كتب : أحمد السماحي
أسوأ ما يمكن أن يتجرعه المرء هو القبول بالرداءة باسم حرية التعبير ونشر الرذيلة والرداءة الغنائية باعتبارها منتهى العصرية، وتجميل القبح وإشاعة الفوضى بكل المظاهر المنحطة بحجة مواكبة التطور، وفي السنوات الأخيرة شهدت مصر زحف “جرذان وغربان” الملاهي الليلية إلى الساحة الغنائية النظيفة فأصابتها بألوان منالعطب والتلوث التي سرعان ما اجتاحت الفضائيات وضربت الذائقة في مقتل، وذلك مع سبق الإصرار والاجتراء على الغناء الذي أصبح “ملطشة” لكل من “هب ودب”، وحاول هؤلاء الغربان بضجيجهم وتفاهاتهم المسماة مجازا “أغنيات”، سحب البساط من تحت أرجل قيمنا وأخلاقنا وتقاليدنا، حتى يصل الكثير منا مرغما إلى ترديد أغاني فارغة بلا شكل ولا مضمون، ولا طعم ولا رائحة.
وللاسف الشديد فقد تماهى معها الجمهور، وخاصة الجيل الناشئ منه، معلنا الثورة على أفكار وقوالب جمالية وأخلاقية ظلت راسخة في حياتنا على مر التاريخ، وأصبح للمدمنين وللمخنثين صوتا عاليا من النشاز، ومعجبين مخدرين بفعل تعاطيهم تلك المهرجانات، وأيضا أصبح للرداءة أنصار ومتحمسين كثر تضج بهم “مواقع السوشيال ميديا” الغارقة في جنون هيستري يسمى بالـ “ترند”، وفي زمن الرداءة بدأنا نسمع ونشاهد أسماء ما أنزل الله بها من سلطان مثل “حمو بيكا، وشطة، وأوكا وأرتيجا، وحماشه، وأخير ذلك “شاكوس” الذي نزل منذ أسبوعين في حرب تكسير عظام مع زملائه من المخدورين بفعل تلك المهرجانات الصاخبة والرقص المصحوب بحركات إيحائية في إباحتها، والمصيبة أن النقابة تحت تحدي وبلطجة بعض من هؤلاء منحتهم العضوية في النقابة، ويسعى النقيب الحالي “هاني شاكر” لضمهم إلى النقابة تحت مسمى “شعبة المهرجانات!!”
وسط كل هذه المساحة العريضة والتى تمتد يوميا وتكبر كظاهرة سلبية في دروب القبح والرداءة والابتذال الغنائي، يطرح المطرب “عمرو دياب” ألبومه الجديد “سهران” فيكون بمثابة “عصا موسى” التى ابتلعت كل عشوائيات وضجيج وصخب هذه المهرجانات فاقعة الفجاجة، والأغاني الشعبية الغارقة في براثن التردي، والتى لا يمكن حتى مقارنتها بالغناء الشعبي، الذي قدمه أساطين الطرب على جناح كلمات تعبر عن نبض الشارع المصري، معبرة بصدق وواقعية عن أحوال معيشة الناس البسطاء من الطبقات الكادحة، وموسيقى موحية وجميلة تتسم بالرشاقة والعذوبة المستلهمة من التراث المصري الخالص، بحيث يمكنها مخاطبة الذائقة السليمة، كي تطربها وتشجيها.
تضمن ألبوم “عمرو دياب: الذي يحمل عنوان “سهران” (14) أغنية – بحسب الطرح الذي نشر على صفحات الانترنت – وقد انساب فيها غناء “عمرو” شجيا ورقيقا يلامس المشاعر الإنسانية بعذوبة على جناح الكلمة واللحن، حاملا بين جوانحه إيقاع الموج الهادي، وسحر اللحن الموحي الذي يجلب البهجة والسعادة، فضلا عن براءة اللحظات العاطفية الرومانسية الشفافة، ليكون أفضل هدية للجمهور المصري والعربي في عيد الحب، وبمثابة رسائل غرام للعشاق والمحبين، فمن يسمع أغنيات ألبوم “سهران” يجد أن شخصية “عمرو” فرضت نفسها على كل من تعاون معه، لدرجة أن كل الملحنيين الذين تعاملوا معه كانوا يدورون فى فلك صوته وشخصيته الغنائية الآسرة أكثر مما دار صوته فى فلك ألحانهم، كما يحصل مع كل الأصوات الغنائية الأخرى.
