كتبت : كرز محمد
في مسلسل الإثارة والغموض المليئ بالألغاز الذي حمل عنوان “سر” يبدو “بسام كوسة” بأداء ساحر في تجسيده لشخصية رجل الأعمال “عمر بدران” بتركيبته النفسية شديدة التعقيد، وألاعيبه الشريرة التي تنم عن سادية مرضية، جراء تربيته غير الطبيعية في ظل فقر مدقع وظروف اجتماعية ضاغطة صنعت منه شريرا عظيما يتقن فن القتل بأعصاب باردة، وذكاء خارق في التخلص من خصومه، لكن يبقى هنالك مشهد مواجهته لزوجته “تالين” عندما أتاها في حلمها الذي يشبه الكابوس، يظل هذا المشهد هو الـ “ماستر سين” في الموسم الأول للمسلسل، وقد جاء على النحو التالي:
“تالين – داليدا خليل” تغفو قليلا تمهيد للدخول في حلم جميل ترقص فيه على إيقاع موسيقى رومانسية حالمة، بعد مكالمة قصيرة مع المحقق “جاد حرب – باسم مغنية ” تبدي فيها إعجابها به، لكن الحلم يصبح أشبه بكابوس عندما يظهر زوجها المختفي رجل الأعمال “عامر بدران – بسام كوسة”، وهى غارقة في الرقص على ايقاع أغنية رومانسية حالمة تستدعي من خلالها ذكريات حديثها الدافئ منذ قليل مع “جاد” الذي بدأ قلبها يتحرك نحوه، وهو التي تحاول استمالته كي يبعد الشبهة عنها في تورطها في مقتل زوجها أو تكون سببا وراء اختفائه المريب.
في أثناء لحظة اندماجها يظهر شبح زوجها “عامر” وهو يدخل من الباب خلسة دون أن تدري إلا لحظة انتباهها إلى وجوده المفاجيء قائلا: “كيفك تالين .. اشتقتلك”، ثم يصفق بكلتا يديه بطريقة تمزج بين السخرية والإعجاب، وهنا تبدو في عينية علامات الشر القادم من أعماق سحيقة يحمل في طياته جانبا من الغل، كما يبدو في جحوظ عينين تبدو نظراتهما أشبه بطلق رصاص حي، قد أربكها من هول المفاجاءة قائلا لها :”كفي رقص ..ولا كأني موجود” أي أكملى وصلة الرقص.
يقترب “عامر” منها قائلا: “يعني بقالنا خمس سنين متزوجين وما باعرف انك بترقصي بهالطريقة الحلوة” بينما تسمرت “تالين” في مكانها وهى تشعر بحالة من التجمد، وكأن جبلا من الجليد سقط على رأسها فأفقدها الكلام والحركة في آن واحد، ثم أضاف عامر: “بيقولوا ان الزوجة لما بترقص لزوجها بهالطريقة الجميلة بتكون بتحبه”، ثم دخل في موجة من الغصب المصحوب بعتاب لتالين، فكيف ترقص بهذه الطريقة وزوجها مختفي، فترد عليه: “لوين كنت مختفي كل هالفترة” وكأنها تتبع سياسة الهجوم كوسيلة للدفاع عن فعلتها في الرقصة التي يراها هو بأنها مشينة.
“عامر” يتساءل في استنكار ردا على “تالين”: “يهمك هالشيئ”، فترد بعد أن التقطت أنفاسها : “طبعا يهمني .. أنت زوجي”، فيقول بتهكم مقصود: “بما إني زوجك المختفي انت عمترقصي وفرحانة .. هذا الشيء ما بافهمه” ثم ترتفع وتيرة غضبه قائلا: بتحبي أغيب مرة تانية حتى تضلي مبسوطة وعمترقصي”، فترد بطريقة مرتبكة : “عامر شو بدك مني”، فيطلق صفيرا من فمه أشبه بجرس إنذار مباغت قائلا : “بدي منك شغلات كتير.. ويرفع رأسه في غضب: “لازم تعرفي إني بأعرف كل شيئ مو من هلأ .. بأعرف كل شيء من زمان”.
وبصوت يحمل شحنة غضب مكتوم: انتي خنتيني مع “مهند – وسام حنا ” ابن أخي .. وعملتي علاقة مع المحقق، وكنتي عاملة علاقة مع “الشوفير والناطور ومع ومع”.. هادا شو بتسميه؟”، ورغم ردها على جناح الكذب المتواري بأنها لم تفعل شيئ وأنها ليست فلتانة، فيرد بنبرة فيها قدر من المرارة والأسى : “اللي بيعمل هيك بيكون فلتان ونص”، ولكنها تبدي تخوفا شديدا من نظرات عينيه اللتين يتطار منهما شذرات من الشرر ، بينما هو يرد في غضب: “طبعا لازم تخافي ، لأن اللي بيعمل ذنب بيخاف”، ورغم توسلاتها له بأنها لم تفعل شيئ، لكنه يفاجئها مفاجأة مذهلة قائلا: “لكن الحبيتين اللي حطيتهم في في فنجان القوة شو؟” في إشارة إلى وضعها السم له في الفنجان.
يضع يده في خصره ويستخرج مسدسا قائلا : “أنا نبهت وفهمتك لو انتي لو بتخونيني .. سورى راح أقتلك”، فتتوسل إليه بألا يقتلها وإلا سوف يشنقوه، فيطلق صفيره الاستنكاري من فمه وفي ثقة يرد : “مارح يشنقوني اللي نفد من السم أكيد رح يقدر يخلص حاله من حبل المشنقة في جريمة القتل”، ثم يغافلها من الخلف في حركة استباقية مشرعا مسدسه، وهو يجتر مشاعره بفقدانه لرائحتها وجسمها واشتياقه اليومي خلال الأيام التي سبقت مجيئه، ويدخل في حالة بكاء يبدي فيها ندمه على قتلها حيث يقول كأنه يقتل نفسه، فهو لايرى للحياة طعم بدونها، ورغم توسلاتها وقولها له أنه لم ينفد من السم بل إنه ميت.
لكنه يرد في هيستريا مصحوبة بسخرية مريرة : “إشلون ميت .. أنا روح هائمة يعني؟”، وهى بدورها ترد في حالة من الهذيان ” أنت ميت .. ميت .. ميت”، لكنه يضع المسدس على بطنها ويطلق رصاصة متهكما: “هلا انتي صرتي ميتة” لتصحو “تالين” من غفوتها المؤقتة، وينتهي المشهد الذي يشكل الـ “ماستر سين” في المسلسل والذي أداه “بسام كوسة” بإتقان يؤكد أن فنان كبير لا يرقى لمستوى نجوم هوليود فحسب، بل يتفقوق عليها في فن التجسيد الحي القادم من الأعماق في تقمص حقيقي لشخصية رجل أعمال يحمل تركيبة نفسية معقدة، وظني أنه يصعب على الكثيرين أن ينخرطوا في سيرتها والتعبير بصدق عن مواقفها الدرامية شديدة الحساسية بنفس درجة الحرفية التي قدمها بسام بفتنة أدائه الساحر.