عايدة الشاعر .. حققت حلم والدها في الغناء
* تقدمت لاختبارات الإذاعة وتفوقت على 300 متسابق
* السنباطي لحن لها أول أغنية في مشوارها الفني
* أغنية ” الأم” كانت سببا في تعرفها بزوجها الملحن سيد إسماعيل
* علي إسماعيل حاول أن يصلح بينها وبين زوجها فأحدث إنقلابا في حياتها
* نجيب محفوظ يروج لأغنية ” كايدة العزال” في كل البرامج
* كانت من أوائل المطربين الذين قدموا الأغنية الخليجية
كتب : أحمد السماحي
هذا الأسبوع قررنا التوقف عند مطربة أسعدت المصرين طوال مشوارها الفني، بأغنياتها التي يغلب عليها البهجة وخفة الدم المصرية، وأنوثة بنت البلد الشعبية، فأستطاعت طوال فترتي السبعينات والثمانينات أن تسكن أذاننا، وتسرق قلوبنا ومشاعرنا مع إيقاع صوتها الذي يحمل رنة البهجة والشجن.
صوت “عايدة الشاعر” الذي سنحتفل خلال أيام بالذكرى السادسة عشر لرحيلها لا يجعلك وأنت تسمعه تفكر في مرارة الأيام أو الخوف من “بكره”، ففيه تدفق الشباب وانطلاقه العفوي المرح غير المنظم، كانت هي وزميلتها “ليلى نظمي” عنوان لحقبة السبعينات فى اللون الشعبي الخفيف المطعم بالفلكلور المصري، وكانت أيضا هذه الفترة هى فترة الثنائيات الفنية بين كل زوجين فى الوسط الغنائي، فشاهدنا وسمعنا “فايزة أحمد ومحمد سلطان، ووردة وبليغ حمدي، وعايدة الشاعر وسيد إسماعيل”، وأنتجت هذه الثنائيات الزوجية والغنائية مجموعة من روائع الأغنيات التى ما زالنا نعيش عليها حتى الآن، فقدم الموسيقار “سيد إسماعيل” لزوجته “عايدة الشاعر” مجموعة كبيرة من الأغنيات الناجحة نذكر منها “جاب لك ايه يا صبيه”، كلمات “عبد الرحيم منصور، دايما على موعد وياكي، كلمات مجدي نجيب، السـكر النبات، زغــروطـة حـلـوة، أبو سنه دهب لولى، غالية ومهرى غالى، راح أتوب، حمامة بيضا، كلمات محمد حمزه، هل الهلال والله، كلمات فيصل أبو فاشا”، وغيرها من أغنيات الأفراح الشهيرة.
البداية من المنصورة
ولدت “عايدة الشاعر” في “29 أكتوبر 1940 ” في قرية “محلة دمنة” بالمنصورة، لأسرة محبة للفن والغناء خاصة، وفي نفس الوقت يتمتع أغلبهم بصوت جميل، خاصة والدتها التي امتازت بجمال صوتها عند تجويدها للقرآن، تعلمت فن الغناء ومعنى الموسيقى من والدها، الذي كان يتمنى أن يسلك أحد أبناءه طريق الفن، وفي هذه الفترة وجدت تشجيع من شقيقها “محمد” الذي كان يجيد العزف على العديد من الاّلات الموسيقية، وكانت ترافقه “عايدة” وهي صغيرة للنادي الموسيقي بالمنصورة، وتغني على مسرح النادي أغنيات المطربين المشهورين آنذاك، وكان شقيقها يحضر لها مدرس متخصص ليحفظها الموشحات، وتدربت أيضا على يد الملحن “محمود كامل”.
ورغم هذا الحب للغناء إلا إن الغناء ظل مجرد هواية لم تشغلها عن دراستها، حتى تخرجت من المعهد الخاص لدراسة اللغة الفرنسية، وعملت مدرسة لغة فرنسية بـ “دكرنس”، وكانت في هذه الفترة معجبة بأغنيات “شادية” و”فايزة أحمد” و”سعاد محمد” وتدندنها لأهلها في البيت.
السنباطي يعطيها تأشيرة النجاح
فى أحد الأيام فاجأها شقيقها “محمد” وقدم لها للاشتراك في مسابقة أحد برامج الهواة فى الإذاعة بالشريفين لتحقيق رغبة والدها بأن يحترف أحد أبنائه الغناء، وطلب منها الحضور للقاهرة فورا، وعندما دخلت الاستوديو الذي تجري به مسابقة اختيار الأصوات شعرت يومها بالرهبة، خاصة عندما وقعت عيناها على ثلاثمائة فتاة وأكثر، قد حضرن للغاية نفسها، عدا عن أن اللجنة كانت مكونة من أساتذة الموسيقى والغناء الكبار “رياض السنباطي، محمد الموجي، بليغ حمدي”.
