بلا دليل .. درما مفبركة بشكل سيئ !
كتبت : سدرة محمد
لاشك أن هناك تطورا كبيرا في الدراما المصرية على مستوى الموضوع الاجتماعي والرومانسي والأكشن والإثارة، لكن أصبحت الآفة الكبرى التي تعاني منها صناعة الدراما في مصر هى “الاقتباس”، أو الأخذ عن “فورمات أجنبية”، ومن هذه النوعية مسلسل “بلا دليل” ، والذي يعد أسوأ إنتاج لشركة “سينرجي” في موسم الشتاء الحالي.
“بلادليل” تم عرضه قبل من شهرين تقريبا على أنه ينتمى لنوعية الإثارة والغموض التي طالت كل الحلقات حتى اكتشاف من قتل “تيمور الهواري”؟ في تلك الليلة التي امتلأت بالألغاز وأسست بالتالي لمسلسل كان يبدو من أوله مثير للانتباه، لكنه للأسف لم يكن مقنعا على الإطلاق أن تطلق عليه “حبيبة” الرصاص أمام أعيننا، ثم نظل طوال الحلقات نبحث عن قاتل “تيمور” بطريقة عبثية تخلو من الحبكة الدرامية المتقنة، حتى نكتشف أن أخوها هو القاتب وليس هى.
ربما تكون هذه النوعية من المسلسلات غريبة عن عالمنا العربي بطباعة الشرقية، ولكن يفترض أنه إذا تم الاستعانة بـ “فورمات أجنبية”، أن يتم تمصيرها أو تعريبها على نحو جيد، وطبقا للأجواء التي نعيشها، فحتى الجريمة في المجتمع العربي لها خصوصية تجعلك تتعاطف أولا مع القتيل إلى أن تكشف الأحداث عن وجه الغموض الذي يمكنه أن يقلب مشاعرك تجاهه من جديد.
في حالة تيمور الهواري، فإن منطق الأحداث لم يقدمه على أنه شخصية يمكن أن تنتمي لعالمنا على مستوى الشكل الخارجي للشخصية، أو حتى الأحداث المبطنة التي تؤسس للتطور الدرامي، فهو في النهاية شخصية شاب لاهي، سكير، قاتل بالسليقة لخدمة أهداف والده رجل الأعمال الفاسد بأفعاله المشينة في تجارة الأدوية الفاسدة ، التي كانت سببا مباشرا في قتل ابنته فيما بعد.
على مستوى الأداء لايبدو أي ممثل في هذا العمل قد أجاد في دوره، أو كان على جانب من الاحترافية في الأداء سوى ثلاثة فقط هم “جمال عبد الناصر” الذي جسد دور “عصام الهواري”، رجل الأعمال الفاسد بطريقة متوزانة تعكس خبرته الكبيرة كممثل، “ونيقولا معوض” الذي لعب دور “تيمور الهواري” بطريقة سهلة وبسيطة جدا، ما تؤكد على نضجه الفني في الفترة الأخيرة، والثالث والأخير في منظومة الأداء الجيد، هو “محمد لطفي شاهين” الذي أدى دور “كريم الحسيني” بطريقة ساخرة تدهو للدهشة والتأمل في أداء هذا الممثل الذي أرى أنه لم يمنح بعد فرصة حقيقية حتى الآن، كي يعبر عن مواهبة وقدراته الفائقة الجودة على مستوى الكوميديا المخلوطة بحس تراجيدي ساخر.
المؤلفة “إنجي علاء”، والتي قدمت من قبل مسلسل “لعبة إبليس”، لم تتمكن هذه المرة من الغوص في أحداث المسلسل الذي أخدت عنه، كي تستلهم تيمة تصلح لمجتمعنا الشرقي، فقد ظلت الحبكة الدرامية مفقودة طوال الحلقات، حتى أنها في بعض الحلقات لم تتمكن من السيطرة جيدا على الأحداث المتداخلة بطريقة أربكت المشاهد، ناهيك عن حوار ساذج للغاية، ومن ثم كانت تلك أسباب كافية لأداء فاتر جدا لكل من “خالد سليم ودرة”، وباقي فريق العمل الذي تأرجح بين الانفعال بطريقة مفتعلة في قلب مشاهد مرتبكة وأحداث غير منطقية.
منال الصيفي مخرجة جيدة بلاشك، لكنها في هذا المسلسل حاولت قدر المستطاع أن تصنع قدرا من الإثارة، لكن على مايبدو أن الورق لم يمكنها من السير جيدا بأحداث منطقية تدفع نحو الإثارة، وذلك في ظل “فلاش باك” لم يساهم في تعميق الأحداث بحيث يجعلها أكثر قبولا من مشاهد أصابه الملل كثيرا، ربما لعدم سوية غالبية الشخصيات التي رسمتها “إنجي”، حيث تحظى غالبيتها بتراث سيئ ما أفسد لحظات الرمانسية التي حاول أن يترجمها “عمر بركات” أمام “حبيبة” لكنهما فشلا فشلا زريعا في إضاء جانب من الرومانسية يمكن أن يخفف من غموض جاء بطريقة ساذجة أفسدت العمل من جانب السيناريو.
على أية حال يمكن تصنيف “بلا دليل” كأسوأ عمل درامي تليفزيوني في موسم الشتاء الحالي، جراء سيناريو لاتبدو فيه أية علامات على نضج المؤلفة في ذهابها بنا طوال الـ 45 حلقة في حالة من البرود الذي يخاصم أجواء الإثارة التي حاولت صناعتها لكن خيالها القاصر لايرقى إلى مستوى الحبكة الدرامية الجيدة التي تصنع صورة مبهرة في ظل التطور التقني الذي تشهده الدراما التليفزونية الحالية في غالبية الأعمال.