أم كلثوم تهدي صباح واحدة من أرق أغنياتها
منذ منتصف الثلاثينات والوسط الفني يرتقب لقاء عناق حنجرة “أم كلثوم” بألحان الموسيقار “محمد عبدالوهاب” في لقاء فني، وقد تكررت اللقاءات الشخصية بين عملاقي الغناء أكثر من مرة، سواء فى سهرات خاصة أو مشاريع فنية، لكن كل هذه الأحلام أو المشاريع لم تخرج للنور، ففي منتصف الثلاثينات غنيا معا لحنا للموسيقار “سيد درويش”، حيث جمعت بينهما سهرة فنية فى بيت المحامي الشهير عاشق الموسيقى والطرب “محمود خيرت”، والد الموسيقار “أبوبكر خيرت” أول عميد للمعهد العالي للموسيقى العربية ” الكونسرفتوار”، وأول من أعاد توزيع ألحان الشيخ سيد توزيعا أوركستراليا عالميا فى مقطوعاته، فى هذه السهرة تمنى صاحب البيت “محمود خيرت” أن يسمع أغنية مشتركة بين “أم كلثوم” و”محمد عبدالوهاب”، فأمسك “عبدالوهاب” بالعود وراح يعزف لحن الديالوج الشهير “على قد الليل ما يطول” الذى قدم لأول مرة فى أوبريت “العشرة الطيبة” للموسيقار الخالد “سيد درويش”، وبدأ يدندن وتشاركه “أم كلثوم” الدندنة وبعد دقائق قليلة انطلق الصوتان معا، صوت “عبدالوهاب”، وصوت “أم كلثوم”، وهما يؤديان لحن “سيد درويش” غناء: على قد الليل ما يطول / حترضي بسهري ونوحي”.
لست أقوى على هواك ومالي
اللقاء الثاني كان عام 1944 حيث اجتمعا فى بيت الجراح المصري الشهير الدكتور”عبدالوهاب مورو”، فقد كان هاويا أصيلا للطرب والغناء وكان يحلو له أن يقيم فى بعض الليالي سهرات فنية فى بيته، تضم مجموعة من كبار المطربيين والمطربات ونجمات الشاشة المعروفات، وتضم أيضا كبار الكتاب والصحفيين والشعراء، وفى إحدى الليالي إجتمع “عبدالوهاب وأم كلثوم وفكري أباظة والشاعر الكبير كامل الشناوي وتوفيق الحكيم ، ومصطفى أمين ونجمة السينما ذائعة الصيت كاميليا” التى كانت رمز للاثارة والفتنة والجمال، وكانت تجمعها علاقة حب بالشاعر كامل الشناوي، وفى السهرة سألت أم كلثوم كامل الشناوي : ألم تحرك فيك “كاميليا” موهبة الشعر؟! كامل: لسه!
مصطفى أمين : لأ لأ يا كامل يا خويا دى حتى تبقى عيبه فى حقك، متحيز لها ولم تكتب فيها شعر حتى الآن، أقل من كامليا جمالا وكتبت فيهن شعر.
أم كلثوم : لأ وأيه شعر ” يهوس”
كامل: يا ست ثومة أنا في عرضك أنا مش قدك، أنا مستعد أديكي ” البكوية” بتاعتي بس تحلي عني.
أم كلثوم : لأ أنا مش عاوزة البكوية خليها لك أنا عاوزة شعر
كامل : شعر!
أم كلثوم : أيوه شعر في كامليا ولا أقول لكامليا عن اللي سبقوها في قلبك
كامل : لأ فى عرضك! خلاص هكتب، هاتولي ورقة وقلم.
