صباح وموسي صبري .. حب وغرام أشعلته الغيرة !
كتب : أحمد السماحي
حوار العاشقين هو حوار كل قلبين يحيط بهما الثقة والشكوك، الفرحة والدمعة، حرارة اللقاء ومرارة الفراق، إنه حوار مستمر، منذ أن وجد “آدم” أمامه “حواء” بصدقها وكذبها بإغرائها وفتنتها، بلهيب الأنثى في كلماتها وحركتها، ومنذ رأت “حواء” أمامها “آدم” بفتوته ورجولته، بقوته وضعفه، بإقباله وإدباره، بخشونة كلماته ودفء حنانه، هكذا كان لقاء الكاتب الصحفي الراحل “موسى صبري”، والفنانة “صباح”، فالحوار بينهما يحمل كل المتناقضات، الإستشارة والأجابة، اللهفة والشوق، والراحة والإطمئنان، الكلام والصمت، الغيرة والثقة، كان “موسى صبري” عنيفا في عواطفه، كما كان عنيفا في معاركه.
“الجيل” .. مجلة صباح
حكاية الغرام بين “موسى وصبح” بدأت في نهاية الخمسينيات تحديدا 1957، ففجأة أصبحت صور وأخبار المطربة اللبنانية “صباح” تحتل معظم الأبواب الاجتماعية والفنية في جريدة “الأخبار” التي تحمست للمطربة الشابة، ودافعت عنها، وأبرزت أسطورتها، وتغنت بصوتها العذب وتمثيلها الرائع، وتابعت أنشطتها الإنسانية، وانتقل هذا الإعجاب إلى مجلة “الجيل” التى رأس تحريرها الكاتب الصحفي “موسى صبري” والصادرة من دار “أخبار اليوم”، إذا ضحكت “صباح” فتجد خبر عن سر سعادة المطربة الشابة، وإذا حزنت تجد خبر آخر عن تعاسة مطربة السعادة والبهجة، وإذا دخلت فيلما جديدا فالمجلة حاضرة بقوة تغطي كواليسه، وإذا أطلقت أغنية جديدة، فهي أغنية “الموسم”، حتى أن الكاتب الصحفي الكبير “علي أمين” قال لصديقه “موسى صبري” : أعطيناك مجلة ” الجيل”، فأصبحت مجلة “صباح”!.
وبعد طلاق صباح الثاني من “أنور منسي”، حيث تم طلاقهما للمرة الأولى في فبراير 1955 ثم عادا إلى بعضهما وتزوجا مرة ثانية في 12 نوفمبر 1955 ، وبعد عودة الخلافات بينهما وقع الطلاق الثاني والنهائي بين “صباح وأنور منسي” يوم الأربعاء الثاني عشر من يونيو 1957 ، وعندما تم الطلاق نشرته المجلة كأنه خبر سار، بل أظهرت شماتتها في الطلاق، عندما أكدت أن مدة الزواج لم تزد على ثمانية وعشرين شهرا.
غيرة ورقص
بعد الطلاق سافرت ” صباح ” إلى الكويت ومكثت فترة، وبعد عودتها من الكويت، دخل “أنور منسي” فى أحد الأيام أحد ملاهي شارع الهرم ذات مساء ففوجئ بوجود “صباح” وشقيقتها “سعاد”، مع الفارس الجديد، وصديق إذاعي آخر، ولم يفقد “أنور” أعصابه لهول المفاجأة، بل دخل الى حلبة الرقص، محتضنا إحدى راقصات الباليه، وتظاهر بأنه لم ير “صباح” ، وثارت أعصاب “صباح” وقالت في صوت مسموع: “كده.. كده”، ولكن الكاتب الشاب أنقذ الموقف بأن انسحبوا جميعا من الملهى، ولم يكونوا قد أمضوا عشر دقائق، وتركوا “أنور منسي” في حلبة الرقص، فالموسيقار الشاب يحاول بكل أعصابه أن ينسى، و”صباح” تحاول بكل أعصابها أن تهيئ نفسها لحياتها الفنية بلا زواج.
