بقلم : محمد حبوشة
هى شخصية قوية ومؤثّرة وتتمتع بمجموعة من الصفات الاجتماعية والفكرية والعقلية والنفسية التي تميزها عن غيرها من الناس، هذا بالإضافة لمجموعة من السلوكيات التي هي بمثابة نقاط أساسية لبناء القوّة والتميّز لصاحبة “الكاريزما” للممثلة والمؤلفة والمنتجة والإعلامية “إسعاد يونس”، تلك التي تملك قدرة فائقة على جذب وسحر الآخرين والتأثير عليهم بطريقة حديثها الذي عادة ما يجنح نحو السهل الممتنع، وذلك نابع بالأساس من فرط مهارتها وخبرتها الكبيرة في ممارسة الفن والإعلام على وتيرة الحضور القوي و الهدوء الرزين.
إنها واحدة من أهم الشخصيات المؤثِّرة في حياتنا المصرية الحالية، ليس بفضل إنها “صاحبة السعادة” فحسب، بل لأنها تظل حاضرة في أذهان الآخرين، ولها أثر في المجتمع جراء امتلاكها القدرة على الحكي بلباقة شعبية مطعمة بـ”الكلاس” مع بعض “تاتشات” إنجليزية لها حلاوة وطلاوة يمكنها بسهولة أن تفك طلاسم اللغة للبسطاء قبل المثقفين، ومحاورة الصغير والكبير بذات درجة الوعي، فضلا عن حنو بالغ الأثر على نفوس ضيوفها الذين تصنع منهم حواديت وحكايات إنسانية قادرة فعلا على جلب السعادة.
ومن هنا ينطبق عليها يقول “بول جاغو” في كتابه “سحر الشخصية”: كلنا نبث من قريب إشعاعات محض حيوية هى المغناطيس الذي لا يتجاوز ميدان نشاطه مدى مترين أو ثلاثة، كما تفيض أو تتدفق حول كل منا موجات مغناطيسية في دوائر ضيقة تنبعث من أطراف الجسم الدقيقة: (الشعر، الأهداب، الجفون، أطراف الأصابع).
وكل قرار أو نية حازمة بتوجيه هذه الإشعاعات نحو نقطة معينة من جسم شخص آخر تمكن الموجة من التأثير فيه، وهذا سر القوى الخارقة لبعض الأشخاص.
و”إسعاد يونس” من هذا النوع من أصحاب القوى الخارقة في التأثير على الآخرين، فهى عبارة عن “كوكتيل طازج” من الإنسانية وفي الوقت ذاته تملك إشعاعات هى بمثابة المغناطيس – بحسب “جاغو” – الذي يمكنها من توفر العديد من السمات والخصائص الفاعلة والمثيرة للاهتمام، ومن ثم تصبح محفز قوي جدا على جلب الطاقة الإيجابية والحيوية المؤثرة، والجاذبيَّة الكبرى، والحضور الشعبي الذي يؤثر في الآخرين إيجابيا، وعاطفيا، وثقافيا.
كما أنَّ لديها القدرة على الإقناع، والتحاور مع كافة فئات المجتمع بمختلف شرائحه ومكوناته، وجذب انتباههم وإقناعهم والتفاعل معهم بلفغة بسيطة، وهذا التفاعل يساهم حتما في دفع الآخرين للمتابعة لبرنامجها الأسبوعي”صاحبة السعادة” الذي أصبح حصة أسبوعية لمتعة “النوستالجيا” في سياحة روحية تربط الماضي بالحاضر برشاقة عذب الحديث.
لم تكن “إسعاد” صاحب شخصيَّة مؤثرة بين يوم وليلة، ولم يحدث ذلك صدفة، بل احتاج إلى أن تتحلَّى بصفات إيجابية أولا، وأن تكون صاحب مبادئ، وتتحمَّل المسؤولية، وتبتعد عن السلوكيَّات السيئة، وتثق في نفسها، وفي قدراتها، وأن تتدرج في معرفة نفسها، منذ أن تخرجت من معهد “الإرشاد السياحي” في عام 1972 ، وتمت تربيتها بطريقة قيادية، متأثرها بوالدها الذي كان يعمل طيار حربي من الضباط الأحرار، وكان تلميذا للكاتب أحسان عبد القدوس، ومن أهم صفاته أنه كان رجل منظم قيادي غير متسرع، وقد ر بى أبنته على ذلك ، وحببها في الالتزام وفى حب الصحافة، ومنه أحبت القراءة وفن الكتابة.
وجاء حب الفن والصوت الجميل من والدتها، التي لها أصول تركية وإيطالية، وهي المطربة كوكب صادق، وأختها المطربة إيمان يونس رئيس أكاديمية الفنون السابقة ، وراقصة البالية الشهيرة الدكتورة أحلام يونس، وخالتها بديعة صادق ، لذا فهى عبارة عن خلطة فنية شاملة.
