رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الجابري .. علامة مميزة في الإنتاج الفني

محمد وأحمد الجابري مع الراحل اسماعيل عبد الحافظ ويسري الجندي وحسني صالح
مع نيللي كريم وصبا مبارك ومصطفى شعبان
مع تيم حسن .. كواليس الوسواس
الإخوان الجابري مع نور الشريف كواليس الرحايا
الجابري مع الفخراني في كواليس شيخ العرب همام

بقلم : محمد حبوشة

مما لاشك فيه أن مصر تخوض حربا فكرية واقتصادية طاحنة، في سبيل الحفاظ على قوتها الناعمة وتدعيمها باعتبارها أهم أسلحتنا في هذه الحرب، ولعل على رأس أولويات تلك القوى الناعمة “الدراما التليفزيونية، والتي كانت أن ترواح مكانها إلى وقت قريب، وكادت الشركات تتوقف فعلا عن الإنتاج، لولا أن أخذت شركة “سينرجي” على عاتقها ضرورة التصدي لهذا الطوفان الذي تسبب في خسائر جمة للفضائيات من ناحية، وأوقف عجلة الإنتاج من ناحية أخرى لغالبية الشركات وغيابها تقريبا عن المشهد، ومن هذه الشركات المهمة والتي أصبحت علامة بارزة في قلب الدراما المصرية، “شركة الجابري للإنتاج الفني” لصاحباها “محمد وأحمد الجابري”، اللذين ارتبطا طوال السنوات الماضية بعلاقات طيبة مع النجوم وصناع الدراما، رغم أنهما لم يكونا على المحك طويلا، لكنهما استعادا قوتهما في الإنتاج من جديد على جناح المسئولية والالتزام بقيم المجتمع المصري، فاستحق أن نكتب عنهما هذا البروفايل.

ورث الأخوين”محمد وأحمد” الجابري” المهنة من والدهما المنتج الكبير “علي الجابري” الذي كان أبوه أيضا منتجا منذ سنوات مبكرة في عمر السينما المصرية، واكتفي بإنشاء أستديو، ولأنهما أخذا هذه المهنة عن أبيهما فقد احترفاها تماما، وربما يرجع السبب في ذلك أن جينات الجد والأب سرت في شراينهما، فلم يكن الأب “على” يكتفي بالإنتاج السينمائي في مصر فقط ، بل إنه كان يقوم بعمل المنتج المنفذ لعدد من الأفلام الأجنبية التى يتم تصويرها في مصر، بمعنى أن نجوم العالم كانوا ينزلون مصر، ومن لحظة أن تطأ أقدامهم أرض القاهرة حتى عودتهم لركوب الطائرة مرة ثانية في طريق عودتهم لبلادهم.

حدائق الشيطان

كان “على الجابري” هو المسئول عن كل ما يخصهم في مستلزمات الديكورات والاكسسوارات وأماكن التصوير المختلفة في أرجاء المحروسة،، بل كان مسئولا أيضا تصاريح العمل، وغيرها من الأمور التى تحتاجها أطقم تلك الأفلام الأجنبية التى كانت تتم في مصر مثل “الوصا العشر” للمخرج العالمي الكبير “سيسيل دي ميل”، وفيلم “ابن سبارتكوس”، وفيلم  “كليوباترا” لإليزبيث تايلور، وفيلم “الخرطوم، و الإنجيل”، فضلا عن 40 فيلما عالميا عن الحرب العالمية، وغيرها.

ومن أشهر الأفلام المصرية التى أنتجها الأب علي الجابري: “حماتي ملاك، مصري في لبنان” في بدايات كمال الشناوي، “شادية الجبل” لسميرة توفيق وفريد شوقي، ” دماء فى الصحراء” لعماد حمدي، “سر الأميرة” لكوكا وكمال الشناوي، “شهيدة الحب الإلهي” لرشدي أباظة، وعايدة هلال، وصلاح جاهين، وكريمان، كما كان منتجا منفذا لعدد من الأفلام الهامة مثل “صلاح الدين الأيوبي، فجر الإسلام، الشيماء” وغيرها حيث كان يتهم اهتماما خاصا بالديكورات والاكسسوارات وغيرها من أماكن التصوير.

والحقيقة أن عائلة “الجابري” حكايتها مع الإنتاج نشأت مع نشأة ستديو مصر، حيث عمل “الجد” كما ذكرنا في مجال الخدمات الإنتاجية للأفلام السينمائية في الأربعينيات، ثم أنشأ ابنه “ستديو الجابري”، وعمل وقتها في إنتاج الأفلام السينمائية، لكن فترة توقفه طالت لعشرين عاما منذ بداية السبعينيات وحتي نهاية الثمانينيات اكتفي خلالها الجيل الثاني من العائلة بالاستديو، وتوقفوا عن الإنتاج نهائياً، في بداية التسعينيات جاء الجيل الثالث من العائلة، حيث تولي “أحمد الجابري” إدارة الشركة مع أشقائه عمرو ومحمد وعادل، الذين يعملون في إدارة الإنتاج، وخالد الذي يعمل في مجال الإضاءة، وقد أنتجوا عدداً من المسلسلات مثل: الأميرة والمملوك، عمرو بن العاص، السيالة، حدائق الشيطان”، والأخير يعتبر مرحلة انتقالية للعائلة الجابرية في مجال الإنتاج والتسويق الدرامي.