حب جديد يتسلل
بعد فترة نشرت مجلة “الجيل” تقرير بعنوان “حب جديد يستقبل صباح في القاهرة” لمحت فيه المجلة لحب “صباح لأحد الكتاب الشباب” جاء كالتالي: عادت المطربة صباح من الكويت الى القاهرة منذ أسبوعين، وقالت لأصدقاء “أنور” لقد انتهى “أنور” من حياتها للأبد، خاصة بعد أن شاهدته بنفسها عايش حياته على الآخر!، وقد بدأت “صباح ” حياة جديدة في القاهرة غير حياة “الكويت” وحياة “لبنان”، إن قلبها الرقيق تفتح لحب جديد، والحب الجديد حب هادئ ليس فيه ثورات “أنور منسي” ولا غضباته العنيفة، انه حب هادئ رومانسي يتفق مع أعصاب “صباح” في هذه الأيام.
والفارس الجديد، نجم لمع اسمه في مجال آخر بعيد عن الفن!، وقد اكتشف “أنور” حقيقة ما تعيش فيه “صباح”، وقابل الخبر بالدموع، لم يستطع أن ينام ليلة واحدة، إنه يعود كل صباح الى منزله مع الفجر، ليبلل وسادته بالدموع الحبيسة التي يجتهد في حبسها أمام الناس وعجز “أنور” عن الكلام، والتقى بالفارس الجديد الذي احتل قلب “صباح” ودار بينهما حوار هادئ اقنع فيه الفارس الجديد، الموسيقار الشاب، بأنها مجرد إشاعات كاذبة، وأن “صباح” أكرمته عند زيارته الأخيرة لبيروت، وهو يقوم برد الجميل، ويدعوها إلى عشاء أو سهرة خارج منزلها للتسرية والترفيه عنها، وأن اتصاله بصباح هو مجرد صداقة بريئة، واقتنع “أنور” بما قاله الكاتب الشاب.
حب جارف
لكن الحقيقة أن “موسى صبري” أحب صباح بقوة، وكبر الحب بين الكاتب الشاب
والمطربة الشقراء، وفى أحد الأيام دار بينهما هذا الحوار:
هى : أنا خائفة !
هو : مني؟
هى : من حبك
هو : أي حب هذا الذي يخيف؟!
هى : الحب الذي يتسلل إلى القلب دون أن تدري
هو : وعندما ندري
هى : نرتجف
هو : ولماذا نرتجف؟
هى : لأننا أضعف من أن نحب، خايفة أظلمك معايا
هو : هيكون أحلى ظلم
هى : تجربتي مع “أنور” كانت قاسية، وخايفة يكون حبك كالغريق الذي يتعلق بأي شيئ لكي ينجو من الغرق.
هو : حبك قوي مثل حبي لك!
هى : تفتكر
هو : أنا متأكد!
كان “صبري” في قمة السعادة عندما تأكد من حب “صباح”، تصور أن العالم كله كان يرقص معه، كان يرسل لها باقات الزهور وعليها كلماته المتدفقة من أعماقه، كان يراها كل يوم ويسهر معها كل ليلة، وفي أحد الأيام وعندما ارتفعت درجة حرارته إلى أربعين أسرع إليها، لأنه لم يكن يستطيع أن يمضي يوما من دون رؤيتها، وخشيت عليه من الالتهاب الرئوي فبقي في منزلها وقامت بتمريضه، وبعد أن تحسنت صحته قالت له : الأطباء قالوا أنك بخير
هو : وقلبي يقول أنني مريض
هى : هذا وهم، صدقني أنك على أحسن ما يرام
هو : وكيف أصدق وهمي الأكبر؟
هى : هل تشكو المرض أم الحب؟
هو : وأي فرق
هى : طب يلا بلاش دلع شغلك في انتظارك.
الرئيس جمال عبدالناصر يعلم بالحب السري
كان “موسى صبري” يعتقد أن أحدا لا يعلم هذا السر لكنه فوجئ ذات صباح بخبر كالقنبلة، عندما علم أن رئيس الجمهورية “جمال عبدالناصر” يعرف كل تفاصيل علاقته بالمطربة اللبنانية وعدم قدرته على تحمل فراقها لحظة واحدة.
وعن هذه الواقعة يقول “موسى صبري” في مذكراته: ذات يوم حذرني الكاتب الكبير “مصطفى أمين” من الحديث في التليفون في السياسة مع المطربة “صباح”، وعجبت كيف عرف ما جرى بيننا من حديث؟!
