فن الأغنية.. صناعة صعبة
بقلم : سامي فريد
فى أوساط الموسيقيين والمطربين يطلقون عليه الآن لقب ’الأستاذ’ باعتباره صاحب مدرسة أصيلة فى الغناء كانت واستمرت وستظل متربعة على عرش الطرب الجميل.
الفنان على الحجار، سهرت معه وحاورته واستمعت إليه.. قال إن الغناء ليس سهلا وأنه مسألة صعبة جداً تحتاج إلى دراسة وثقافة وعلم وأشياء أخرى كثيرة.
وشرح على الحجار بصوته وأدائه الفرق بين “العفقة” و”العُربة” فقال أن “العفقة” هى هزة الصوت أما “العُربة” فهى رقته وقال إن كان مطرب له منطقة حلوة في صوته تتألق فيها “العُربة” ويقول عنها الموسيقيون أنها “نورت” في صوته.
في حواري معه شرح لي على الحجار بصوته كيف أن محمود شكوكو يرحمه الله كان مطربا يعرف كيف يغني وضرب مثلا بأغنيته أمام ليلى مراد عندما يقول “ندر عليا لو قلتي أيوه لأخلي روحي في أيديكي شمعة”.. هنا منطقة فيها غناء جميل.. كذلك كان إسماعيل ياسين مطربا قديرا شهد له عبدالحليم حافظ عندما غني بصوته في يوم من الأيام”.
عن محمد عبد الوهاب موسيقار الأجيال قال على الحجار إنه الأستاذ والساحر الذي رأي المستقبل قبل أن يولد هذا المستقبل فعدل من تكتيك ألحانة وتوزيعه وموسقاه مع محافظة على الطرب القديم، وهذه بحد ذاتها تحتاج مقدرة عظيمة أداها عبدالوهاب بسلاسة، وضرب على الحجار مثلا آخر عن مقدرة عبدالوهاب بألحان أوبريت فيلم “عنبر” الذي جمع فيه كل ألوان الغناء وأرتامه ومقاماته وأصواته من ليلى مراد إلى عزيز عثمان وإلياس مؤدب وشكوكو وإسماعيل ياسين بنجاح كبير مع اختلاف قدراتهم وأصواتهم.
وعن المطرب الجيد يقول علي الحجار إنه لكي يكون مطربا يستحق لقب مطرب فلابد أن يسمع أكبر عدد من كل المطربين الذين سبقوه وأن يدرس أصواتهم وأغانيهم ليعرف أين هو بينهم.. وعن نفسه يقول على الحجار: أنا أسمع الجيل الذي سبقني كله لأن جيلي للأسف فقير.
وسألته عن عبدالحليم حافظ، فأجاب أنه كان آخر جيل الكبار المجيدين ومن بعده تحول المونولوجست والمهرج إلى مطرب، أما جيل عبدالحليم والجيل الذي سبقه فقد كان جيلا مميزا من كبار المطربين نذكر منهم كارم محمود وعبدالغني السيد ومحمد فوزي ومحمد قنديل وعباس البليدي وغيرهم.
سألته هل فى الغناء مقامات صعبة ومقامات سهلة سواء على الملحن أو المطرب؟ أجاب بأن في الموسيقى مقامات حقيقية تكون مساحة الحركة الموسيقية فيها قليلة وصعبة، مثل مقام الزنجران أو الزنكلاه أو الكرد ولهذا يبتعد عنها الملحنون والمطربون أيضا، وكان الشيخ زكريا أحمد هو الملحن الوحيد الجرئ على مقام الصبا ومنه لحن أجمل أغانيه مثل “هو صحيح الهوى غلاب ،والقطن فتح هنا البال، وياليل نجومك شهود، وقولي لطيفك ينثني عن مضجعي” من فيلم “وداد”، و”رحلت عنك ساجعات الطيور” من نفس الفيلم، وأنا “كنت أحب الشكوي إليك”.
من الصبا أيضا – يقول على الحجار – لحن محمد عبدالوهاب “هاجراني ليه، وتراعيني قيراط” ولحن أحمد صدقي لمحمد قنديل “سماح يا أهل السماح” كما لحن منه رياض السسنباطي أغنية “قالوا أحب القس سلامة”.
سألته من أين أتى بكل هذه المعلومات فقال: أنا تلميذ 45 سنة فى مدرسة موسيقية لن تتكرر اسمها مدرسة “إبراهيم الحجار”، وأن أي طالب موسيقي لا يدرس في معهد الموسيقي إلا أربع سنوات فقط.
واستطرد علي الحجار يشرح كيف يصنع الملحن لحنه فقال أن الكلام هو الذي يفرض اللحن والمقام وأن عندنا نوعان من المطربين: مطرب تصنع له الألحان تفصيلا وآخر يغني كل الألحان، وأن الصعوبة الوحيدة التي تواجه أي مطرب مهما كان قديرا هى أن يغني من نوتة عالية فوق طاقة مساحته الصوتية، فإذا كان صوته مثلا يصل إلى “جواب الجركا” فإنه يصبح عليه أن يرفع صوته فوقها بنوته أو نوتتين وهكذا، وليس في المطربين إلى اليوم من يستطيع أن يزيد صوته على جواب “الدو” لأنها تحتاج إلى تدريب خاص ذهني ونفسي يشبه تدريبات اليوجا، ولم يصل إليها إلا إبراهيم الحجار مرة واحدة ولم يكررها.
وأضاف أن صوت المطرب يختلف باختلاف حالته الصحية والنفسية فإذا غني الجوابات العالية في أغنية يصبح صعبا عليه الانتقال بسهولة إلى القرارات لأن الصوت ينفتح وينغلق تبعا لحالة المطرب.
يقول على الحجار أيضا أن أي مطرب لابد أن يكون مثقفا أولا ثقافة عامة في السياسة والاقتصاد والأدب والعلوم وهكذا.. وثانيا ثقافة موسيقية غربية وشرقية، ولهذا فهو يوصي بقراءة كتب قدامي علماء المسلمين والعرب، مثل “الكندي والفراهيدي والفارابي والأصفهاني” ومن بعدهم سفينة الملك ونفيسة الفلك لـ “شهاب الدين محمد بن إسماعيل”، ثم يقرأ كتب “محمد كامل الخلعي وأحمد تيمور باشا والدكتور محمود الحفني وأحمد شفيق أبو عوف”.
ولما سألناه عن مقامات الموسيقيى العربية قال أنها تبلغ 400 مقام موسيقي لا يستعمل منها إلاعدد محدود جدا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومن المقامات القديمة مثلا نذكر “الشوري وراحة الأرواح والدلنشين والبستنيكار والنواثر والخزام والنكريز والنوي والكروان والعجم وغيرها”.