عقب تخرجها مباشرة، عملت كمذيعة في فندق “شيراتون القاهرة”، وكانت تقدم الحفلات وعروض الأزياء والبرنامج الليلى لقسم المبيعات، ومن ثم قررت أن تتجه للعمل في الإذاعة، وتقدمت للامتحانات الخاصة بالإذاعة، أمام فطاحل العمل الإذاعي ومنهم طاهر أبو زيد ، لتنجح بالفعل وتلتحق بالعمل كمذيعة في إذاعة “الشرق الأوسط”، بعد دخلت مجال التمثيل ، وعملت الكثير من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، ولأنها أنها ورثت كثيرا من جينات والدها، الأمر الذي شجعها على ممارسة الكتابة، فقامت بتأليف مسلسل “بكيزة وزغلول“، والذي لاقى نجاح عالمي غير مسبوق بالاشتراك مع الفنانة “سهير البابلي“، كما قامت بكتابة السيناريو والحوار لنفس القصة لتكون فيلما سينمائيا باسم “ليلة القبض على بكيزة وزغلول“.
وبعد أن انخرطت في العمل الفني منذ بداية السبعينيات كانت مسؤولة عن الإعداد الموسيقي لبعض المسرحيات، مثل “كلام رجالة وطبق سلاطة لمحمد عوض” ، أما دخولها لمجال التمثيل بشكل حقيقي كان بعد زواجها من الفنان الكوميدي الراحل “نبيل الهجرسي”، والذي كان بوابة دخولها للتمثيل، عندما كانت تحضر بروفات المسرحيات التي يعمل فيها زوجها، ثم جاءتها الفرصة عندما اختارتها الفنانة الراحلة “تحية كاريوكا” ، لتكون أحدى ممثلات فرقتها، وشاركت معها بالفعل في مسرحية “نيام نيام ، وروبابيكيا ، والتعلب فات ، ولكن الأعمال التي رفعت من وجودها في السبعينات كانت من خلال أدوار صغيرة، منها “أفلام جريمة لم تكتمل ، وأنا وابنتي والحب ، وانتهى الحب ، والملكة وأنا، المرايات، دعاء المظلومين، ميعاد مع سوسوط”.
جاءت انطلاقة ” يونس” الحقيقية في التمثيل، عندما اختارها الفنان سمير غانم لتشاركه بطولة مسلسل “حكاية ميزو” في 1977، مع فردوس عبد الحميد، إخراج محمد أباظة، وتأليف لينين الرملي، لكن تبقى من أهم أعمالها التليفزيونية “بكيزة وزغلول، السقوط في بئر سبع، أصل الحكاية كدبة، الدنيا لما تلف، رحلة عالم مجنون”.
خاضت “إسعاد” ثاني تجاربها في الكتابة السينمائية في عام 1985، من خلال فيلم “المجنونة” الذي كتبت القصة والسيناريو والحوار له، وشاركت في بطولته إلى جانب محمود عبد العزيز، ومها أبو عوف، ثم شاركت في العديد من الأفلام السينمائية ، منها :” يارب ولد، غاوي مشاكل، شعبان تحت الصفر، إحنا بتوع الأتوبيس، خائفة من شيء ما، الأفوكاتو، زهايمر، عمارة يعقوبيان ” وغيرها.
ومن أهم المسرحيات التي شاركت فيها “السيدة حرمه، الدخول بالملابس الرسمية، جحا يحكم المدينة، نص انا ونص انتي، باللو باللو”وغيرها، وبخلاف الكتابة والتمثيل، فإن لإسعاد يونس أيضا لها عدة تجارب في مجال الغناء، ومن الأغاني التي سجّلتها بصوتها: “أبو زعيزع، على قد الليل، البيانولا” وبعد كل تلك المسيرة الفنية المتميزة أسست “الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي”، التي تتولي اكتشاف المواهب الفنية الحقيقية، وإنتاج الأفلام ذات الرؤية الفنية المختلفة.
وهى دائما من خلال تلك الشركة تبحث عن أفكار جديدة وتقنيات جديدة لتنفيذها، وانطلاقا من حبها للشعب المصري فقد أصبح عشقها الأساسي يكمن في الاهتمام بالأفلام المتواجدة بالبيوت، ولا يعلم أحد عنها شيئا، ومن هنا فقد حرصت على عرض تلك الأفلام على الفضائيات منذ بداية تأسيس شركتها وحتى الآن، ولم يقتصر دورها على هذا فحسب، بل كان لها دور حيوي لمهاجمة القراصنة وسرقة الأفلام وعرضها على الإنترنت، واستطاعت بجهدها الشخصي وبمساعدة بعض الأصدقاء وقف عمليات القرصنة الخاصة بأفلام كثيرة ، تمت سرقتها ورفعها على الإنترنت بالمجان لصالح أعضاء تلك المواقع.
