إسماعيل شبانة.. مطرب وهب حياته لـ “عبدالحليم”
قدم “حليم” للساحة وتنازل له عن “الأصيل الذهبي”
هو و”سعاد محمد” أفضل من أعادا غناء تراث الشيخ سيد درويش
غني للعراق أكثر من أغنية أبرزها “الناصرية”
تعاون مع ” العندليب” في غناء أكثر من صورة غنائية للإذاعة المصرية
كتب : أحمد السماحي
من مظاليم الغناء الذين سنتوقف أمامهم اليوم بقدر من الإعجاب والحزن في آن، المطرب الكبير “إسماعيل شبانه” – 6 ديسمبر 1919، 28 فبراير 1985 – الذي يبعث صوته الراحة فى النفوس، و”الإعجاب” هنا لأن الرجل كان يمتلك واحدا من أهم الأصوات الغنائية التى ظهرت في مصر في القرن العشرين، صوت واسع المساحة عذب النغمات، يجيد غناء كل الألوان الغنائية بتمكن ومهارة وعذوبة، أما “الحزن” فلأن طبيعته الشخصية المحترمة الراقية التى تميل إلى الأنزواء والجلوس في البيت جعلته مبتعدا عن أجواء السهر والمجاملات التى تسيطر على الوسط الغنائي.
الميلاد
ولد مطربنا صاحب “أكتر تلاتة بحبهم” في قرية “الحلوات” بمحافظة الشرقية، يوم 6 ديسمبر 1919، وورث حلاوة الصوت من والده الشيخ “علي شبانه” مؤذن جامع القرية، والذي ينشد التواشيح لأهل قريته في شهر رمضان، تربى على صوت الموسيقار” محمد عبدالوهاب”، ووضحت موهبته الغنائية مبكرا، فترك القرية وهو في السابعة عشر من عمره، ونزل للقاهرة للعمل بوزارة الصحة ولدراسة الموسيقى والغناء، فالتحق بمعهد الموسيقى العربية للدراسة، وبالفعل تعلم الموسيقى عام 1936، ودرس العزف على أصوله من مجموعة من الأساتذة الكبار، فتعلم العزف على العود على يد “عباس مكاوي، عبدالمنعم عرفه، حسن غريب، الشيخ أمين المهدي”، وحفظ الموشحات على يد الشيخ “درويش الحريري”، والأدوار على يد الشيخ “علي محمود”، كما درس علم “الهارموني” على يد الموسيقار “محمود عبدالرحمن، والقواعد الغربية على يد “محمد شرف الدين سليمان”، والقواعد الشرقية “الصولفيج” على يد الموسيقار “صفر علي”، وبعد فترة وبالتحديد في عام 1942 استقال من الوظيفة، وبعدها وفي عام 1943 حصل على دبلوم المعهد قسم “الأصوات” بدرجة امتياز مما أهله للتعين معيدا بالمعهد.
معهد الموسيقى المسرحية
في عام 1945 تقريبا افتتح المعهد العالي للموسيقى المسرحية ليستكمل دراسته الموسيقية به، ودرس تربية الصوت على يد الموسيقار الإيطالي الذى كان أستاذا في المعهد اسمه “بيفادي”، ودرس “الهارموني” على يد الأستاذ “يحيي الليثي”، والقواعد الشرقية على يد “محمد صلاح الدين”، والتمثيل على يد “فتوح نشاطي”، وأثناء ذلك عمل مدرسا للموسيقى في عدة مدارس.
الإذاعة
عام 1946 طرق أبواب الإذاعة المصرية واستطاع بسحر صوته وتمرسه فى الغناء، وقدرته على غناء الأدوار والموشحات انتزاع إعجاب الأساتذة “مصطفى بك رضا، صفر بك علي، إبرهيم شفيق”، وتم اعتماده فى الإذاعة، وكانت بداية تعاونه مع اثنين من الملحنيين الأول “أحمد صبره” الذى اقتنع بموهبته فاهتم به ورعاه فنيا ولحن له عدة أغنيات، وزوجه إبنته، وأعطاه معظم أغنيات البدايات أشهرها “ايه اللي حايشني، أفرح واتهنى” كلمات إبراهيم كامل رفعت، “القمر ما أحلى جماله” كلمات “منير الفنجري” مع سعاد مكاوي، “مالك ومال بكره، ليه بيحسدوني، ندر على”، كلمات “إبراهيم رجب، “الشمعة” كلمات “محمد المهدي”، و”أنا الفلاح” كلمات علي بحيري.
والملحن الثاني الذي تعاون معه “خليل المصري”، الذي لحن له “القرنفل”،كلمات أحمد السمرة، “حكاية ” كلمات “محمد علي أحمد”، وغيرها من الأغنيات التى كانت تذاع بصفة منتظمة في فترات الصباح نظرا لجمال معانيها وعذوبة ألحانها.