الظاهرة التى تبدو واضحة على هذا الألبوم وغيره من الألبومات السابقة، أن هناك بصمة خاصة أو لونا “ديابيا” تأسس في السنوات الأخيرة، وتم توظيفه فى خدمته من جانب عدد من الملحنيين الذين لا شك فى قيمتهم الذاتية، ولكنهم مع “دياب” كانوا دائما وأبدا جزءا من مدرسته أو لونه الغنائي، “فهوس” عمرو بالتجديد والإيقاعات الصاخبة – التي تخاصم ضجيج المهرجانات على طريقة المخدرين غنائيا – تحت ستار التطوير ومسايرة روح العصر، لذا ساق لنا مفاجأة جميلة بلحن لابنته “جانا”.
هذا ما جعل “دياب” يفرض وجهة نظره الشخصية علي الملحنيين والشعراء، الذين قدموا فى “سهران” حالات من العاطفة الراقية والشجن الجميل، على جناح التطور والتجدد، وفي نفس الوقت قدم اللون الطربي الجميل الذي نفتقده بقوه في السنوات الأخيرة في أغنية “روح” كلمات وألحان أحمد زغلول، بحيث أعاد علينا طيفا رقيقا ناعما من نغم السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في ثوب عصري يتسم بالمرونة والإيقاع السريع التي تقوى على إنعاش الذاكرة.
وجاءت باقي الأغنيات كالتالي “سهران” كلمات تامر حسين، الحان عزيز الشافعى، توزيع طارق مدكور، “هيعيش يفتكرنى” كلمات تامر حسين، الحان عمرو مصطفى، توزيع نادر حمدى، “جامدة بس” كلمات تامر حسين، الحان عمرو مصطفى، توزيع نادر حمدى، “مكانك فى قلبى” كلمات تامر حسين، الحان شريف بدر، توزيع طارق مدكور، ” قدام مرايتها” كلمات تامر حسين، الحان عزيز الشافعى، توزيع طارق مدكور، “يوم تلات” كلمات تامر حسين، الحان عزيز الشافعى توزيع أسامة الهندى، ”جميلة” كلمات شادي نور، وألحان بلال سرور، “قلبي متعلق” كلمات وألحان عزيز الشافعي، توزيع أسامة الهندي. “عم الطبيب” كلمات صابر كمال، ألحان عمرو دياب، توزيع رامي سمير، “يا روقانك” كلمات أحمد المالكي، ألحان محمد يحيى، توزيع طارق مدكور، “حلوة البدايات” كلمات خالد تاج الدين، ألحان عمرو مصطفى، توزيع نادر حمدي، “زي ما انتي” كلمات وألحان عزيز الشافعي، توزيع أسامة الهندي.
وخلال الأيام القادمة لنا وقفة تحليلية تأملية لأغنيات “السي دي” الجديد، الذي جاء كموجة دافئة في رشتاء بارد، كي ينقذنا من حالة الانحدار الحادثة الآن في شارع الأغنية المصرية، التي أصبح غالبها عنوانه الرداءة، ومضمونه الابتذال ورسائله السلبية تحطم الفطرة الإنسانية، فضلا تصبيط همم الشباب الطامح نحو مستقبل أفضل، حيث تبث في نفوسهم روح الهزيمة وضعف الهمة، في ظل التطورات المذهلة التي تشهدها مصر حاليا على مستوى السياسة والاقتصاد وتطور الأوضاع الاجتماعية التي تتحسن يوميا، دون أدنى إدراك أو شعور من جانب هؤلاء الشباب بتحسن مستوى المعيشة، رغم التحديات الصعبة ومواجهة الإرهاب والمؤمرات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر.