رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

لينين الرملى .. ضحك كالبكاء !

الراحل الكبير لينين الرملي

بقلم : عصام السيد

يحتل لينين الرملى مساحة هامة و بارزة فى تاريخ الحركة المسرحية المصرية ، فهو رجل مسرح بكل معنى الكلمة ، فلقد مارس التأليف و الإخراج و الإنتاج للمسرح طوال سنوات حياته، و لم يتكسب من المسرح بقدر ما اعطى له، إلى جانب أن له منزلة كبيرة فى نفسى فهو نقطة تحول فى مسيرتى المهنية و شريك نجاحات عدة .

ربما كان إيمانى بأن المسرح هو المسرح سواء فى الكوميديا أو التراجيديا سواء من ناحية ضرورة وجود بناء درامى قوى، وحبكة محكمة، وشخصيات مرسومة بدقة، أو من ناحية الجدية فى الأداء وتصوير الموقف بصدق هو ما جمع بينى و بين “لينين” فى ثمانية أعمال بدأت بـ “أهلا يا بكوات ” واستمرت على مسارح القطاع العام والخاص وسجلت لى أكبر عدد من بين المخرجين فى تقديم أعمال لينين . و الحقيقة انه هو من اختارنى لإخراج أعماله .

إضحك لما تموت

 بدأت العلاقة بيننا بواقعة غريبة، عندما أتى “لينين” لمشاهدة عرض “عجبى” الذى قدمته على المسرح القومى، و هو بطولة صديق عمره الفنان الكبير “نبيل الحلفاوى”، ليلتها صافحنى بعد العرض صامتا و لم يتكلم إطلاقا، وعلمت فيما بعد أنه لا يطيق سيرة الزعيم “جمال عبد الناصر” التى كانت رافد اساسيا فى العرض الذى كان يروى سيرة الشاعر الكبير “صلاح جاهين”.

بعدها بفترة وجيزة تعاون لينين ، المؤلف ذائع الصيت والذى يتمنى العمل معه كبار المخرجين، مع المخرج الشاب – وقتها –  الزميل “محمد أبو داوود ” فى تقديم أول نصوص “لينين” للقطاع العام “عفريت لكل مواطن” من بطولة نبيل الحلفاوى أيضا و معه بطلة مسرحيتى  “عجبى”  الفنانة الرائعة “عبلة كامل”.

أهلا يا بكوات

وعندما تولى الفنان القدير “محمود ياسين” مسئولية إدارة المسرح القومى طلب من لينين كتابة نص خصيصا للمسرح القومى، و فوجئت باختيار لينين لى لإخراج هذا النص برغم أن أمامه العديد من المخرجين (والغريب أن الفنان الكبير محمود ياسين وافق على الاختيار)، وبعدها تعاون “لينين” مع مخرجين شباب آخرين، منهم الصديقان “محسن حلمى و خالد جلال”.

وإذا كان لينين يبحث عن المواهب الإخراجية، ويدفع بها فى فرص حقيقية ، فإنه أيضا يبحث عن المواهب التمثيلية ويتحمس لها خصوصا فى أعماله التى أخرجها بنفسه، ولم يتعاون مع النجوم فى تلك الأعمال سوى مرة واحدة أو مرتين فقط، فأحد مميزات “لينين الرملى” انه مكتشف للمواهب، مساند لها، ولن أتحدث عن نجوم التمثيل الذين تحمس لهم لينين فى بداياتهم وأصر على أن يقدموا بطولات فى نصوصه حتى صاروا نجوما، فهم أولى بذلك الحديث، وهم أجدر بالاعتراف بالفضل، ولكنى أملك أن اتحدث عن نفسى.

الحادثة

وثانى ميزات “لينين الرملى” أن نصوصه الكثيرة قد قدمت على المسرح أولا قبل اصدارها فى كتب، والحقيقة أنها صدرت فى عدة طبعات من عدة دور للنشر، وهو دليل مؤكد للرواج، فغالبية فرق الهواة وخاصة الجامعية تقدم نصوصه عدة مرات كل عام. و يمكننا أن نستشف من ذلك أمرين: الأول أن لينين كرجل مسرح يكتب لكى يُقدم، لا يكتب لكى يُقرأ، مثله فى هذا كل رجال المسرح الكبار كـ “شكسبير و بريخت” وغيرهم ممن يعتبرون أن اكتمال النص فى عرضه وجماله فى تقديمه، و الثانى أن مسرحه قريب الصلة بالبشر لايصيبه الزمن بالبلى والقِدم وتلك أيضا من شيم رجال المسرح.

ويعتقد البعض أن السبب فى ذلك الرواج هو “كوميديا” لينين، ولكن بمراجعة بسيطة للنصوص ستجد أغلبها ينتمى إلى نوعية “الكوميديا السوداء”، وهى تنطلق عادة من موقف غير مضحك، ولكن الصياغة و استعمال الحرفة فى إبراز التناقض هو ما يجعلها مضحكة، ففى آخر مسرحياته “اضحك لما تموت” التى قدمت على المسرح القومى من اخراجى، يُضحكنا من تصرفات رجل يعلم أنه مريض، و أن أيامه شارفت على الانتهاء، بينما يعانى من  جثة تتجول فى أرجاء المنزل وتأبى أن تختفى.

إعقل يا دكتور

ألم تنطلق “أهلا يا بكوات” من موقف رجل ارتعب من التقدم العلمى حولنا بينما نحن جالسون فجاء الى صديقه ليسأله ماذا فعلنا لنواجه المستقبل ؟ أليست تلك كارثة ان نظل قابعين متأخرين عن عصرنا ، بينما العصر يسير بسرعة الصاروخ؟.

