كتب : محمد حبوشة
حالة خاصة جدا من الرومانسية الدافئة في عز برد يناير الماضي لمدة لاتزيد عن ثلاثة دقائق فقط، استطاع من خلالها كل من النجمين “أحمد صلاح حسني ونسرين طافش” بأداء عذب أن يرسما لوحة جمالية جديدة لكيف يمكن أن يكون شكل الحب في زمننا الحالي، فوسط غيوم اللحظات القاسية جراء الحروب والإرهاب والاقتصاد الذي يعصف بكل شيئ جميل في حياتنا، قدم لنا النجمين مشهدا غاية في الروعة والإبداع التمثيلي، حيث برع كلايهما على مستوى الصوت وحركة الرأس وإيماءات الشفاه أن يجسدا حالة من الحب عازفين على أوتار رومانسية آسرة.
وقد نجح المخرج “أحمد سمير فرج” بإحساسه الراقي في اختيار “لوكيشن” التصوير الذي ناسب أجواء المشهد بطريقة غاية في الروعة، وقد عكس تفاعلا حيا بين الموتيفات الفرعونية ونبض المشاعر الرومانسية الحالمة في تواز دقيق، وقد ساهم في براعة اللوحة توظيف قوي ورائع من جانب “مصطفى الحلواني” للموسيقى التصويرية الموحية، لترتفع وتنخفض بشاعرية بحيث تناسب بسهولة وير جنبا إلى جنب مع نبض قلبين عاشقين جمعتهما الطبيعة الأسوانية برقة جريان ماء نيلها وتضاريسها الروحانية التي تسر البال والخاطر.
يبدأ المشهد من لقطة بكاميرا الموبايل لـ “مريم” وهى تهم بتصوير “عمر” على غفلة في أثناء توجيهه تعليمات للعاملين معه في “الأوتيل” الذي يملكه، وهو من بعيد يرقب حركتها بطرف عينه، والموسيقى هنا تبدو ناعمة وحساسة للغاية في خلفية المشهد، بل إنها ترفع من وتيرة الحب على محمل رقيق بحيث توحي للمشاهد ببداية تدفق المشاعر الرومانسية بين قلبين شاء لها القدر أن يلتقيا على صخرة واقع مؤلم يشوبه الثأر والسلاح وتجارة الآثار بحسب السيناريو الجيد الذي كتبه “محمد عبد المعطي”.
يقترب عمر متهللا وعلى جهه بشائر من مشاعر عاطفية مخلوطة بسعادة، وفي خجل يسألها: “بتعملي إيه..أنا ما بحبش أتصور”، يمد يده مستوضحا : “إللى أنا فاهمه أنك بتعملي للمكان “ماركتينج”، بتعملي لي أنا “ماركتينج” ليه”، في تلك اللحظة ترفع “مريم” رأسها في نظرة علوية – أبدع المخرج أحمد سمير فرج” بعمل “زووم” على وجه نسرين طافش المحمل بحيوية ونضارة طبيعية ليزيد بهاء وخيلاء – ويشع منه شعاع من طاقة الحب الكامن بين ضلوعها منذ لحظة لقائها بـ “عمر” على باب مطار أسوان.
تنظر في عيني “عمر” أكثر قائلة ردا على سؤاله: التفاصيل .. انته وشك بيتكلم، أنا ممكن أقف بعيد وأعرف انته كنت بتقول إيه”، يعلو نبض قلب “عمر” ويقول : ياسلام .. طب أنا كنت باقول إيه؟، فترد على نفس وتيرة نبض قلب “عمر”: كنت بتشجعهم وتحفزهم، على الفور يقول بنبرة صوت منخفضة قادمة من قرار الأعماق : يابنت الإيه!!.
ومع ايقاع أعلى للموسيقى التي تداعب مشاعر قلبين يتهيأن للدخول في حالة عشق ووله : يتساءل عمر: طب انتي عرفتي إزاي ، فترد بلكنة مصرية متقنة ونبض أنفاسها يشير إلى ارتفاع حرارة الحب في صدرها : “مش محتاجة ذكاوة.. أي إنسان يركز فيك سنة هايعرف يقراك، علشان أنته إنسان حقيقيى اللي جواك براك من غير فلاتر”.
وبنظرة تأمل تعمقها الموسيقى وتهدئ من نبض قلبها أكثر: كل حاجة بتبان عليك، بينما “عمر” يراقب حركة رأسها ويغوص بالتأمل أكثر في عينيها الواسعتين كأنما يبحث عن مجهول مخبئ بداخلهما : “دا انتي ذاكرتيني بقى”!!، لكن طيفا من الخوف والجمود بدا يظهر على وجه”مريم” – كأنها تذكرت مهمتها الأساسية في إغواء عمر بالذهاب لأمه في اليونان – قائلة : المشكلة مش في إني ذاكرتك.. فاكره إني أعرفك من سنين.
“عمر” يقول : هى دي حاجة تخوف، فترد بثقة تعكس شيئا ما بداخلها، شيئ يسكن أعماق قلبها الذي تفتح على الدنيا منذ لحظات بسيطة : لا بالعكس دي حاجة تطمن ، فيرد عمر : يعني أطمن، وهى بتردد غير واثق : لإيه وبتلعثم مواز لارتفاع نبض الحب في قلبها: لأني حاسة إني أعرفك من سنين، فيرد “عمر” وكأن قلبه يرقص فرحا : أطمن لأنك بقيتي مطمنة”.
عند هذا الحد انتهت المشهد الذي يعد “الماستر سين” في خلال العشرين حلقة الأولى من مسلسل”ختم النمر”، لأنه استطاع أن يطلق المشاعر الدفينة في كلا القلبين، حين بدأت بالخروج عن الطوق، ومثل خيول جامحة انطلقت نحو آفاق أكثر رحابة من الحب والرومانسية التي صنعت لحظات دافئة في قلوب المشاهدين، وكان هذا المشهد بمثابة جرعة عاطفية في شكل حالة حب شفافة، جاءت في وقت نعاني فيه من الشح العاطفي، واستطاعت أن تنتشلنا من حالة التمزق التي نعيشها جرء أفعال السياسية الموحشة، بحيث خيم على المشهد قدر هائل من الطاقة الإيجابية القادرة على تعميق الإحساس والشعور بعفوية اللحظات الجميلة في حياتنا.. فتحية تقدير واحترام لصناع هذا العمل.