المصراوية

خطة الجابرية الإنتاجية والتسويقية تعتمد بالأساس علي فتح الأبواب مع جميع الفضائيات، ولديهم أفكار جديدة دائما للمواسم الدرامية المختلفة، سواء كانت في رمضان أو غيره، وتتمثل تلك الأفكار في توليفة درامية تضمن التواجد المستمر، مواصفاتها نص مصري ومشاركة مصرية أو عربية أو سورية في بطولة هذه الأعمال، وقد اتفقا بالفعل مع “جمال سليمان” علي مسلسل جديد لرمضان المقبل، علي أن تلعب البطولة النسائية أمامه “سلاف فواخرجي”، والفكر الجديد الذي تتبناه عائلة الجابري في المرحلة المقبلة غالبا لن يزيد من نصيبها في سوق الدراما، والذي يتمثل في مسلسل واحد كل عام من نوعية المسلسلات ذات الميزانيات الضخمة والتي تبدأ من عشرة ملايين فما فوق.

الوسواس

أهم ما تعلمه “محمد وأحمد الجابري” من والدهم هو أن للفن رسالة ورسالة هامة لا تقل عن أي مهنة محترمة، ويجب أن تحترمها وتخلص لها، ولابد أن تقدم فن محترم لأن الأسم أغلى من الفلوس، ولهذا كان إنتاجهم على مستوى الدراما التليفزيونية الجادة يعد علامة متميزة في هذه الصناعة المصرية فائقة الجودة، كما جاء ذلك في مسلسلسلات مثل “حدائق الشيطان” أول أعمال النجم السوري الكبير جمال سليمان ، “الرحايا” للراحل العظيم نور الشريف، “الخواجة عبدالقادر” للقدير والمبدع يحيي الفخراني، وله أيضا “شيخ العرب همام”، “بيت الباشا” بطولة صلاح السعدني وإخراج هاني لاشين.

وكان الفضل لـ “الجابري للإنتاج الفني”، أنهم أول من أحضر “أيمن زيدان وصبا مبارك وأعطى مصطفى شعبان ونيللي كريم” فرصا كبيرة في مسلسلات من بطولتهم، كما كان لهم الفضل في تثبيت أقدام “تيم حسن” في قلب الدراما المصرية بمسلسل “الوسواس” من بطولته مع “سوسن بدر، نضال الشافعي، أحمد حلاوة، وغيرهم من نجوم برعوا في تجسيد أدوارهم خلال هذا المسلسل الذي يحكي في سياق أحداثه عن بطولة أحد أفراد القوات المسلحة في دفع الأذي عن أبناء قريته، ليثبت بطولته أيضا في الحياة المدنية.

قدم الثنائي “الجابري” أكثر من 15 مسلسلا تميزت في غالبيتها بالطابع الاجتماعي مثل “نسيم الروح” للنجم السوري الكبيرأيمن زيدان، بالاشتراك نيللي كريم ومصطفى شعبان، قصة يسري الجندي وإخراج سمير سيف، وكذلك ومسلسلي “حافة الغضب، بطولة حسين فهمي ، سوسن بدر ، رانيا محمود ياسين ،مدحت تيخا،  محمود الجابري، قصة محمد الصفتي وإخراج حسني صالح، و”خط ساخن” تأليف فوزية حسين، وإخراج حسني صالح، وبطولة “سلاف فواخرجي، نضال الشافعي، حسين فهمي، صلاح عبدالله، سميرة عبدالعزيز، دنيا المصري.

حافة الغضب

وقد شارك الثنائي الجابري، في الانتاج خارج حدود الوطن من خلال المسلسل السوري “السراب”، من إخراج مروان بركات وتأليف حسن سامى يوسف ونجيب نصير، ومن أبطال المسلسل “بسام كوسا، سلافة معمار، نسرين طافش، قيس شيخ نجيب، آمال سعد الدين، سوسن أرشيد.

وحاليا يعرض لهما مسلسل بطابع صعيدي بعنوان “بت القبايل”، وفيه ما يقرب من 40 أغنية من كلمات الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودي وتغنيها ياسمين علي، ويأتي ذلك كأول إنتاج مشترك مع المجموعة المتحدة للإنتاج الفني برئاسة “تامر مرسي”، وذلك بعد أن عادت شركة “الجابري” للإنتاج لمالكها المنتج أحمد الجابرى مجددا، بعد اتفاق تم بينه وبين تامر مرسي مالك المجموعة المتحدة من أجل التعاون في مشروعات درامية خلال الفترة المقبلة، وأثمرت الاتفاقات عن بداية التعاون عبر إنتاج مسلسل آخر يدفع بهما قريباً على الشاشة، باسم “رحيل زهرة” بنفس أبطال “بت القبايل”، يكتبه عدد من المؤلفين الشباب ويخرجه حسني صالح، ومن بطولة عمرو عبدالجليل، وحنان مطاوع، ومحمود عبدالمغني، وسميرة عبدالعزير ومحمد رياض.

