رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود نصر .. موهبة على طريق العالمية

“الإخوة” بداية مراحل نضجه الفني

كتبت : سدرة محمد

ممثل يملك القدرة على سبر أغوار الشخصية التي يجسدها، ليقدمها لنا من لحم ودم وبأسلوب السهل الممتنع كما يجب، بغض النظر عن موقفنا منها، ولعله نجح في إتقان ذلك تماما من خلال لعب دور السلطان “سليم الأول” مؤخرا في مسلسل “ممالك النار”، والذي حاول  فيه إيجاد رابط درامي ليضع الحدث التاريخي في سياقه فقط، وذلك بعد أن راجع الكثير من الأبحاث والكتب التي تناولت السلطان القاطع أو الرهيب كما لقبه الصليبيون، معتمداً على دراسته الأكاديمية من ناحية، ومن ناحية أخرى حبه وعشقه للقراءة التي لايجد فيها وسيلة لقتل أوقات الفراغ، بقدر ما يتوجب أن يتوفر لها وقت لإضاءة العقل، ومن هنا فقد اجتهد الممثل السورى “محمود نصر” في الإلمام بشخصية مثيرة للجدل في حياتها ومماتها.

“ممالك النار” نقطة انطلاقه نحو العالمية

“محمود نصر” الذي ولد في دمشق بسوريا عام 1983، بات اليوم واحدا من نجوم الصف الأول في قلب الدراما السورية، بفضل موهبته وثقافته وإخلاصة لمهنة التمثيل التي يقال إنه لم يكن يتمناها، رغم أنه التحق بمعهد الفنوت المسرحية بعد أن تقدم له مرتين، رغم أن مجموعه في الثانوية العامة كان يؤهله لدخول الهندسة، وكانت بدايته في مجال التمثيل عام 2004 ، وهو مازال طالبا بالفرقة الثالثة من خلال مسرحية “نفق” للفنان والأكاديمي المخضرم “فايز قزق”، وفي عام 2007 شارك في 3 أعمال هي “الليلة الثانية، خالد ابن الوليد، ممرات ضيقة”، ثم أطل عام 2008 في 5 مسلسلات، هي: “قمر بني هاشم، نساء من البادية، شركاء يتقاسمون الخراب، ليس سراباً، واسأل روحك”.

وبعد أن بدأت موهبته في التفتح قليلا، شارك عام 2009 في مسلسلات “شتاء ساخن، تحت المداس، سحابة صيف”، ليصل إلى مرحلة متقدمة في الأداء التمثيلي، حيث شارك عام 2010 في 5 أعمال لاقت نجاحاً ملفتاً ونسبة مشاهدة كبيرة، ومنها “صبايا، الهروب، ورايات الحق”، وفي عام 2011 أطل عبر 3 مسلسلات هي: “معاوية، الحسن والحسين، تعب المشوار والشبيهة”، لكنه أثبت جديته أكثر في عام 2012، حين شارك في المسلسل الديني التاريخي “عمر” بدور زيد ابن الخطاب، وفي عام 2013 شارك في مسلسلي “يامال الشام” و”قمر شام”، وعام 2014 كان له مشاركة قوية في المسلسل الناجح “الأخوة”، حيث لعب دور الشقيق الأصغر “مجد”.

وبوصوله لعام 2015 كان قد نضج كثيرا، كما بدا لنا من مشاركاته في عدة مسلسلات منها مسلسلات “حرائر، بانتظار الياسمين، العراب، ودنيا”، واتجه في نفس العام للسينما وقام ببطولة فيلم “رسائل الكرز” الذي حقق نجاحاً كبيراً وحصد جوائز كثيرة في عدة مهرجانات سينمائية، وفي إطار توجهه سينمائيا شارك عام 2016 في فيلم “سوريون”، وفي الدراما التليفزيونية في نفس العام قدم دورا مهما للغاية في مسلسل”الندم” من خلال تجسيده المميز لشخصية  “عروة”، والذي بموجبه حصد نجاحاً جماهيرياً كبيراً في الموسم الرمضاني 2016.

في بدايات حياته الفنية

هذا ويعد مسلسل “الندم” هو نقطة الانطلاقة القوية في مسيرة “محمود نصر” الذي برز في السنوات القليلة الماضية اسمه، بفضل النص الجيد لـ “حسن سامي يوسف”، وإخراج المبدع السوري الكبير “الليث حجو، حيث عاش الجمهور مع شخصية “عروة” أمل الكتابة في الحرب، لا بل إن جيلاً كان قد نسي دور الأدب وقيمة الكلمة، أعاده هذا المسلسل إلى المكان الأجمل ليكتب مشاعره، بدل الاحتقان الذي تفرضه ظروف الحرب والاقتصاد، وذلك  ضمن إطار مشوق لعمل استثنائي سيظل محطة في الدراما السورية لسنوات قادمة.

في هذا الوقت تحديدا وبفضل مسلسل “الندم” حصل إجماع جماهيري ونقدي على أهمية الفنان “محمود نصر” كنجم بدأ صعود سلم النجومية، بعد أن اجتاز المراحل الصعبة، وانهالت عليه العروض الفنية، لكنه وقتها – وكان قد عمل لسنوات في أدوار مهمة أو ثانوية – عرف أن بهرجة الشهرة في عمل واحد بائدة إن لم تستتبع بخطوات ثابتة قادرة على تركيز أدواته، على حد قوله، ومن ثم قرر الغياب قسرا عن الدراما التلفزيونية، وركز في وجهة أخرى هى المسرح والسينما.