وكتب يقول :
لست أقوى على هواك ومالي
أمل فيك فإرفقي بخيالي
إن بعض الجمال يذهل قلبي
فكيف كل الجمال”
ومجرد ما ألقى “كامل الشناوى” قصيدته حتى صاح الجميع إعجابا، وترنموا على إيقاع قصيدة “كامل الشناوي ” المرتجلة، وكان أكثرهم طربا وترنحا “فكري أباظة” الذى قام إلى العودالذى علقه رب البيت الدكتور “مورو” على الحائط، وجاء بالعود مقترحا على “عبدالوهاب” أن يلحن أبيات” كامل الشناوي”، وأن تغنيها ” أم كلثوم” وتهلل الجميع فرحا بهذا ااإقتراح ووافق “عبدالوهاب” على التلحين ووافقت الست على الغناء.
وقال عبدالوهاب في حماس: ناولنى العود يا خويا ناولنى، عنده حق كامل ما هو شاف ” كل الجمال”!
أم كلثوم ضاحكة: ما ظنش أنه لسه شاف ” كل الجمال”، لحن يا محمد لحن
وأمسك عبدالوهاب بالعود ومضى يلحن الكلمات، واستهوى اللحن أم كلثوم فراحت تترنم به فى صوت خفيض، ثم إنطلقت تغنى بملئ صوتها وإمتاعها، وتجلت وتسلطنت وتركت أداءها المعجز يقودها، وسط صيحات الحضور الذين استمتعوا بلحن لم يخرج للنور بعد إنتهاء هذه السهرة، حيث خشت أم كلثوم أن تغني لحنا لعبدالوهاب فتغضب عشاق صوتها، الذين كانوا يعتبرون عبدالوهاب عدوها اللدود.
أكتر من حياته
كان اللقاء الثالث عام 1959 حيث كتب الشاعر ” مأمون الشناوي”أغنية بعنوان “أكتر من حياته” ورأي أنها تصلح لتكون اللقاء الموعود بين “ثومه” و”عبدالوهاب”، وعرض الأغنية على صديقه الموسيقار “محمد عبدالوهاب” الذي سعد بكلمات الأغنية، واتصل بالست واسمعها كلمات “الكوبليه” الأول من الأغنية، وأعجبت به جدا، لكنها طلبت أن تسمع الأغنية كاملة من شاعرها “مأمون الشناوي” الذي سارع في اليوم التالي وذهب إليها، وقرأ عليها الأغنية كاملة، فأعجبتها مع تحفظ على بعض الكلمات والجمل، وطلبت من “الشناوي” ترك الأغنية لتعيش مع كلماتها، خاصة أن هذه الكلمات ستكون لقاؤها الأول بالموسيقار “محمد عبدالوهاب” الذي ترك فى هذه الفترة الغناء، وركز فى التلحين، وبدأت تحفظ كلمات الأغنية، وترددها بينها وبين نفسها، ونشرت الصحف بعض الأخبار عن لقاء أم كلثوم وعبدالوهاب في أغنية ” أكتر من حياته”، وبعد شهور من نشر الجرائد لخبر التعاون بين عملاقي الغناء، وجدت “ثومه” أن الكلمات لا تصلح لصوتها وأنها تحتاج مطربة أصغر سنا وأكثر جمالا منها، فتراجعت عن غنائها، وغضب “الشناوي” مما فعلته ” ثومه” وأخذ الأغنية وعرضها على المطربة “صباح ” التى قالت له: إنها سمعت أن “الست” ستغني هذه الأغنية، والموسيقار “محمد عبدالوهاب” يلحنها، فقال لها أم كلثوم بعد أن غيرت فى كلماتها، وبدلت رفضت تغنيها، وتنازل “عبدالوهاب” عن الأغنية لتلميذه وقريبه “رؤوف ذهني” الذي بدأ يلحنها بالفعل، فاتصلت “صباح” بالست، التى شجعتها على غناء الأغنية لأنها تليق على صوتها، ومليئة بالدلع الذي يناسب صوت “صباح”، وبالفعل غنت “صباح” الأغنية بلحن رؤوف ذهني والتى يقول مطلعها :
اكتر من حياته، من الحب ذاته
انا قلبى حبك اكتر من دقاته
ماهو انت حياته، واكتر من حياته
اكتر من حياته، ومن الحب ذاته
ماهو انت حياته، واكتر من حياته”