ملحنيين آخرين
لم يقتصر تعاون “إسماعيل شبانه” على “صبره والمصري” فقط، وإن كان “صبره” هو الأكثر تعاونا معه، بالإضافة للملحن “محمد هاشم”، كما تعاون مع كثير من الملحنين الآخرين، مثل محمد إسماعيل فى “أفكر فيه وينسانى”، ومحمد صادق “أحب الحياة”، ومحمد عمر “يا حلو طمنى”، وحلمى بكر “افتح لها يا قلبى بابك”، أحمد صدقى “العيون الخضر”، وزكريا أحمد “دارى العيون”، وبليغ حمدي “أشكى لكم منه ليه”، “في بيتنا القديم” تأليف الشاعر عبدالسلام أمين، ألحان “مدحت عاصم”.
أهدى الأصيل الذهبي والدنيا لحليم
كثيرون لا يعلمون أن “إسماعيل شبانه” وهب الحياة لشقيقه العندليب الأسمر “عبدالحليم حافظ”، فقد كان بمثابة الأب والأخ له، فكان يعطف عليه كثيرا، وأعطاه قبلة الحياة عندما أحضره للقاهرة لدراسة الموسيقى، وقدم له بنفسه في المعهد، وأسكنه معه في الحجرة التى كان يقطن فيها في شارع “سلامه حجازي”، ومن المعلومات التى لا يعرفها أحد أن “إسماعيل شبانه” تنازل عن أغنيتين قام بغنائهما لشقيقه “حليم”، الأولى “ما أحلاها الدنيا ” كلمات عبدالفتاح عبدالمقصود، ألحان الموسيقار المتجدد “عبدالحميد توفيق زكي”، والتى قام بغنائها يوم 27 أبريل 1947، وعندما احترف “حليم” الغناء كانت من أوائل الأغنيات التى قام بغنائها، وموجود نسخة منها على “الأنترنت” بصوت “العندليب”، والأغنية الثانية “الأصيل الذهبي” كلمات الشاعر عبدالرحمن الخميسي، وألحان مكتشف “حليم” الموسيقار “عبدالحميد توفيق زكي”.
أول من غنى للعراق
يعتبر “إسماعيل شبانه” من أوائل المطربين الذين غنوا للعراق عندما سافر إليها في بداية الستينات، فغنى من كلمات وألحان الفنان العراقي “سالم حسين” أغنية “الناصرية” التى يتحدث فيها “حسين” عن الناصرية بأنها مدينة عراقية صاحبة أول حرف كتب في التاريخ، وأول مدينة في التاريخ وأول بناء عالي وهي “الزقورة ” التي تحولت فكرتها واقتبسها الفراعنة إلى “الاهرام”، و”الناصرية” معروفة بمطربيها وفنانيها ومنها ينحدر ملحن وشاعر الأغنية “سالم حسين”، وهي أيضا مدينة الجمال والفكر، يقول مطلع الأغنية :
“ويلاه بويه هنا يمنه يمنه
ودوني ودوني لحبيب القلب ودوني
دلوني عليه دلوني وين
صار بالناصرية يا يمه بالناصرية
قالوا حبيب الروح بالناصرية
حلوة وزاهية يا يمه حلوة وزاهية
والشطرة والغراف حلوة وزاهية “
كما قدم “شبانه” أغنية عراقية ثانية بعنوان “نازل يا قطار الشوق”.
الاحتفاء بالطبيعة
من خلال عمله في الأركان الإذاعية المختلفة التى كانت موجودة في الأربعينات والخمسينات، والتى كانت تهتم بالطبيعة وفصول السنة، غنى العديد من الأغنيات التى تحتفي بالطبيعة والجمال فأنشد “القرنفل” كلمات الشاعر الفنان أحمد خميس، ألحان “أحمد عبدالقادر”، ” جمال الصبحية” كلمات “علي بحيري”، تلحين “كامل أحمد علي”، قدمها كديو غنائي مع “فيفي ماهر”، التى قدم معها أيضا “ديو” آخر بعنوان “الربيع” كلمات “إبراهيم كامل رفعت” تلحين” أحمد صبره”، و”يا صباح نادي” كلمات “علي سليمان”، ألحان “جورج ميشيل”، وقدمها أيضا ” كديو” مع المطربة “عصمت عبدالعليم”، و”يا وردة غالية” كلمات “حسن عبدالوهاب”، تلحين “محمد هاشم”، و”الربيع” كلمات “عبدالوهاب محمد” ، تلحين “محمد هاشم”أيضا، ” يا جنايني” كلمات “بيومي الكرديسي” ألحان “أحمد صبره” قدمها كديو مع فيفي ماهر.
