رشدي أباظة كاد يقتل نادية أرسلان في “أريد حلا”
كتب : أحمد السماحي
نحتفل هذه الأيام بيوم المرأة العالمي، وبهذه المناسبة قررنا التوقف في باب “فيلم لا ينسى” عند فيلم “أريد حلا”، والذي يعد علامة بارزة فى تاريخ السينما المصرية، وتسبب في إعادة النظر في الحقوق التي يكفلها قانون الأحوال الشخصية للمرأة في هذه الحالات، وتم السماح لها بالخلع شريطة التخلي عن مستحقاتها وحقوقها المالية، وهو ما اعتبرته النساء انتصاراً كبيراً.
الجلسة سرية
الفيلم عرض عام 1975 ، وكان يمثل عودة للتعاون بين “فاتن حمامه” والنجم “رشدي أباظة” بعد 12 عاما من تعاونهما في فيلم “لا وقت للحب” عام 1963، وشكل أيضا اللقاء الأخير بين النجمين الكبيرين حيث لم يتلقيا بعد ذلك فى أفلام حتى رحل “رشدي” عن حياتنا عام 1980 ، وكان صناع الفيلم قد اتفقوا على أن يطلقوا على الفيلم إسم “الجلسة سرية” ، نظرا لأن محامي “درية” ـ التى جسدتها فاتن حمامة ـ طالب بأن تكون الجلسة سرية ليتسنى لموكلته أن تجهر بما تخفيه عن زوجها “مدحت سيف النصر”، والذى نال منها وطعنها فى أعز ما تملك الست وهى أنوثتها حيث اتهمها بأنها باردة مثل الثلج فى الفراش، وتعقد المحكمة ويحضر جميع الأطراف، لكن ” درية” تتصرف بشكل أخلاقي جدا، ترفض أن تقول كلمة سيئة أو تهين زوجها أبو ابنها أمام الحضور، لأنها لا تريد أن تخسر نفسها في سبيل الحصول على الطلاق، وترفض دعوة “درية” ويحكم برفض طلبها للطلاق، مع دفع الرسوم ومصاريف المحاماة.
تأخذ “درية ” طريقها إلى خارج القاعة، تشق الزحام، لا ترى الوجوه، لا ترى معالم المكان، تصرخ عيناها ألما وحزنا وانكسارا، ولا تملك فى هذه اللحظة الرهيبة إلا الإجهاش المدوي بالبكاء مع نزول كلمة النهاية على أحداث الفيلم.
وبعد جلسات بين صناع الفيلم اقترحت سيدة الشاشة بسبب نهايته أن يطلق عليه إسم “أريد حلا” ليكون العنوان صرخة تطالب بها كل نساء مصر الذين يريدون الطلاق من زوج فاسد أو منحرف أو عاطل، ولا يتمكن من الحصول على هذا الطلاق، ورحب الجميع باقتراحها .
رشدي أباظة كاد أن يرتكب جريمة قتل
جسد “رشدي أباظة” فى الفيلم دور رجل السلك الدبلوماسي المنحرف أخلاقيا وسلوكيا “مدحت سيف النصر” زوج “درية” الذي يغتالها معنويا، وفى أحد المشاهد التى تجمعه بالفنانة “نادية أرسلان” والتى تقول له وهما في السرير: مش يمكن مراتك بتعمل دلوقتى زى ما أحنا بنعمل؟!، اندمج ” رشدي أباظة” فى المشهد، وفجأة حمل “نادية أرسلان” على كتفه، وحاول رميها من شباك غرفة النوم! والفنانة متشبسة بقوة فيه، لكن مخرج الفيلم أنقذ “نادية أرسلان” عندما نطق بقوة “استوب” وجرى بسرعة إلى “شدي أباظة” يحاول منعه من رمي الممثلة من شباك غرفة النوم أو الأستديو!
وبعد أن أفاق “أباظة” أعتذر لـ”نادية أرسلان” وطيب خاطرها، وقال لها: مش عارف ايه اللي جراللي، واضح أنى تخيلت نفسي “مدحت” ولا تجرأ سيدة أن تخونني!!
رأي فاتن حمامه فى نهاية الفيلم
يسأل الدكتور “عمرو عبدالسميع” فى كتابه “حوارات الحب والفن والحرية “السيدة “فاتن حمامه” عن رأيها في مخرج الفيلم “سعيد مروزق”؟، وهل ما زالت ترى أن آمالها فيه كانت فى محلها؟، فقالت: سعيد مرزوق مخرج فوق الممتاز!، عندما قدم “أريد حلا” كان متفوقا وعندما قدم “المذنبون” كان متفوقا، عينه سينما 100% عندما تتأمل المشهد الأخير من فيلم “أريد حلا” تجد كيف وصلت البطلة إلى قاعة المحكمة سعيدة ومتفائلة، ثم كيف تلقت صدمة أطاحت بكل هذا التفاؤل، هذه “قفلة” فيلم من الطراز الأول، والفضل فيها يعود إلى شغل سعيد مرزوق 100% لقد استطاع أن يصور الأحساس فى منحنى صاعد وبأداء فني رفيع، هو مخرج ممتاز، ولكن ما يعطله أنه يصعب العمل على نفسه وعلى المنتج.
