بقلم : الناقد المجهول
لابد أن تنتابك الحيرة والحزن والغضب بعد مشاهدتك لبعض أفلام منتصف العام التى تعرض حاليا فى دور العرض، وتبكي بالدموع على ثقل الظل والسماجة والرذالة التي تحتويها تلك الأفلام من ناحية، ومن ناحية أخرى على ضياع فلوسك مقابل حق تذكرة الدخول لدار العرض، فبعد مشاهدتي لأربع أفلام هى “الفلوس، لص بغداد، بنات ثانوي، يوم وليلة”، وجدت إنها مليئة بالعيوب والضعف في كافة زويا الفيلم، وبعضها فقير فنيا رغم الميزانيات الضخمة التى تم استهلاكها خاصة في فيلمي ” الفلوس” و” لص بغداد”.
لقد تصورت لبعض الوقت وأنا أتعذب فى مقعدي طوال ساعتين مدة عرض كل من”لص بغداد والفلوس” إنني أشاهد أسوأ فيلم، وأتوقع أن الفيلم الآخر الذي لم أشاهده سيكون هو الأفضل، ولكن النتيجة تكون أسوأ فأسوأ، وبعد مشاهدتي هذين الفيلمين تحديدا قلت ربما بعد كل فيلم هذا هو أسوأ فيلم شاهدته، لكني أعود وأتذكر إنصافا للفيلمي الذين شاهدتهما إنني رأيت أفلاما مصرية أسوأ منهما فى السنوات الماضية، وإننا سنرى بالتأكيد ما هو أفدح، طالما هناك أحد لا يخجل من التنافس على الإمعان فى الرداءة، بحيث يخطر لي أحيانا أن بعض مخرجينا ومنتجينا يدخلون فى مباراة سرية غير معلنة للحصول على جائزة ذهبية لأسوأ فيلم.
فلوس تامر المزيفة
تدور أحداث فيلم “الفلوس”، تأليف محمد عبدالمعطي، إخراج سعيد الماروق، على الصراع بين النصب والإحتيال واسترداد الحقوق، حيث يلعب “تامر حسني” شخصية “سيف” النصاب الذي يسعى للتعرف على “زينة” أو “حلا” التى تستخدمه لاسترداد أموالها من شريكها المحتال “سليم”، والذي يجسده “خالد الصاوي” بطريقة عصبية “أوفر”، ونكتشف مع مرور بعض الوقت أن “سيف” و”سليم” صديقان فى النصب ويلعبان معا فى إيقاع الضحايا.
قصة الفيلم الذي قام ببطولته “تامر حسني، خالد الصاوي، زينة، عائشة بن أحمد”، ليس فيه أي شيئا جديدا، وسبق وشاهدناها كثيرا فى أفلام مصرية وأجنبية بشكل أفضل مما ظهرت، كل ما شاهدناه إيحاءات جنسية، ومطاردات طويلة جدا تدعو للملل والوقوع في براثن العشوائية، وتصوير ليلي طوال أحداث الفيلم، وكأن النصابين والمحتالين لا يظهرون ولا يشتغلون إلا فى الليل، وشاهدنا شخصيات مبتورة لا تعرف لها أصل أو جذور، والشيئ المحزن أن يكون فى الفيلم مطرب بجماهيرية “تامر حسني” ولا يغني إلا أغنية واحدة هى “حلو الكلام يا أصحاب زمان”، ولا نستفيد من كونه مطربا محبوبا، أما الكارثة الحقيقية فى هذا الفيلم إنك تتعاطف مع أبطاله!، وتحب ما يفعلونه، لخفة ظلهم، خاصة “سيف وسليم” وكأن صناعه يرسون لمبدأ ترغيب الناس في النصب والإحتيال.