وامتحنها يومها الموسيقار “رياض السنباطي” الذي كانت تربطه بوالداها علاقة صداقة، وغنت أمامه “تهجرني بحكاية” لفايزة أحمد، و”ح أقولك حاجة” لوردة الجزائرية و”مظلومة ياناس” لسعاد محمد – كما ذكرت الراحلة في أحد البرامج – وكانت النتيجة بأن فازت بالمرتبة الأولى على مجموعة الفتيات المشاركات بالمسابقة وتحمس لها “السنباطي” حينها، وقرر أن يلحن لها اقتناعا منه بأدائها، وبدأت معه بغناء اللون العاطفي وقدمت من ألحانه الأغنية الرومانسية “بحب أسهر أفكر فيك” كلمات الشاعر عبدالوهاب محمد، ثم غنت له فيما بعد دويتو “قالوا حديث حبنا” كلمات صالح جودت، مع المطرب “عبداللطيف التلباني”، وتم اعتمادها مطربة في الإذاعة والتلفزيون ثم استقالت من وظيفتها كمدرسة.
الزواج من سيد إسماعيل
كان الموسيقار الكبير “سيد إسماعيل” تربطه علاقة صداقة بـ” محمد الشاعر”، شقيق ” عايدة”، فطلب منه أن يتعاون مع شقيقته، وبالفعل لحن لها أول لحن عن الأم بعنوان “أول حنان” كلمات عبدالمجيد عبدالفتاح، وتكرر بينهما اللقاءات، فغنت له “غرامي” كلمات إمام الصفطاوي، وطلبها للزواج، وبالفعل تم الزواج عام 1963 ، وانشغلت فترة بحياتها الزوجية وأغانيها العاطفية التى تغنيها فى الإذاعة أو في بعض برامج التليفزيون، مثل “البيانو الأبيض”، وعام 1969 غنت لأول مرة فى حفل “أضواء المدينة” أغنية “بلا لوم” كلمات عبدالرحيم منصور،ألحان سيد إسماعيل، وأعقبتها بموشح “ناعم الخد المورد” شعر قديم من التراث، كما شاركت في عدة برامج غنائية من برامج الإذاعة هى “وحي شاعر” من أشعار”عبد القادر المازني” وألحان مدحت عاصم، وأوبريت “الربيع” ألحان “محمد فوزي” وأوبريت “أنا النغم”.
علي إسماعيل وفرقة رضا وكايدة العزال
فى أحد الأيام حدث خلاف بين “عايدة الشاعر” وزوجها “سيد إسماعيل”، وتدخل الموسيقار “علي إسماعيل” صديق “سيد” وزميله في معهد الموسيقى المسرحية والعربية، للصلح بينهما، وعلم أن زميله يريدها أن تكف عن الغناء، وتجلس في البيت، لتراعي إبنتها “راندا”، لكن “علي” أقنعه كحل وسط بأن يتركها تغني، وطلب منه أن تنضم لفرقة “رضا للفنون الشعبية” كي تشبع هوايتها للغناء، وفى نفس الوقت تكون بعيده عن الأضواء والشهرة التى يمكن أن تفسد حياتهما، ولم يكن يعلم وقتها أن القدر يخفي للمطربة مفاجأة سارة!.
نجيب محفوظ يروج لكايدة العزال
وبالفعل انضمت “عايدة” لفرقة رضا، فكانت مطربة الفرقة، وفى أحد الأيام تطلب أحد “التابلوهات الراقصة” الذي تقدمه الفرقة أغنية خفيفة راقصة فكتب “حسين السيد” أغنية بعنوان “كايدة العزال أنا من يومي، أيوه آه”، فحققت الأغنية نجاحا كاسحا، وكان الجمهور يخرج من الصالة بعد مشاهدته لفرقة “رضا” وهو يغني “أيوه آه”، وبدأت الأغنية تنتشر فى الشارع المصري انتشار النار في الهشيم، وبدأ اسم “عايدة الشاعر” يتردد بقوة، وبدأت برامج الإذاعة التى تهتم بطلبات المستمعين إذاعة الأغنية، فلفتت نجاحها انتباه صناع السينما، فاستخدمت في فيلم “رجل وإمرأة” عام 1971، ولم يقتصر نجاحها على السينمائيين فقط، فقد نالت إعجاب الكاتب الكبير “نجيب محفوظ”، الذي كان يطلب الاستماع إليها بصفة منتظمة، وعندما يسأل عن أغنيته المفضلة في هذا الوقت كان يقول “أيوه آه”، وكذلك أنيس منصور، وكمال الملاخ.
الطشت قالي عنوان للنكسة
بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنية ” كايده العزال”، غنت لنبيلة قنديل وعلي إسماعيل” أغنيات ” فالح يا وله، الطشت قال لي، آه يا لموني”، فكسرت أغنية “الطشت قالي” الدنيا، ونالت نجاحا أكبر من نجاح أغنية “أيوه آه”، خاصة بعد استخدامها في فيلم “ثرثرة فوق النيل” إخراج “حسين كمال”.
