بديعة مصابني.. المرأة الجبروت
بقلم : سامي فريد
حكت الفنانة بديعة مصابني فى تليفزيون الأردن للإعلامية ليلى رستم كيف جاءت إلى القاهرة بصحبة أمها وشقيقتها، لتبدأ في العمل على فرقة لها تقول ل إنها كانت تستطيع عمل كل شيىء تحت مظلة الفن. فهي تستطيع أن ترقص وتمثل وتغني وتوقع بالصاجات أفضل وأقوى من أية آلة إيقاع.
وتحكي كيف أحبها نجيب الريحاني، وكيف أنها هى أيضا أحبته، ولا تنكر عليه أنه واحد من أحسن من عرفته من الفنانين. تقول عنه أنه كان فنانا مدهشا، وأنها سافرت معه رحلة فنية إلى البرازيل فتجولت معه ومع مسرحه من “ريو دي جانيرو” العاصمة القديمة إلى “مونتفيديو”، ثم إلى الجنوب وإلى الشمال في نجاح منقطع النظير بين الجاليات العربية هناك.
وقد حققت الرحلة إيرادا ضخما دفعها لأن تفكر فى أن تكون لها فرقتها الخاصة ومسرحها الخاص، الذي كان يبدأ من عمارة فريد الأطرش أمام كوبري الجلاء أو الكوبري الأحمر، أو كوبري الإنجليز، أو ما كان يعرف زمان باسمها : كوبري بديعة، ليمتد المسرح حتى شاطيء النيل فى أجمل مكان يمكن أن يذهب إليه طالب الفن والسمع والمشاهدة.
على هذا المسرح غنى محمد فوزي وفريد الأطرش وعبدالمطلب ورقصت “نعيمة عاكف وببا إبراهيم وببا عزالدين وتحية كاريوكا”، والتى جاءت إلى مسرح بديعة من الإسماعيلية، وكان اسمها فى ذلك الوقت: بدوية محمد. وألقى المونولوجات إسماعيل ياسين وثريا حلمي.
على هذا المسرح ايضا قدمت بديعة الاسكتشات الغنائية، بما فيها من التمثيل والرقص، وكان يكتبها لها ويخرجها أيضا الفنان بشارة يواكيم، وعلى مسرحها سخرت هذه الاسكتشات من جنود النازي فأشبعت الجمهور سخرية من هتلر وبطانته، وفي هذا المسرح فى مدخله وأمام صور الفنانين والفنانات وأهم نجوم جاءت الفتاة “زينب خليل” تبحث عن مكان لها كراقصة.
كانت تقيم عند شقيقتها فى حي باب الشعرية. بعد ذلك اليوم تقول الفنانة التي عرفناها بعد ذلك باسم “سامية جمال” إنها وقفت تشاهد صور الفنانين وتحمل نسخا من مجلة فنية على غلافها صورة النجم الشاب فريد الأطرش، اشترتها بما كان معها من قروش قليلة، وحبا فيه وقفت مع أحد أبناء العاملين بالمسرح وهى تشير إلى صورة فريد الأطرش وتسأله : عارف مين ده يا حبيبي؟
فسمعت من خلفها صوتا يقول: أنا! فاستدارت لترى أمامها فريد الأطرش بنفسه، وكان فريد في بداياته مع أسمهان وله أغنيتين أو ثلاث منها : يا ريتني طير. تقول سامية إنها لم تحتمل الموقف فسقطت مغشيا عليها من المفاجأة السارة، ليبدأ بعد ذلك مشوار فريد الأطرش وسامية جمال فى السينما.
ثم تحكي بديعة مصابني بعد ذلك أنها شاهدت رقص سامية جمال فرأت أنه لا يختلف عن رقص تحية كاريوكا باسمها الفني الجديد، فقالت : طب ما انا يا بنتي عندي تحية، بس هى بترقص في نص متر وانت حركة إيديك حلوة وبتتحركي كويس، شوفي انت ترقصي زي الفراشات تلفي المسرح.. اتفقنا.
أما أغرب ما يمكن أن تسمعه من بديعة مصابني فهو حكايتها مع أمها التي لم تطق الاستمرار في القاهرة فوافقتها بديعة على العودة إلى لبنان، لكنها تقول إنها حجزت فى القطار المتجه إلى القنطرة ثم إلى فلسطين فلبنان بعد ذلك، تذكرة واحدة للذهاب.
وتسألها ليلى رستم مندهشة عن عمرها في ذلك الوقت، فترد بديعة”: 12 أو 13 سنة! وظللت مع أمي حتى تحرك القطار فقفزت منه تاركة أمي وحدها لتعود هي إلى بلدها، أما أنا فقد قررت الاستمرار في القاهرة.
وعن خلافاتها مع نجيب الريحاني فتذكر سببا لا يمكن تصديقه، تقول : أنا أحب الحركة والنشاط والخروج، فكنت أصحو لأسأل عن نجيب فيقول الخادم إنه مازال نائما، لأنه كان ساهرا مع بديع خيري يكتبان مسرحية جديدة وتشرح بديعة فتقول: إنها كانت سكة وهو كان سكة أخرى في اتجاه مخالف، لهذا لم تستطع الاستمرار معه، فطلبت منه الطلاق ووافقها عليه.
وتحكي الصور عن يوم جنازة نجيب الريحاني لنعرف منها أن بديعة كانت تكاد أن تموت حزنا عليه.
أما ما يعرفه كاتب هذه السطور عن رحلتها من الشام إلى القاهرة، فكان على المقعد الخلفي لدراجة شقيقها جورج مصابني، وتحملت الفتاة الجبارة الرحلة حتى وصلت إلى القاهرة لتبدأ فى التخطيط لمستقبلها فيها، أما جورج فكان بدأ تجارته للدراجات فى أول محل افتتحه لها فى شارع رشدي، امتداد شارع مظلوم، بعد مبنى الأهرام القديمة بمسافة بسيطة.