من أين ينبع الضحك وأمامنا مجموعة من العميان يعانون فى “ملجأ “، كما فى مسرحيتة وجهة نظر؟، أليس موقفا يدعو إلى الرثاء والحزن ؟

وحتى النهايات يغلفها إحساس قد يبدو مأساويا: ما الذى يُضحك فى أن الاشباح تشعل النار فى البيت فى نهاية “فى بيتنا شبح”، بينما يهرب سكانه ولايصمد لمقاومة الحريق إلا قلة؟، وفى نهاية البكوات أمامنا اثنان من الشخصيات، أما الانتهازى فيستمر فى نجاحاته، والآخر الثورى الرومانسى يتهم بالجنون لأنه يحذر الناس من أن المستقبل آت ولم نستعد له بعد !!

إذن: من موقف يصلح لانطلاق نص جاد ومتجهم ينطلق غالبا “لينين الرملى”، يغزل من خيوط الجدية سخرية حادة وتناقضا مريرا يبعث على الضحك. و بنهايات تصلح لنصوص درامية جادة وعابسة تنتهى معظم مسرحيات لينين .

إذن : هل نستطيع أن نقول إن كوميديا لينين “كوميديا جادة” فى داخلها يقبع إحساس بالحزن، أو على الأقل يشوبها المرار؟

هنا يحضرنى موقف يتكرر بشكل يكاد أن يكون دائم فى أعمال لينين الرملى: فى بداية تدريبات القراءة لكثير من نصوصه يتساءل الممثلون: أين الضحك؟، أوعلى الأقل يعبرون عن مشاعرهم بجملة معروفة: “الضحك قُليل”، أى أن كمية الإضحاك قليلة فى النص، ولكن مع ليالى العرض الأولى يكتشف هؤلاء أن ينابيعا من الضحك قد تفجرت، ليس بالطبع بالخروج على النص ولكن بالالتزام بالنص. فمن أين يأتى الضحك؟

أعتقد أن الضحك فى مسرح “لينين” مبنى على قاعدتين: الأولى أن شر البلية ما يضحك، والثانية هى المفارقة التى تثير السخرية، وهو بالتالى ضحك ينبع من العقل والتفكير وليس ضحك الدغدغة والتسطيح .

في بيتنا شبح

ولذا فإن مسرح “لينين الرملي” يتطلب جدية شديدة فى الأداء وصدقا تاما من الممثل لكى تتفجر الكوميديا الساكنة فى النص، إن مدى صدق خوف “محمود و برهان” أثناء الصراع فى “أهلا يا بكوات” على امتلاكهم كعبيد هو ما يزيد من تفجير الضحك، وجدية الشخصيات فى تجهيز احتفال عيد الميلاد لوحشى فى “عين الحياة “، بينما هو يعلنهم انه سيقتل واحدا منهم هو ما يجعل الموقف مليئا بالضحكات. فكوميديا “لينين” هى كوميديا الموقف المصنوع بدقة وإتقان والمركب من متناقضات ما أن توضع متجاورة حتى تثير الضحك.

من هذا المنطلق – منطلق الصدق فى التمثيل – يستطيع أى ممثل جيد أن يبرع فى تقديم نصوص لينين الرملى، سواء كان كوميديانا أو لم يقدم دورا واحدا كوميديا من قبل، عليه أن يقدم الموقف بصدق، و أن يجعل المتفرج يصدق، والضحك سينفجر تلقائيا و ببساطة. و لهذا تصيبنى الدهشة عندما يلجأ بعض الهواة إلى الخروج على النص فى أعمال لينين، بينما لا يكتشفون مكنون النص و خفاياه .

وتبلغ الجدية أقصاها فى عرض وجهات نظر كافة الشخصيات بقوة ومنطقية حتى ولو كانت متناقضة، فلا تعرف هو مع من  وضد من؟، و يترك للجمهور حرية الاختيار بين المنطقين، ففى أهلا يا بكوات (على سبيل المثال) يعرض وجهتى النظر المؤيدة للحملة الفرنسية كأحد أسباب انتقال مصر من العصور الوسطى إلى العصر الحديث ووجهة النظر المضادة لها بصفتها احتلال يجب مقاومته، والغريب أن الجمهور كان يصفق للمنطقين، بل إن بعض النقاد تساءلوا عن موقف لينين شخصيا و هو مع من و ضد من .

************

رحم الله رجل المسرح لينين الرملى الذى صنع ضحكا كالبكاء ، سخرية من أحوالنا المتردية وتناقضاتنا الشديدة وحملت فى داخلها نبوءات، ولم تفقد أثرها على مر الزمن، فمسرحيته “فى بيتنا شبح” كتبت فى عام 2004، وقدمت فى عام 2012 فظن الجميع أنها كتبت فى التو واللحظة، ومسرحيته “أهلا يا بكوات” قدمت لأول مرة فى عام 1989، وعندما أعيد تقديمها عام 2006 ظن البعض أنه أجرى عليها تعديلات، حتى اضطررنا الى كتابة إقرار فى برنامج العرض إنه مطابق للنسخة الأولى، وكأن لينين كان يرى ما سيحدث .

************

أعمالنا المشتركة:

اهلا يابكوات 1989 – المسرح القومى

الحادثة   1993 – انتاج لينين الرملى

كداب يا خيشة 1994 – أوسكار للإنتاج الفنى

وداعا يا بكوات 1997 – المسرح القومى

إعقل يا دكتور 2001 – انتاج لينين الرملى

عين الحياة 2005 – مسرح الهناجر

اهلا يا بكوات – ( إعادة انتاج ) 2006

ذكى فى الوزارة 2008 – المسرح القومى

فى بيتنا شبح 2012 – المسرح القومى

10 – إضحك لما تموت 2017  المسرح القومى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.