كتبت : سدرة محمد
رحم الله الراحل العظيم “نجيب المستكاوي”، شيخ النقاد الرياضيين، وصاحب الأسلوب الشيق والرشيق في الكتابة الرياضية في زمن الفتوة المصرية، والذي أطلق لقب “الشواكيش” على فريق نادي “الترسانة” الرياضي، وذلك بعد أن لاحظ أن هذا الفريق يتبع الورش الأميرية، وأن معظم لاعبيه كانوا عمالا فى تلك الورش، وانعكس ذلك على أدائهم الذى لم يكن يخلو من الخشونة فأطلق عليهم هذا اللقب ضمن أسلوبه الذي اتسم بالسخرية لذا كان يلجأ إلى اخترع مفردات وعبارات سهلة وألقابا مثيرة على الأندية.
تذكرت هذا الكلام على وقع الضوضاء في الشارع المصري المزدحم حاليا، والتي تجتاح صفحات التواصل الاجتماعي حول مغني المهرجانات “حسن شاكوش”، والذي يشبه في صفاته نفس الصفات التي ساقها “المستكاوي” في وصف فريق الترسانة الرياضي، فقد لاحظت حالة من التفاعل الهيستيري مع هذا المغني على أثر احتلال مهرجانه الذي يحمل عنوان “بنت الجيران” المركز الثاني في قائمة المواد الأكثر استماعا على موقع “ساوند كلاود” الشهير، بأكثر من خمسة ملايين مستمع خلال أسبوع واحد، وأكثر من 45 مليون مستمع إجمالا، فضلا عن أكثر من 80 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب حتى الآن، رغم أنه لايتمتع بأي حاسة فنية أو إبداعية سوى مخاطبة جيل يرى في أغاني “التوكتوك” والمهرجانات سبيلا للخلاص من أزماته وضياع أحلامه بالتفاعل معها في حالة أشبه بالسكر والهذيان بتكرارها في الشارع والأماكن العامة على سبيل الترفيه.
الأغنية واحدة من تخاريف هذا الـ “شكوش” الذي بدأ الأغنية ببداية كلاسيكية، ربما تلفت انتباه مستميعها ويستحسنها في بادئ الأمر، خاصة أنها تعيد على مسامعنا أغاني “بنت الجيران”، مثل أغنية “محمود شكوكو” التي تحمل عنوان “حمودة فايت يا بنت الجيران”، والتي أثارت أزمة في زمانها إلى حد أن طالبت “أم كلثوم” بحذفها من الإذاعة، لأنها تحمل تحريضا علنيا على هرب “بنت الجيران” مع حبيها كما جاء على لسان “شكوكو”، رغم أنه يقول في مطلع الأغنية:
حمودة فايت يابنت الجيران
ياوردة بيضا في حزمة ريحان
إدينى إيدك أنا زى أبوكى
حمودة حاسب أنا سامعة صوت
حمودة حاسب انا خايفة موت
لكن في حالة “حسن شاكوش” يصبح الأمر مختلفا تماما، فقد ذهب إلى مناطق أبعد من “شكوكو” بكثير، عندما وجه تهديدا مباشرا لبنت جيرانه وبكلام مبتذل في حالة تخليها عنه قائلا:
أنتي ليا أنا ليكي
إحنا الاتنين قاطعين
تسيبيني
أكره حياتي وسنيني
أتوه ومش هتلاقيني
وأشرب خمور وحشيش
تلاقيني لسه بخيرى
مش هتبقي لغيري
أيوه أنا غيري مفيش
وهنا لا نلحظ التدني والانحدار الأخلاقي في كلمات المهرجان فحسب، بل إنه يتضمن رسائل من نوعية التحرض على تعاطي المخدرات كما جاء على لسان “شاكوش” والكارثة أن شباب هذا الجيل يقلدها بشكل مباشر جراء انتشارها على صفحات “السوشيال ميديا”، فضلا عن ظاهرة سلبية أخرى وهى الاستعانة بهؤلاء المهرجين في سيرك الغناء في أفراح الطبقة المخملية في مصر، وذلك دون إدراك بأنهم يقومون بترسيخ القاعدة الشعبية لأمثال هؤلاء المتسلقين على حبال الأغنية الحديثة.
أصابتني الدهشة فور قراءة تحقيق حول ظاهرة المهرجانات على موقع “بي بي سي العربي، حين قال أحد المواطنين “إنه يستمع لهذا “المهرجان” لـ “حسن شاكوش” وغيره من المهرجانات، طوال ساعات عمله، ويضيف: “هذا النوع من الأغاني يجذب انتباه الزبائن، ويساعد على العمل بتركيز من دون ملل”، موضحا أنه لا يمكن الاستماع إلى أغاني المهرجانات بصوت خفيض، وعلل ذلك بالقول إن معظم الناس في هذه المنطقة ألفت أغاني المهرجانات منذ سنوات.
المؤسف في الأمر أن “شكوش” ضرب الأرقام القياسية، وأصبح “ترند” بفضل إقبال الكثيرين على مهرجاناته ليتفوق على أقرانه “حمو بيكا ومجدي شطة” وغيرهم ممن نال شهرة في زمن المسخ الغنائي الذي أوقعنا في شرك الابتذال وتدني مستوى الأخلاق، وفوق كل ذلك تأتي الكارثة بأن مثل تلك النوعيات تترك أثر سلبيا لدي مواطني دول العالم العربي من حولنا بأن هذا هو شكل ومستوى الغناء المصري الحالي، فضلا عن أنها تزرع في نفوس شبابنا روح الهزيمة والإحباط والحث على تعاطي المخدرات التي يروج لها هؤلاء المهوسين في مهرجاناتهم.
وأخيرا وليس آخرا : هل من موقف محترم من جانب نقابة الموسيقيين، وعلى رأسهم أمير الغناء العربي الفنان “هاني شاكر” لإنقاذ شبابنا من تعاطي – أؤكد : نعم تعاطي فهى مهرجان مخدرة – هذه النوعية الغربية شكلا ومضمونا على مجتمعنا العربية الذي ألف الغناء واللحن الشرقي حين وضع أسسه السليمة “الموصلي والمولحي” قبل عدة قرون لمخاطبة الذائقة العربية عبر كلمات وموسيقى تلمس الروح التواقة دائما لمعاني المحبة والسلام لا الضوضاء والضيجيج .. اللهم ارحمنا مما فعل بنا هؤلاء السفاء.