“شادية وعزيز فتحي”.. زواج على ورقة طلاق
كتب : أحمد السماحي
“داوي الهوي بالهوى”، هذه المقولة تنطبق تماما على قصة حب وزواج نجمتنا العظيمة ” شادية” مع المهندس الإذاعي “عزيز فتحي”، فبعد الجرح الذي سببه لها المطرب “فريد الأطرش” دون أن يدري ورفضه أن يرتبط بها قبل سفره للخارج لارتباطه ببعض الأعمال الفنية هناك، في هذه الفترة تعرفت على “شريفة فتحي” التى كانت تكتب في هذه الفترة تكتب أغنيات، ولها قصائد نابضة بالإحساس الرقيق، ورسامة تبدع ريشتها في ملامسة الورق، والتى ترتبط معها ” شادية” بصداقة قديمة وحميمة، فهي تنتمي لعائلة مثل عائلتها تركية الأصل، والأسرة لا يحترف أي من أفرادها الفن، ولكنهم يعيشون جميعا تحت ظلاله، فرب البيت أستاذ ضليع في القانون، وعالم نفس له تجاربه العديدة ودراساته القيمة، هو المستشار ” محمد فتحي” وهو أيضا حجة فى العلوم الموسيقية، وبارع فى العزف على أكتر من آلة.
والأخت الثانية ” حنيفة” روائية لها قصة اسمها “أحب هذا الرجل” والتي لاقت نجاحا كبيرا في هذا الوقت، والفنون في العائلة ليست بالممارسة أو الهواية وحدهما، وإنما هى بصلات القربى أيضا، فالأم هي شقيقة الفنانتين المعروفتين ” ميمي وزوزو شكيب” نجمتا الإغراء في الأربعينات، شخص واحد فقط في هذه العائلة لم يكن فنانا بل كان مهندسا اذاعيا اسمه الكامل “محمد عزيز محمد فتحي”.
الهروب من الوحدة
زيارات “شادية” للعائلة بدأت كنوع من الهروب كمحاولة لتخطي أسوار الوحدة، والقلق، والقلب الذي يدق فتضيع دقاته قبل أن تصل إلى أذن الحبيب، ثم تقاربت المسافات تماما كما تتقارب بين لاعبي الشطرنج قبل نهاية المباراة، وأصبحت العاشقة الوحيدة ضيفة شبه دائمة في بيت الأسرة الصديقة، ولاحظها هو كان من قبل يراها بعين فأصبح النظر إليها بعين محتلفة، بدأ يتفحصها جيدا، كأنه تاجر مجوهرات أمام ماسة نادرة، يحاول جهده أن يقدر قيمتها الحقيقية، ويقترب من ثمنها الأصلي، ولاحظ في عينيها أسى دفين فشل الكحل على الأهداب والبسمة على الشفاه في ستره، ومشاعر الإنسان الحقيقية مثل البصمات من الصعب تزييفها، ومن المستحيل طمسها.
وفاجأها “عزيز” ذات يوم بقوله : هل أنت سعيدة؟
وردت “شادية”: ولم تسألني؟!
وابتسم وقال: لأني راهنت نفسي على إنك لست كذلك!
وسكتت وقالت بآسى: اذن ربحت الرهان.
وسامة الفارس الجديد
الأرض المفروشة بالأحزان، مثل التربة المغطاة بالسماد، استعدادها لتلقي البذور أكبر، ومقدرتها على إنباتها أقوى وأسرع، وبأنامل مدربة راح “عزيز” ينبش في الأرض ليغرس في الحفرة الصغيرة نبت الحب، و”عزيز” كان رياضيا كتفاه عريضتان، وقامته سامقة، وهو أيضا حلو اللسان لو أنه اختار المحاماة ميدانا للمع وتألق، وهو واسع الخيال جدا، الأكاذيب الصغيرة المنقذة على طرف لسانه دائما، كل هذه الصفات إذا ما سبقتها الوسامة كانت معينا كبيرا على الفوز في حلبة الحب.
استسلام بدون مقاومة
فهم المهندس الشاب من تصرفات “شادية” وأحس بذكائه من تأملها أن صديقة الأسرة في وضع غريب لا تستسلم، ولكنها أيضا لاتقاوم، وهذه مرحلة دقيقة بالنسبة للأنثى، فالرمادي ليس أبيضا وكذلك ليس أسودا، أنه مزيج من اللونين، والماء الفاتر ليس باردا ولا هو بساخن، إنه خليط من الاثنين.
عاطفة “شادية” بدت في عينيه رمادية وأحاسيسها لاحت لخبرته فاترة، إذن ليضرب ضربته، في فرنسا عبارة مشهورة يدعو بها الرجل المرأة إلى زيارة بيته يقول لها في الغالب: أنت لم تشاهدي مجموعة رسومي اليابانية فإذا ردت: بودي لو أني رأيتها، كانت هذه خطواتها الأولى إلى الاستسلام.
أما “عزيز” فقد أدخل تعديلا على الألفاظ وعلى الهدف معا، وسأل “شادية”:
هل تحبين الزهور؟
وأجابت: ومن تراه تكرهها؟
وأضاف بسرعة: إذن تعالي شاهدي ما زرعته منها بنفسي في الحديقة الخضراء المحيطة بالفيلا الجميلة بمنطقة الأورمان، وقفا أمام ركن ظليل، الورود الصغيرة تحولت إلى عيون فضولية ترقب ما يدور حولها، وأعواد الغاب التى انحنت تحمي الزهور من وقدة الشمس، انحنت أكثر لتظلل اللذين وقفا تحتها..
وقالت له دلوعة الشاشة وعيناها عليه: جميلة
وببساطة قال : مجموعتي ناقصة.
فقالت له: ناقصة أيه؟!
عزيز : تنقصها أجمل وردة.
وأحمرت وجنتاها قبل أن تسأل من أي فصيلة هي ؟
قال مصيبا الهدف بضربة مسددة بإحكام: من النوع الذي يستنشق الإنسان شذاها بقلبه وليس بأنفه.
وسكتت وسكت، ثم تقدم منها خطوة، فسند ذراعها بكفه وقال: أنت يا “شادية” أحلى وردة في الوجود.
حديقة الورود
كان “عزيز” صيادا ماهرا، والصياد الماهر يعرف نقطة الضعف في كل فريسة، وهو يكتشف الصيد الثمين بداريته، قبل أن يلمحه بعينه، ومن هنا آثر أن يضرب الحديد وهو ساخن، كما يقول المثل الفرنسي، قال لها ببساطة: هل تتزوجيني؟! ليست هناك كلمة تعشقها أذن المرأة ككلمة “الزواج”، فالمرأة تحب الذي يعرض عليها الزواج، حتى لو كانت أصلا تكرهه، وتحقد على الذي يتردد في النطق بها حتى لو كان قلبها ملك له.
الحمرة صبغت وجنتاها من جديد، كأن الورود كلها من حولها قد اعتصرت لونها وقدمته لها طلاء، والصمت شد إحدى شفتيها إلى الأخرى، اللحظات الهامة دائما صامتة.
بعد جهد وبعد فترة قالت : بس!
بسرعة رفع اصبعه إلى شفتيها، كأنه يحذرها من النطق السريع، أو من التفوه بما لا يريد سماعه، الكلمة الأولى على شفتيها كانت “بس”، إنها بداية اعتراض، أو منطق شرط أنه لا يريد للموافقة شروطا، وغادرا أرض الورد ساكتين.
وبعد أيام أتصل بها تليفونيا، وحصل منها على موافقة أولية، وعزمها على الغذاء مع أسرته، وعلى الغذاء قال فجأة: عندي خبر سار لكم، لقد طلبت اليوم يد “شادية” ويتوقف قليلا عن إتمام جملته ثم يقول وقد وافقت!، الخبر كان سعيدا لكنه ليس مفاجئا فالعائلة كلها كانت تنتظره.
الزواج
في اليوم الأول من أكتوبر عام 1957 تم زواج “شادية” من “عزيز فتحي”، وكان طبيعيا أن تترك شادية شقتها في عمارة “فريد الأطرش” قبل عودة “فريد” فالبيوت تتحول في حالات كثيرة إلى سجون، قضبانها ذكريات، وحارسها قلب لم تخنق فيه كل الدقات، وكان أن بدأ البحث بعجالة عن بيت، قبلت شادية أول شقة اقترحها “عزيز”، فالذي يحاول النجاة من مركب غارق لا يتساءل قبل القفز عما إذا كان الماء مالحا أم حلوا، وقفت السيارة الصغيرة أمام عمارة ضخمة في شارع النيل بالجيزة وقال “عزيز”: هنا توجد شقة فخمة، وأعجبت العروس بالشقة فعلا، فقد كانت تطل على حديقة الحيوانات من واجهتها الشرقية، وتشرف على النيل بشرفتها الغربية، وكانت من باب المصادفة تطل على شقة “فريد الأطرش” نفسه من بعيد، ووقعت شادية العقد فى نفس اليوم، واستدعت سيارتين كبيرتين ليتم نقل الأثاث كله في نفس النهار، وبدأت العروس تستقبل المهنئين .
الشهد الصافي
الأيام الأولى من حياة “شادية وعزيز” كانت شهدا رائقا، لزم الاثنان البيت لا يغادرانه إلا لعمل، ثم يعودان إليه ليغلقا الباب على هنائهما، ورفضت “شادية” أكثر من فيلم لتظل إلى جوار زوجها واعتذر “عزيز” عن السفر فى بعثة قصيرة، وقد بلغ من اتقان الزوجين لدوري السعيدين أن عرض أحد المنتجين على المطربة التى أصبحت عروسا أن تمثل فيلما أمام “عزيز” ورفضت هي، وبدا على “عزيز” أن التمثيل كان ضمن أحلامه ولكنه اكتفى بتأكيد قرار زوجته.
غيم في السحب
انتهى شهر العسل، وبعد مرور أيام من انتهائه فوجئت “شادية” وهى تفتح نافذة حجرة نومها في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام برؤية فتاة شقراء نحيلة القوام تطيل النظر إلى نافذتها التى كانت مغلقة، وأسرعت تنادي “عزيز” وما أن أطل حتى اختفت الشقراء النحيلة وكان طبيعيا أن تسأله: هل تعرفها؟ وتلعثم واصفر وجهه وسارع بغلق النافذة قبل أن يقول أنها “ماجدة” زوجتي السابقة!
“شادية” كانت تعلم أن “عزيز” كان متزوجا ولكنها لم تكن تعرف لغريمتها شكلا فلما رأتها في الصباح تراقب مع الفجر نافذتها ثارت ولم تهدأ ثورتها، خاصة أن الزوجة الأولى فعلت هذا الأمر أكثر من مرة.!
الحذاء اللامع والمسامير
بدأت “شادية” مع الأيام تلاحظ أن عريسها الجديد يكذب في أشياء بسيطة لكنها هامة، وصحت “دلوعة الشاشة” على حقيقة أن “عزيز” قد يكون الرجل المناسب لغيرها ولكنه لا يصلح لها، اكتشفت بعد أيام من الزواج أن العلاقة الجديدة قد كتبت شهادة وفاتها مع شهادة ميلادها، ولكنها كانت تكابر أحيانا، حتى لا يتهمها أحد بالفشل في علاقاتها الزوجية، وكانت الصحف عندما تسألها عن حياتها الجديدة فتقول: الحمد الله مبسوطة أووي، وسعيدة.
لكن الحقيقة أن حذاء العروسة الجديدة كان براقا من الخارج، لكنه مليئا بالمسامير من الداخل، ومن هنا كانت تتألم مع كل خطوة، والمسمار الأول كان “الغيرة” كان “عزيز” يغار عليها بجنون، وهذا ما كان يبرر به ملازمته لها في كل لحظة، وفي كل مكان، وقد حصل على إجازة من عمله أمضاها إلى جوار زوجته في البلاتوه حتى ضاق به المرحوم “حسن رمزي” وكان يخرج فيلم ” الهاربة”، فقال له : أنت خايف يا “عزيز” إن “شادية” تهرب منك زي ما هربت من البطل؟
والمسمار الآخر كان عدم التوافق بين دخل الزوج المحدود بكادر حكومي ودرجة أقدمية، وبين مكاسب “شادية” من الحفلات والأفلام والاسطوانات، وكانت هذه نقطة جوهرية في الخلاف بين الاثنين، رغم أنها لم تكن تشكو من هذه النقطة إطلاقا، بل كانت تضع النقود في خزانة ملابسها فيأتي “عزيز” بعدها ليضع مرتبه القليل على المبلغ ثم يتبادلان الإنفاق من الرصيد المشترك.
والمسمار الآخر وليس الأخير كان علاقة عزيز بمطلقته “ماجدة شديد”، وكان الزوج الوسيم حريصا على أن يلوح بكارت “ماجدة ” في كل لعبة يخسرها مع “شادية”، ولم يكتف بالغيرة أو الكذب بل بدأ “عزيز” يمد يده على “شادية”، وفي حديث صحفي له مع الكاتب الصحفي “مجدي فهمي” قال له : نعم ضربتها فتأديب الزوجة حق شرعي للرجل وأنا ستعمل حقي الشرعي!
دمشق سبب الطلاق
وبمناسبة احتفالات الوحدة بين مصر وسوريا عرض على “شادية” السفر لإحياء حفل هناك مع حفلات “أضواء المدينة” يومها أصر “عزيز” على أن يصحبها في هذه الرحلة، فلما رفضت الإذاعة أن تجدد إجازته، وكان قد استنفد أيامها، طلب منها أن تبقى في القاهرة وقالت بإصرار: مش ممكن يا عزيز، دي احتفالات مصر، والحفل مهم، وأراد أن يجبرها على البقاء استعمل في البداية الكياسة والسياسة ثم العنف والضرب، ولكن الأساليب كلها لم تثنها عن عزمها .
شادية وبيت الطاعة
وغادرت منزلها إلى بيت أبيها وترك هو البيت إلى فيلا العائلة، وبدأت مفاوضات الفراق طلبت “شادية” مفاتيح البيت والسيارة وأصر “عزيز” على عدم التسليم، وبعد أيام طلبها في بيت الطاعة، وردت عليه “شادية” بطلب نفقة شهرية ودعوى طلاق، وتعقدت الأمور بين الزوجين، فرأت بعض الأطراف التدخل، وبالفعل نجح المخرج والمنتج السينمائي الشهير “حلمي رفله وأنور عمار” صاحب ملهي “صحارى سيتي” فى الوصول إلى صيغة صلح ترضي كل الأطراف، وتم الطلاق بعد أن أبرته شادية من الحق والمستحق، وغادر “عزيز” شقة الزوجية” المطلة على حديقة الحيوانات إلى غير رجعة!.
الوحدة والأحزان
عادت شادية إلى البيت لتعيش من جديد مع الوحدة والأحزان، وبعد انتهاء مراسم الطلاق، سافرت لسوريا، ووقفت في شهر أكتوبر عام 1958 لتغنى لآلاف من السوريين والعرب، كان في صوتها رنة حزن، وفي حنجرتها رنة فرح، وتجادلتا النبرتان وامتزجتا وتعانقتا لتعطيا معا أعذب النغمات، تماما كما تمتزج قطرات الليمون الحامض مع حبات السكر الناعمة لتعطي أحلى شراب.
كانت الليلة للمصادفة عيد زواجها الأول!، وتلك لعبة القدر، ليلة خلاصها من أسر ذلك الزوج، وعندما انتهت من الغناء كانت في عينيها دموع عبارة عن كوكتيل من دموع الندم والسعادة، وهو أخطر كوكتيل تعرفه مقلتي المرأة.