ولهذا ينبغي أن نتذكرله في تلك المرحلة المهمة: “سوريون، والاعتراف” لـ “باسل الخطيب”، و”كأنو مسرح” لـ “غسان مسعود”، ويجدر القول هنا إنه اعتمد في تلك الأعمال على التركيز على موهبته وصقلها، ومن يعرف “محمود نصر” شخصياً يعرف أنه فنان يقرأ ويهتم بصحبة الكتاب دائما، ومحافظٌ على تواضعه في التعامل مع الناس، من دون أن يحرم روحه من مساحتها الخاصة، بعيداً عن تراكض المعجبين والمعجبات الذي يلاحق النجوم.

نضج في الأداء يصل إلى حد الاحترافية

ومن خلال متابعتي الدقيقة – بالمشاهدة طبعا عن قرب – لأعمال الممثل السوري “محمود نصر” لاحظت أن برصيده مجموعة كبيرة من المحطات التمثيلية المميزة على الصعيدين التليفزيوني والسينمائي، لكن تبقى أبرز تلك المحطات الناجحة في الدراما التليفزيونية أدواره التي قدّمها بعذوبة شديدة خلال السنوات القليلة الماضية، في 4 مسلسلات، هى “الأخوة، بانتظار الياسمين، الندم، وقناديل العشاق،وهذا المربع يعكس لنا موهبة فذة تمكن من خلالها “نصر” التنويع والتجديد على مقام الدهشة الإبداعية ، خاصة تجسيده لشخصية “ديب العتال” الشاب الشامي الفقير جدا الذي يقع في حب “إيف اليهودية” وتؤدي دورها سيرين عبد النور في “قناديل العشاق” حيث تعمّق بالشخصية إلى حد أنه استطاع أن يسرق معه المشاهد إلى باطن أعماقها بحرفية عالية، تماما كما ترجمتها مشاهد كانت لتعابير وجهه ونظراته وايماءاته التي تبدو فيها البطولة المطلقة للعمل.

وللحقيقة فإن شخصية “ديب العتال” التي بلغ من خلالها “محمود نصر”حد النضج الكامل لمثل يملك أدواته بحيث لايمكن أن يمر علينا هذا الدور مرور الكرام في مسيرته، فكل العوامل والمؤشرات تدفعنا للتأكد بأن هذا الدّور شكل مرحلة مفصلية مهمّة تختلف في شكلها وملامحها عن كل ما قدمه بعدها، وأيضا عن كل ما شاهدناه في أعماله السابقة من شخصيات لعبها ببراعة.

نعم سرعان ما كشف “قناديل العشاق” عن الموهبة المتميّزة، والتي بدورها أعطت صاحبها تأشيرة دخولٍ إلى مملكة الإبداع، وبفضل ما حباه الله  من تلك الموهبة تعب هو من جانبه وثابر وصقل موهبته بالدراسة والثقافة والخبرة والمِراس حتى استحق، وعن جدارة واقتدار صفة “النجم المحبوب” الذي يتقدم في خطواته على مهل، لكن بعزم وروية نحو الصفوف الأمامية للممثلين الأكفاء، أولئك الممثلين الأوائِل القادرين على منح الشخصيات التي يجسدونها نكهةً مميزةً في الأداء المبهر والإحساس العالي والمهارة التمثيلية المستحقة للنجاح والتصفيق من قِبَل المشاهدين والنقاد على السواء.

يعشق القراءة والكتاب يلازمه أينما كان

وفي نفس الوقت يجد الرعاية الكافية لوضعه في مكانه الصحيح على خارطة الدراما العربية كما تم ترجمة ذلك في عمل ضخم مثل مسلسل “ممالك النار” الذي عرض نهاية 2019، والذي وجد له “محمود نصر” المبررات الكافية لأداء شخصية السلطان “سليم الأول” في هذا المسلسل، حيث كان على دراية كاملة لكل انطباع تقوم به هذه الشخصية المركبة، ذات التركيبة النفسية المعقدة، لذا فإننا نلحظ أن عنى كثيرا في الأداء باللغةً الفصحى القوية عالية المستوى، والتي لاتخلو من رشاقة وسلامة تامةً في نطق الحروف، وحركة اليدين، مع الاحتفاظ بالمبالغة بالأداء، وهو ما شد انتباه  المشاهد، وقد امتاز به “نصر”، بل تفرد عن غيره من بقية الممثلين الذين احترفوا أداء أدوارهم على نحو جيد في العمل.

صحيح أن “محمود نصر” قبل “ممالك النار” كان لديه نقطة تحول في محطات حياته ممثلة في مسلسل “الندم” وقناديل العشاق، لكنه في “ممالك النار” قفز قفزة كبيرة على سلم النجومية وبثقة، وليس ذلك فقط في خارطة الدراما السورية والعربية، بل يمكنني القول براحة تامة : إنه قفز نحو طريق العالمية، عبر أداء غاية في التفوق والحرفية العالية في التجسيد الدرامي على أسس علمية وأكاديمية، قوامها أنه يمتلك موهبة كبيرة ينبغي الانتباه لها وتوظيفها على نحوصحيح في خدمة أغراض الدراما العربية الناضجة .. إنه لم يعد نجما على الطريق فحسب، بل بلغ درجة أعلى في نجومية قادمة بسرعة الصاروخ.. وبدورنا نتمني له التوفيق والتقدم أكثر وأكثر في أيامه القادمة التي تبشر بالأشراق والتوهج.

في قناديل العشق قدم روائعه في الأداء الصعب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.