نقد الفيلم .. رأي عصام بصيلة
في كلمة مختصرة كتبها الكاتب الصحفي ” عصام بصيلة” فى جريدة ” الأخبار” قال: السينما والمسرح اتصال بالجماهير ليستا فقط للترفيه، فالدراما التى يقدمها على الشاشة، وعلى خشبة المسرح أحيانا تناقش قضية اجتماعية تلفت نظر الحكومة، للعمل على علاجها، فالفيلم أو المسرحية يطرح مشكلة من كل جوانبها تماما كالصحيفة التى تجرى تحقيقا عن قضية عامة فتلفت نظر المسئولين فى الدولة فيعملون لتنفيذ ما ورد فى التحقيق الصحفي، وكان فيلم “أريد حلا” من هذه النوعية فقد تحمست له “فاتن حمامه” عندما عرضته عليها الكاتبة “حسن شاه”، فالموضوع حساس ويمس مشكلة المرأة المطلقة والتى تستحيل حياتها مع زوجها، وهو يرفض أن يطلقها.
إن الفيلم لم يجد الحل وتركه للضمير الإنساني والرأي العام، وبعد عرض الفيلم في دور السينما ناقشت الدولة هذه المشكلة، حتى صدر قانون يحمي المرأة خلال زواجها وبعد طلاقها، حيث كانت الزوجة لا تجد المأوى لها ولأولادها نظير نفقة شهرية بسيطة، وقد عالجت “حسن شاه” موضوع الفيلم بطريقة سهلة، جعلت المشاهد ينتقل مع أحداثه ويستقبل القانون الجديد بالترحاب، أما “فاتن حمامه” فقد جسدت شخصية الزوجة المطحونة التى دخلت فى المحاكم تسعى إلى الحصول على حقها المسلوب بإقناع يدعو إلى الشفقة عليها وعلى من يعيش فى هذه المأساة.
رأي طارق الشناوي
هكذا وصفه الناقد السينمائي “طارق الشناوي” فقال : الفيلم يخاطب المجتمع وقياداته ويطالب بالتغيير، ورغم نجومية ومصداقية ” فاتن حمامه” لدى الجمهور إلا أن هذا لا يكفي لكل تصل رسالة الفيلم، لكن الرسالة وصلت عبر الرؤية المشاغبة للقانون الوضعي والرفض للأوضاع المفروضة، إن الفيلم عندما يدعو لتحرير المرأة من أغلال القيود التى فرضها قانون الأحوال الشخصية، يحمل فى عمقه دعوة أكبر لأن يتحرر الإنسان من أي قيد قانوني غاشم أو على الأقل يملك شرف المحاولة.
رعب سامي السلاموني
كتب الناقد السينمائي الراحل ” سامي السلاموني” نقد لهذا الفيلم في مجلة “الإذاعة والتليفزيون” نشر يوم 26 أبريل 1975 جاء في بعض أجزاء منه التالي:
أعترف بأنني أصبت برعب شديد بعد مشاهدتي لهذا الفيلم لأول مرة، فلم أكن أتصور أن المسألة يمكن أن تكون كابوسا حقيقيا إلى هذا الحد، ولكن المأساة أن الفيلم أقنعني تماما من خلال بناء السيناريو الجيد والواقعي أن هذا كله قانوني مائة فى المائة.
وأذكى ما في الفيلم هو اختيار نموذج لبطلته “درية” صحفية من الطبقة الراقية، فهذه هى الماساة الحقيقية، فحتى هذه الطبقة الراقية التى تصنع القوانيين للآخرين، يبلغ من عسف هذه القوانيين وجمودها أنها تفترس حتى صانعيها إلى درجة الإمتهان، إن “درية” الصحفية القادرة بسهولة على مقابلة وزير العدل، تتسلل إليه كاللصوص هربا من ملاحقة البوليس الذي يطلبها لبيت الطاعة الذي ينتظرها فيه زوجها الدبلوماسي لتعيش كالجارية.
وهذا في تصوري ما يكسب الفيلم بعده النقدي المرير، ولو أنه اختار امرأة فقيرة لهذا الامتهان وهى التى تتعرض يوميا لكل أشكال القهر الأخرى، ومع ذلك فإن أفضل ما في سيناريو “سعيد مرزوق” إنه ربط قضية المرأة الأرستقراطية بنساء قاع المجتمع في ردهات المحاكم التى تصبح مصايد لآدمية الناس، بحيث ينهار الجلال الطبقي للارستقراطية صانعة القوانين، وتجد نفسها فى نفس القفص مع ضحاياها.
إن الجديد فى هذا الفيلم هو قصة “حسن شاه” التى استطاعت بحسها كامرأة وبرؤيتها النقدية الشديدة المرارة أن تقتحم موضوعا شائكا كهذا كان الجميع يخشون مجرد الاقتراب منه، ثم أن تقدمه أيضا بهذه الجرأة والموضوعية التى تضع أيدينا على خلل خطير فى بناء المجتمع.
وتؤكد فاتن حمامة أن الممثلة العظيمة يمكن أن تحمل فيلما على كتفيها وتتألق أمينة رزق فى دقائق قليلة إلى حد معجز، تبقى الأدوار الأخرى باهتة أو تصل إلى حد الكارثة، أما سعيد مرزوق فهو يقدم أفضل أفلامه على الإطلاق لإنه أخيرا يعرف كيف يوظف قدراته الكبيرة في خدمة الواقع.
بطاقة الفيلم
قصة : حسن شاه
سيناريو وإخراج : سعيد مرزوق
حوار : سعد الدين وهبه
مدير التصوير : مصطفى إمام
ديكور : ماهر عبدالنور
منسق المناظر : مصطفى عبدالله
المكياج : عبدالوهاب قطب
مونتاج : سعيد الشيخ
موسيقي تصويرية : جمال سلامه
إنتاج : أفلام صلاح ذوالفقار
بطولة : فاتن حمامه، رشدي أباظة، ليلى طاهر، محمد السبع، أمينة رزق، كمال ياسين، أحمد توفيق، رجاء حسين، وحيد سيف، سيد زيان، أسامة عباس، إبراهيم سعفان، نادية أرسلان، شريف لطفي، مروان حماد، هشام سليم.