كما أنها استطاعت أن تقنع أصحاب الإعلانات داخل تلك المواقع لسحبها من إدارة الموقع ، حتى لا تكون نوعا من أنواع الدعم المادي للمواقع المقرصنة على الأفلام، والتي تسرق الأفلام من دون النظر لحجم الخسائر التي تقع على عاتق المنتجين، وبالتالي على صناعة السينما في مصر، لهذا فإن الفنانة “إسعاد يونس” تعد واحدة من أهم فنانات مصر الأكثر حبا للفن وللشعب المصري بكافة طوائفه، حيث أنها قدمت الكثير من الأعمال السينمائية التى عرفت بها وأحبها منها الجمهور، وهو ما جعلها تحظى بجماهيرية طاغية فى مصر والعالم العربى، خاصة بعد إطلاق برنامجها “صاحبة السعادة” قبل 6 سنوات وتحديدا في عام 2014.
ولقد حاز هذا البرنامج على جوائز عديدة كأفضل برنامج، وجراء انتشار “صاحبة السعادة” وارتباطه بالناس من حيث نوعية الموضوعات التي تخاطب كل الطبقات الاجتماعية، تلقت “إسعاد يونس” تكريما من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يوم المرأة العالمي، نظير برنامجها التليفزيوني هذا الناجح جدا، والذي منح البريق من جديد للعديد من المنتجات الغذائية المحلية، التي أعادتها من جديد وبقوة للأسواق، فضلا عن “النوستالجيا” الفنية الجميلة التي استعرضت من خلالها أعمالا خالدة في تاريخينا الحديث والمعاصر ماتزال عالقة بالذاكرة المصرية التواقة للفن الأصيل، واستضافت نجوما كانت بارزة في حقب زمنية مختلفة، لتعيد تذكير الأجيال الشابة بهؤلاء الذين ربما أفل نجمهم قليلا اليوم جراء تغيرات المناخ الفني على أثر العواصف والبراكين والزلازل التي شوهت هويتنا الفنية، لكن يظل فنهم علامة بارزة في سجل الثقافة والفن المصري.
امتازت “إسعاد يونس” طوال رحلتها الفنية بالشخصية المؤثِّرة التي تعمل حسابا لتصرفاتها، فكانت تحرص دائما على أن تكون تصرفاتها رصينة ومحسوبةً في إطار الأدب والاحترام والتقدير، كما تحرص على أن تنتقي كلماتها وعباراتها فلا تخرج عن نطاق الأدب، وتحافظ على نبرة صوتها الهادئة الواثقة الجامعة بين الحزم واللين، وكلماتها التي تصل إلى قلوب الأشخاص، وتلامس همومهم وأوجاعهم، وتقرأ أفكارهم دون أن تلجئهم للتحدث، ومعروف أن أصاحب هذه الشخصيات المؤثرة لا تعرف طريقا للتعالي والكبر والغرور، فهذه الصفات هى عوامل رئيسة تساهم في النفور من أي شخص في المجتمع وعزله.
وإلى جانب كل تلك الصفات التي تتمتع بها فقد اتصفت أيضا بالكاتبة الواعية التي تستطيع أن تدخل بقلم جرئ وقلب مفتوح إلى معترك القضايا الحيوية في حياة الشعب المصري، لذا فقد ظلت لفترة تكتب مقالا أسبوعيًا بجريدة “المصري اليوم”، لكنها توقفت وبررت ذلك بقولها: “يوم أن أدى عبدالفتاح السيسي قسم الرئاسة، أقسمت بأنني لن أتحدث في السياسة مرة أخرى، ورأيت أن الأفضل أن نترك هذا الرجل يعمل ويحاول النجاح ويسكت بعضنا، نعم هناك عيوب لكنني أتحدى أي مخلوق كان يدير البلد في هذا الوقت دون أن تكون له عيوب، وحق السيسي علينا أن نمنحه الوقت والفرصة للعمل والبناء، ولهذا توقفت عن الكتابة لكن من الممكن أن أعود مثلاً للكتابة الدرامية.
ومن أجل كل ما سبق فإن “إسعاد يونس” استحقت لقب “صاحبة السعادة” كما يطلق عليها جمهورها وكل من شاهد موهبتها، وتابع عن كثب رحلتها الفنية، تلك التي لا تخلو من الابداعات في كافة المجالات، وحري بنا في هذا الصدد أن نذكر منها مؤخرا برنامج “صاحبة السعادة” الذي أعاد اكتشافها من جديد، لتصبح من أهم مقدمات البرامج التليفزيونية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعد مسيرة فنية حافلة بالمسلسلات والأفلام والمسرحيات.. ومن خلال هذا “البروفيل” يقدم فريق عمل “شهريار النجوم” باقة ورد لها مقرونة بتحية تقدير وفخر وإعزاز على ما قدمته من سعادة حقيقية للجمهور المصري على اختلاف الفنون التي قدمتها عبر مسيرة ثرية قوامها الجهد والإخلاص على كافة المستويات لتصبح النموذج والقدوة والمثل.