و الوجه الحسن – ولاد رزق – قبل زحمة الصيف – سجن النسا – نيران صديقة – الوالدة باشا – نكدب لو قولنا ما بنحبش – زي الورد – عرفة البحر – 122 – أهو ده اللي صار” وغيرها من أعمال تشهد له بالتطور المرحلي في مسيرته الفنية.
احترف أحمد داود، الأدوار الصعبة، وأصبح “ماركة مسجلة” للتميز والأداء التمثيلي المحترف، وأثبت ذلك في عدد كبير من أعماله، وأبرزها دور “عاطف” في الجزء الثاني من فيلم “ولاد رزق”، وهو شاب يعاني من تأخر عقلي، ويقول عنه: “إنه دور صعب جدا ومخيف، ولن أبالغ إن قلت إنه من أكبر المغامرات التي خضتها في حياتي، واعتبرأن هذا الدور تحديا كبيرا لأنه من الصعب إقناع الجمهور بمثل هذه الشخصية، وفي نفس الوقت تكون مؤثرة ومحركة للأحداث ووسط نجوم كبار، ولذلك نظرت للجانب الإيجابي من الأمر ووجدتها فرصة جيدة لكي أظهر قدراتي التمثيلية، وكان التحدي أن أمثل الدور باحتراف وفي نفس الوقت أجعل الجمهور يتعاطف مع “عاطف”، ولا يخرج من نطاق أنه شاب يعاني من تأخر عقلي، كل ذلك حفزني بشدة حتى أقبل الدور.
يسعى داود، في حياته الفنية للبحث دائماً عن التنوع بين الأكشن والكوميديا والتشويق، إلى جانب السيناريو القوي والشخصية التي يقدمها، فهو يحب أن يراه الجمهور دائماً بشكل مختلف، ومن ثم فلا يحصر نفسه في دور واحد، ولعله قد برع كثيرا في تجسيده لشخصية “يوسف” الابن والحفيد، في مسلسل “أهو ده اللي صاره”، والذي كتبه بطريقة سحرية تجمع بين الرومانسية و”النوستالجيا ” المبدع “عبد الرحيم كمال” وضمنه حوارا غاية في الروعة والجمال، بحيث جاء دور “يوسف” على مقاس موهبة أحمد داود، وكان مناسبا جدا لهدوئه الذي يحمل في طياته عواصف لا تهدأ من الانفعالات التي تحكم فيها بقدرة توضح أنه استطاع أن يصقل موهبته بتعدد الأدوار التي لعبها خلال السنوات الثلاثة الماضية، بحيث أصبح ممثلا يمكنه استخدام كامل مهاراته وقدراته في التمثيل.
وهذا الأمر يؤكد أن “أحمد داود” لديه وعي كامل بضرورة استخدام أكبر عدد ممكن من مناهج التمثيل حتى استقر في النهاية على واحد أو على مجموعة من تلك المناهج التي تناسب مواهبه وقدراته، على مستوى الحركة والإشارة، بالإضافة إلى ميزات الصوت التي نعني بها خصائص الشخصية الصوتية التي تتناسب مع طبيعة الدور، وهو الأمر الذي جعل “داود” يدرس متطلبات كل مشهد على حدة، حيث جاءت بعض مشاهد الرومانسية حالمة، وهذه تتطلب صوتا ناعما خافتا؛ أما المشاهد الصاخبة فتتطلب أصواتًا مرتفعة جهورية وحادة، كما حدث في مشاهد المواجهة مع حفيد “البساطي” الذي يحاول انتزاع القصر منه، وكذا مواجهته لشقيقه ووالد “سلمى” الذي كبله بكتابة القصر باسم ابنته في صفقة كشرط لاتمام الزواج.
ولأنه لكل فنان أبجديته الواضحة، المعززة بالقواعد الفنية الثابتة التي تقبل الجدل لأغراض التغير، فقد جاء أحمد داوود، بدور “سمير” في مسلسل “هذا المساء” بنوع من الثبات الانفعالي المعهود في أدائه الذي يترك انطباعا حيويا عند الجمهور، فروح المثابرة من أهم المزايا التي لازمت “داوود” الذي يتمتع بحضور خاص أمام الكاميرا، فضلا عن امتلاكه الخيال الخلاق المتجدد، والذي بدوره يجعله دائما أن يكون مقنعا مقبولا متلائما مع نفسه شكلا ومضمونا، وبمنطق لا يقبل الشك، بل يحتم عليه أن يعيش الواقع لا أن يمثله، حيث يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الشخصية التي يجسدها حضورا حيا بامتلاكه التلقائية المطلوبة في الأداء.
في النهاية أستطيع القول أن “داود” يشبه أبطال الروايات، فهو مثل بطل روائي مثالي ابتدعه خيال روائي محترف “ساذج وحساس في نفس الوقت”، يتطابق مع خيال الروائي من حيث أنه تجسيد له، ومن ثم فيجب أن يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي، فإذا لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا.
ومن أجل ذلك يملك أحمد داود شكلا لا يشبه أحد، وأداء تمثيلي متفرد، يمكنه من خلال أن يُعبّر عن النص المكتوب بوفاء، خاصة أنه يملك ملامح بسيطة، مرنة، ونبرة صوت مميزة، وإحساس كبير بكل كلمة يقولها، حتى لابتسامته دلالات وصمته إداء تمثيلي تعبيري بحد ذاته، وربما هذه كلها أسباب تجعل منه نجما قادما على الطريق بثبات وثقة تضعه في مصاف النجوم الكبار على نار هادئة.