جدير بالذكر أن ستديوهات الجابري في منطقة نزلة السمان بالقرب من الأهرامات، تم بنائها فى نهاية التسعينات، ولها قصة، حيث كان المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ، يبحث عن قرية لتصوير مسلسله “المصراوية”، تأليف أسامة أنور عكاشة، وبطولة الجزء الأول “هشام سليم وسميحة أيوب”، والجزء الثاني قام ببطولته “ممدوح عبدالعليم”، يومها أسس “محمد الجابري” استديوهات الجابري، وأنشاء القرية التى كان يطلبها عم إسماعيل في ثلاثة شهور، ليجرى تصوير مسلسل “المصراوية” بداخلها.

خط ساخن

والغريب أن مصير استوديوهات الجابرى، ظل سؤالا يسيطر على أذهان الكثير من محبى وصناع الفن خلال الأيام الماضية، بعدما بدأت حملة الإزالات الأخيرة التى قامت بها الأجهزة فى منطقة نزلة السمان، وذلك بقرار من الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء على المنازل والمحال التجارية المخالفة فى المنطقة التابعة لمحافظة الجيزة والمبنية على حرم الأهرامات.

تعد استوديوهات الجابرى واحدة من ضمن أربع استوديوهات لها تاريخ عريق فى صناعة الفن، خاصة الأعمال الدرامية الصعيدية التى تم تصويرها هناك كثيرًا بسبب الطبيعة التى تحيط بها، والكهوف، حيث تم تصوير مسلسلات كثيرة فيها منها: “الرحايا، نسيم الروح، الشيخ العرب همام”.

ولهذا قال المنتج “محمد الجابرى” في تصريح له مؤخرا: إن هناك خطة موضوعة لإزالة منطقة نزلة السمان بالكامل، نظرا لتطوير هذه المنطقة، وبالتأكيد مصير استوديوهات الجابرى هو الإزالة كحال باقى المنطقة التى من المفترض إزالتها بالكامل، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الأمر، هناك الكثير يعملون فى هذه المنطقة التى ينقطع عيشهم بمجرد إزالتها، ولهذا قلنا للمسئولين إننا على أتم الاستعداد لتطوير منطقة السمان كلها على نفقتنا الخاصة، وبالشكل الذى تريده دون المساس بأحوال الناس التى ستتعرض بالتأكيد لقطع عيشها بمجرد الإزالة.

بت القبايل

وأخيرا وليس آخرا يؤمن الأخوين الجابري بأن الدراما المصرية بصورة عامة والعربية بصورة خاصة، تحتاج إلى معايير تقنين وتقويم، وتحتاج إلى جملة تعريفات ومفاهيم محمولة على محور علمي واضح يزيل الغشاوة عنها ويبعد اللبس، ومن ثم يسعيان دائما للتعرف جيدا على طبيعة المعالجة الدرامية المصرية لقضايا الهوية القومية من حيث المحتوى الفكري والشكلي الذي تطرحه الأعمال الدرامية المصرية، والتي تقدم في إطار واقع اجتماعي تحكمه محددات ثقافية وقيمية معينة، بحيث تحرص الدراما من خلالها على تقديم نمط ثقافي قيمي محدد عن المجتمع المصري، الأمر الذي يبرز هويتنا فكريا وثقافيا، وأيضا الظروف المجتمعية المؤثرة في توجيه هذه المعالجات الدرامية المصرية نحوها، وبالتالي تدعيمها دراميًا من عدمه، وأثر تدفق الدراما الأجنبية على الهوية العربية بشكلٍ عام.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف النبيل الذي يسعى لتقويم الدراما المصرية الحقيقة، بعد أن كادت يتجه نحو الفناء في مصر ، وخلال سنوات معدودة كانت ستنتهي تمامًا، وستضطر شركات الإنتاج إلى الإغلاق أو وقف نشاطها مؤقتًا أو تخفيضه بصورة كبيرة، بسبب عدم توافر السيولة المالية، فإن “شركة الجابري” أعدت دراسة رجعت من خلالها إلى تقلبات السوق خلال العشر سنوات الأخيرة، كي تساهم في تصحيح المسار، لتقف جنبنا إلى جنب مع شركات أصبحت غير موجودة تقريبًا، ومنها “أفلام محمد فوزي، وكينج توت، وفيردي، والباتروس، والشروق”، حتى يعود الإنتاح الدرامي إلى سابق عهده في الازدهار والتطور الذي يواكب العصر.. فتحية تقدير واحترام لـ “الجابري للإنتاج الفني”، صرحا مهما من صروح اللإنتاج في مصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.