يقول الناقد الموسيقي الأردني ” زياد عساف” أن هذه الأغنية وقع عليها بعض الظلم وللجمهور كل الحق أن ينتقدها ويعتبرها دون المستوى في حال سماعها من خلال الكاسيت، أو بصوت “عايدة” على المسرح خاصة بما تحتويه من كلمات دون المستوى، إلا أن قيمة هذه الأغنية أنها وظفت بشكل صحيح في الفيلم حيث يتطرق لهزيمة 1967، وكيف أدت الهزيمة لتراجع القيم والذوق العام حتى في الغناء، وتم توظيف هذه الأغنية في العمل كنموذج لإيصال فكرة الى أين وصل الإنحدار والسطحية بالغناء، وبالتالي عند تقييم الأغنية من خلال سيناريو العمل نجد أنها كانت أحد عوامل نجاح الفيلم ولدرجة كبيرة.
بليغ ومكاوي ومنير وبكر
بعد النجاح الكبير لأغنية “الطشت قالي” أصبحت “عايدة الشاعر” مطلوبة في الحفلات والأفراح، وبدأت تتفرغ كليا للغناء، فتعاونت في هذه الفترة مع عدد كبير من الملحنيين منهم الموسيقار “بليغ حمدي” الذي قدم لها ” قمر 14، شربات الفرح يا حبايب”، كلمات “محمد حمزة”، و”عريس السويس” كلمات “محمد الشرنوبي”، ومع منير مراد غنت “مايهونش عليا أسيبك”، و”أنا أحبك” كلمات عبد الرحيم منصور، ومع الموسيقار” عبدالعظيم محمد ” قدمت “الطرح يابنات، قد أيه دفع يا بيضا، يابويا لا أو القاضي، إفتح لي الشباك يا حبيبي، إدينى ريال” كلمات عبدالرحمن الأبنودى.
وتعاونت مع الموسيقار سيد مكاوي في “أجمل فساتيني” كلمات: فرج صادق، ومع الشاعر الكبير “صلاح جاهين” تعاونت في أغنية” أبدا يا حبيبى”، ألحان : جمال سلامه، ومع “عبدالعظيم عبدالحق غنت “أنا قلبي فرحان ليه؟” كلمات محمد حلاوة، وقدمت أغنية جميلة جدا بعنوان “يا لوز مقشر” كلمات وألحان سامي الملاح، كما غنت “ما كانش ظني”، كلمات: محمد التهامي، ألحان: فؤاد حلمي، وغنت أيضا لعبدالمنعم الحريري “ماتقولش غنى ماتقولش فقير، ولحلمي بكر قدمت “تحلف لى أصدقك” كلمات سمير الطائر.
وكان آخر الملحنيين الذين تعاونت معهم “صلاح الشرنوبى” فى أغنيتي “من حقى اختار حبيبى”، كلمات صلاح محمد علي، “آخر كلام بينى وبينك” كلمات عوض بدوى، كما تعاونت مع شقيقة فاروق الشرنوبي في أغنية ” أنا والشاى” كلمات “عبد الفتاح البنا”.
من أوائل الذين قدموا الأغنية الخليجية
قدمت المطربة عايدة الشاعر تجربة متميزة ومختلفة في مشوارها عندما غنت الأغنية الخليجية البيضاء، من خلال ثلاث أغنيات الأولى “يامعوض من صبر”، وهى فولكلور سعودى، وألحان سيد إسماعيل، والتى قدمتها فى بداية السبعينات لتكون من أوائل المطربين الذين غنوا الأغنية الخليجية، تلتها بأغنيتي من الكويت الأول ” طيرنى ياشوق” كلمات خالد جاسرالعياف، الحان أحمد عبدالكريم، الثانية “لبسه الفستان الأبيض” ألحان ليلي عبدالعزيز.
مهرجان طوكيو
شاركت المطربة ” عايدة الشاعر” في مسابقة الأغنية الخفيفة التى أقيمت في اليابان، واستطاعت الفوز بالمركز الثاني في المسابقة، وحصلت المكسيك على المركز الأول، وغنت يومها لحن للموسيقار والموزع “أندريا رايدر” بعنوان “أرق من النسيم” كلمات “نبيل الفكهاني”، وشارك في هذه المسابقة أكثر من أربعين دولة وغنت يومها على الهواء بمرافقة الأوركسترا .
الرحيل في صمت
يوم الأحد السابع من مارس 2004 أعلنت عائلة المطربة وفاتها عن عمر يناهز 64 عاما إثر إصابتها بأزمة قلبية تم نقلها على أثرها إلى أحد المستشفيات الخاصة إلا أنها فارقت الحياة بعد بضع ساعات، تاركة لنا العديد من أعمالها التي لا تنسى.