قال لي “مصطفى أمين”: لقد سألتك صباح أخبارك أيه؟! فأجبت أنك تعبان لفراقها.
وقال مصطفى أمين: عبد الناصر أبلغني بهذا الحديث ولذلك أنبهك لأن التليفونات مراقبة، فلا تتحدث هكذا وبعفوية!.
الطعنة الكبرى
عرف الصحفيون قصة غرام الصحفي الكبير بالمطربة الشقراء، وبدأت “صباح” تنشغل بأفلامها وأغنياتها وحياتها الأسرية، فهى المسئولة عن ابنتها وابنها وأيضا أشقائها ووالداها، وفكرت بينها وبين نفسها فوجدت أن حبها لـ موسى “سيأخذها من مسئوليتها كأم وأخت كبرى مسئولة، وبدأت تبتعد رويدا رويدا عن “موسى صبري”، إلى أن فاجأته ذات يوم وهما في عش غرامهما، قائلة: سأتزوج خلال أيام!!
فقال لها بفزع وحزن ولوعة وألم: كيف.. وحبنا؟!
ردت بهدوء قائلة: حبنا زواج جميل، لكن الزواج واقع أجمل.
هو : مين ده اللي أخدك منى؟
هي : الإسم مش مهم!
هو : يعنى مش حشوفك تاني
هى : ساعدني على فراقك
هو بتوسل : ساعديني على لقائك
هى : اللقاء سهل، الفراق هو الصعب
هو : الصعب كلامك
هى : بالعكس هتقدره بعدين
هو: وأنا هعمل ايه؟
هي ببرود: هذه مشكلتك! ولن تراني بعد اليوم.
هذيان وواسطة
دارت الدنيا بالكاتب الشاب، وكان الصمت أقوى من حوار “الرصاص” الذي انتشر في عالمنا العربي هذه الأيام، بفارق واحد، حوار الرصاص فيه قاتل وقتيل، وحوار الحب الصامت فيه قتيلان، ولم تكن “صباح” قتيلة، ولكنها كانت ” قاتلة” غرام بدرجة امتياز!.
حاول أن يتكلم لكنه لم يعد قادرا على الكلام، ولم تعد هى جديرة بأي كلام، وترك “موسى صبري” شقتها في حالة هذيان، كالطير الذبيح، وبعد أن تركها عاد لها بعد ساعات، لكنها رفضت استقباله، وكالمجنون دار بسيارته حول عمارتها بعد منتصف الليل يتلمس نورا مضيئا من نافذتها، وعندما ساءت حالته النفسية والصحية حاول صديقاه الكاتبان “علي حمدي الجمال”، و”توفيق بحري”، إقناعها بمجرد رؤيته، لكنها رفضت، وأكدت لهما أنه انتهى من حياتها.
قال لها الجمال : طب والحب اللي بينكما يا صباح؟!
صباح : كان أحلى حاجة فى أيامي
بحري : طب كملي أيامك بالحب
صباح : حبنا بلا مستقبل
بحري والجمال: نقول لموسى ايه؟
صباح : خليك ذكرى جميلة .
زواج صادم للجميع
بعد أيام قليلة أعلنت المطربة الشابة زواجها من المذيع المتألق آنذاك “أحمد فراج”، وكان الخبر صادم ومفاجئ للجميع، والكل تسأل بدهشة “صباح وفراج” كيف؟! صباح الدلع والدلال والحرية و”فراج” صاحب البرامج الدينية الذي يستضيف أهل القرآن، الملتزم، الذي يستحي من خياله، كيف؟.
وقبل أن يفيق الجميع من الصدمة، أعلنت “صباح” قنبلة آخرى مدوية أطلقتها في المجتمع المصري والعربي حيث أشهرت إسلامها أولا قبل الزواج، وبالفعل تم الزواج في 9 أبريل 1960، في منزل صباح في عمارة برج النيل في الجيزة .
رحلة النسيان
ولم يستطع “موسى صبري” البقاء في القاهرة أثناء عقد زواج “صباح وأحمد فراج”، بل سافر إلى باريس في مهمة عمل، كما قال لكل أصدقائه الذين قالوا: الحقيقة أنه سافر في رحلة نسيان.. نسيان حبه الكبير لصباح.