“يابنت ياأم المريله كحلي”
بقلم : مدحت الخولي
كانت المفاجأه المذهله بالنسبة لي عندما وقعت عيني أول مرة علي كلمات العظيم “صلاح جاهين” المختبئه وسط الصفحات الصفراء القديمه التي يحتويها ديوان قصاقيص ورق والتي تقول كلماتها:
يابنت ياأم المريله كحلي
ياشمس هاله وطله ماالكوله
لو قلت عنك في الغزل قوله
ممنوع عليه ولا مسموح لي
إلي ان وصلت إلي البيت الأخير في القصيده ( أجمل مافيكي يابنتي أن
أنتي في عنيكي من نينتي .. حنان الأم ).
توقفت كثيراً عند هذا المعنى المضاف لما سبقه من معاني كنت أقرأها مذهولاً مستمتعاً بما فيها من بساطه وعمق وخفه دم.. لم أكن أتوقع الضربه القويه الناعمة إلي حد الألم في السطر الأخير: (أجمل ما فيكي يابنتي أن أنتي فى عنيكي من نينتي حنان الأم) ..
راجعت هذا السطر وقرأته مرات ومرات حتي وصلت إلي حالة من الإجهاد والذوبان داخل هذا المعني الجليل .. مره أخرى يفتح “صلاح جاهين” الأفق للمعاني المطلقه للأشياء التي نشعر بها ونعجز عن التعبير عنها، ليأتي هو بمفرداته الطفوليه البسيطه محققاً انتصارات ساحقه في التعبير عن مايشعر به الناس من مشاعر وأحاسيس.
لم أترك القصيده ولم أخرج من حالة الاستغراق في تفاصيلها ومعانيها .. كنت أقرأها ويدي علي الجيتار الذي كنت نادراً ما أتركه .. وجاء اللحن بنفس البساطه والتلقائيه .. لم أصدق نفسي في البدايه .. لم أصدق أن الأغنيه قد ولدت وأصبحت كائن مستقل يتنفس وينبض بالحياه .. لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي باللحن الجديد وصحبة العظيم “صلاح جاهين”، وقد مر علي رحيله سنوات لكنه لم يرحل.
لم تمر أيام قليله وتوجهت إلي منزله والتقيت بالطفله الجميله “ساميه صلاح جاهين” أم المريله الكحلي والحاجه بهيجه الأخت المقربه الشاعر العظيم صلاح جاهين .. هدف الزياره الظاهري أخذ التنازل عن كلمات أغنية “يابنت ياأم المريله كحلي” والهدف الحقيقي هو رؤية محيط وأسرة الشاعر العظيم الذي لم يسعدني الحظ بلقائه، لكنه دائم الحضور في أدق التفاصيل اليوميه من حياتي ..
فاتني أن أذكر أن هذه الزياره لمنزل “صلاح جاهين” جاءت عاجله بعد أن أقتحم النجم الكبير محمد منير الاستوديو بعد أن سمع جزء من الأغنيه وهو يمر بالصدفه وقالي لي:
الغنوه دي كلام صلاح جاهين؟
قولت له وأنا مذهول .. أيوه
قالي لي ولحنك ؟
قولت له أيوه
قالي الغنوه دي أنا حاجولها حاجولها
تغنيها أنت الأول ماتغنيهاش أنا لازم أجولها
وكانت مفاجأه كبيره بالنسبه لي ووجدت صعوبه في فهم الموقف إلي أن تحدث معي الأخ الحبيب “عصام فهمي” صاحب ومدير شركة “ساوند أوف أمريكا”، التي كانت بالصدفه تنتج البوم منير الجديد وألبومي الخاص الذي كنت قد اتفقت معهم عليه، وباشرت في تنفيذ الأغاني.
قال لي “عصام فهمي” إن الموضوع لا يحتاج إلي تفكير تخيل ( صلاح جاهين .. محمد منير .. مدحت الخولي )، مجرد وضع اسم “مدحت الخولي مع صلاح جاهين ومحمد منير” يعتبر نجاح ومجد كبير .. وأقتنعت طبعاً بوجهة نظره كمنتج مثقف وواعي لما يقول وقد كان .. أحدثت الأغنيه ضجه كبيره ونجحت علي عدة مستويات لم أكن أتوقعها، وكنت ومازلت فخوراً أشد الفخر بها وبارتباط اسمي في بداية خطواتي بلقاء العظيم “صلاح جاهين” والمقاتل “محمد منير”.