إحياء تراث سيد درويش
من المميزات التى فعلها المطرب “إسماعيل شبانه” فى مشواره، إحيائه لتراث خالد الذكر الشيخ “سيد درويش” فأعاد وأمتعنا بصوته القوي العذب المتمرس بعض أدوار وأغنيات الشيخ سيد مثل “أهو ده اللي صار، أنا هويت، الله يصون دولة حسنك، عطشان يا صبايا، قوم يا مصري، يا عشاق النبي، خفيف الروح، يا عزيز عيني، أنا عشقت، سالمة يا سلامة، أنا المصري كريم العنصرين، والله تستاهل يا قلبي، بلادي بلادي لك حبي وفؤادي” وغيرها.
الصور الغنائية
قدم إسماعيل شبانة الكثير من الصور الغنائية بالإذاعة، ولعل أبرزها التى اشترك فيها مع شقيقه عبدالحليم حافظ في بدايته وهى “قف من أنت، سهرة فى الإشلاق، موكب النيل”، ومع المطربة أحلام “حلم عذراء، بنت شيخ البلد” مع عبدالعزيز محمود، و”صندوق الدنيا” مع عصمت عبدالعليم،و “نصائح رمضان” مع صالح عبدالحميد، و”شهريار” مع سعاد محمد، و”سوق المغاربة” مع شكوكو وحورية حسن.
السينما وسيد درويش
كان من الطبيعي أن تقبل عليه السينما خاصة في الخمسينات ذروة تقديم الفيلم الغنائي، ونظرا لخجله الشديد لم يسع إليها، ولكنها هى التى استعانت بصوته واستعارته لبعض نجومها، كما حدث في فيلم “الأرض الطيبة” الذى غنى فيه ولكن بصورة النجم كمال الشناوي أغنيته الجميلة التى تحتفي بالريف “الدنيا قسم ونصيب” المعبرة عن تراث الريف المصرى.
كما ظهر صوته أيضا في فيلم “ظلموني الناس” إخراج حسن الإمام، عندما غنى “نعمة أختي جرالك ايه” التي غنتها “شادية مع شكوكو وفاتن حمامة وكمال الشناوي” الذي أدى الأغنية تمثيلا، ثم ظهر”إسماعيل” صوتا وصورة فى أغنية “الحسين بن علي” تأليف “صالح جودت” ألحان أستاذه “أحمد صبره” في فيلم “أموال اليتامي” مع “شكري سرحان، وفاتن حمامه” عام 1952، وغني في فيلم “قيس وليلى” أكثر من أغنية، منها “يا راكب البيد، امشي على الأرض”
ويعتبر فيلمه “سيد درويش” الذي قدم عام 1966، وقام ببطولته ” كرم مطاوع، ” زيزي مصطفى ” إخراج “أحمد بدرخان”، هو الأشهر في تاريخه السينمائي حيث أعاد بصوته الجميل العذب روائع الشيخ سيد درويش، ومازال الجمهور حتى الآن يستعيد هذه الأغنيات.
الأغنية الدينية والوطنية
برع الراحل في غناء الأغنية الدينية وقدم العديد من هذا اللون المحبب إلى قلبه، من أهم الأغنيات التى غناها “التوبة في رمضان، استغفر الله العظيم، طال النداء يا رسول الله، يا غفور يا رحيم، يارب ساعدنا، يارب الكون، القلوب المؤمنة عايشة في سعادة، غني يا فوانيس، خشوعي لك، مناداة، الحمد الله، مبروك لأهل التوبة، باسمك اللهم، رجعنا للقرآن” وغيرها.
وفي الغناء الوطني غنى “صوت الشهيد، الشعب اليمني ثار، مرحي بالحق المنتصر، نسور الجو، حكاية من بلدنا”
أكتر تلاتة بحبهم وربات البيوت
من أشهر أغنيات “إسماعيل شبانه” أغنية “أكتر تلاتة بحبهم”، التى كتبها الشاعر الغنائي “صالح فايز”، ولحنها سابق عصره “منير مراد” والتى استعانت بها الإذاعة المصرية في البرنامج الاجتماعي الشهير “إلي ربات البيوت” والتى يقول مطلعها :
“أكتر تلاتة بحبهم، ابني وبنتي وأمهم
سكنين في قلبي وتملي جنبي
وبقول ياربي خليني أعيش من أجلهم”
وما تزال أغنيته الجميلة “لوغبت عني” التى كتبها ” زين العابدين عبدالله” ولحنها “عبدالعظيم محمد” تتردد حتى اليوم والتى يقول في بدايتها :
” لو غبت عني ولو شوية
ابقى افتكرني وإسأل علي
ابقى افتكرني وإسأل”
كما غنى أيضا ” يا غايب عني” كلمات زين العابدين عبدالله، ألحان أحمد صبره، والتى يقول مطلعها :
” ياغايب عنى ليالى
طمني هشوفك امتى
ده انا كل منايا يا غالي
أسعد بالحب أنا وأنت”
ونجحت له أغنية “قلبي حبك وانشغل بك” كلمات “فتحى قوره” لحن “عبدالعظبم عبدالحق”.
الرحيل
لبى “إسماعيل شبانه” نداء ربه يوم الخميس 28 فبراير عام 1985.