لص بغداد الخارق
الفيلم الثاني الذي جاء مخيبا للأمال هو “لص بغداد”، تأليف “تامر إبراهيم”، وإخراج “أحمد خالد موسى”، ويدور في جو من التشويق والإثارة حول مغامرة كوميدية تقع عندما يهم أبطال الفيلم لكشف الغموض عن مقبرة “الإسكندر الأكبر” التي يبحث عنها العالم منذ قرون طويلة، الفيلم بطولة “محمد إمام، فتحي عبدالوهاب، ياسمين رئيس، أمينة خليل”.
استهلكت المطاردات والمعارك التى تدور في الأرض والسماء والبحر، معظم أحداث الفيلم، وفى كل المعارك التى خاضها “يوسف” الذي جسده ” محمد إمام” يخرج دون خدش في وجه أو كدمه فى جسمه، فهو ” الهيرو” الذي لا يقهر ولا يهزم، ولا يتأثر بالرصاص، هو ” سوبرمان” والوطواط” فى رجل واحد، ومن حقه ضرب صديقه “محمد عبدالرحمن” على الفاضي والمليان، رغم أنه ينقذه فى المواقف الصعبة التى يتعرض لها، وطبعا من حقه أن يضرب طالما ابن ” الزعيم”!! وكأنه يعيد ما فعله والده عندما كان هو الآخر يضرب معظم من يشاركونه البطولة بدون سبب.
وجسدت أمينة خليل دور “نادية” المرأة الخارقة التى لا تضحك ولا تتكلم إلا بحساب وكلمات قليلة، كل ما تفعله إعطاء الأوامر، أما “فتحى عبدالوهاب” فهو رجل بسبع أرواح، مهما حدث له لا يموت، طبعا الكلام فى هذا العبث مضيعة للوقت!، فالسينما التجارية التى يجسدها فيلم “لص بغداد” لا تترك لنا أملا ولن تعطي أفضل من ذلك مع أننا لا نطلب أيه معجزات ولا نتوقع شيئا خارج منطق السينما التجارية نفسها الذي ندرك قواعده جيدا، ولكننا نطمع فقط فى قدر من المعقولية، قدر من احترام عقولنا بدلا من “هرش الدماغ” الذي شاهدناه فى هذا العبث المسمى مجازا “فيلم سينمائي”!.
للحقيقة وللتاريخ الذي تفوق فقط في هذا الفيلم هو المخرج ” أحمد خالد موسى” ، بل إنه يعتبر البطل الحقيقي لهذا الشريط بتكنيكه السينمائي عالي الجودة، وحركة الكاميرا السريعة المتلاحقة.
بنات ثانوي المنحرفات
حول خمس فتيات مراهقات تدور أحداث فيلم “بنات ثانوي” تأليف أيمن سلامه فى أول تجاربه السينمائية، وإخراج محمود كامل، تدور أحداث الفيلم حول بعض مشاكل الفتيات فى مرحلة المراهقة، بإحدى المدارس الحكومية المصرية، وتعرض كل منهن لمشكلات وأزمات اجتماعية، وهوس بعضهن بالتكونولوجيا الحديثة.
غلب على الفيلم المباشرة، والميلودراما الفاقعة وغير المقبولة، والتقليدية فى تناول المشكلات لخمس فتيات بعضهن من قاع المجتمع، وإن كان تفوق على فيلمي “الفلوس” و” لص بغداد” بتقديمه موضوع هام وملموس فى الشارع المصري، ولم يجنح إلى الخيال في تناوله لمشكلات البنات، وهذا الفيلم كأول تجربة للمؤلف ” أيمن سلامه” تعتبر جيدة، ونتمنى أن نرى له مزيد من التجارب السينمائية بشكل أنضج مما شاهدناه فى هذا الفيلم، لأن “سلامه” يتميز بأنه يملك القدرة على أن يحول المشكلات التى نتصور أنها تصلح فقط “مانشيتات” فى الصحف إلى عمل فني جيد.
سوداوية يوم وليلة
عن مجموعة من المهمشين المطحونيين فى الشارع المصري تدور أحداث فيلم “يوم وليلة”، تأليف يحيى فكرى، وإخراج أيمن مكرم، والفيلم شارك في الدورة الثانية من “مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي” بالمغرب، وحصل الفنان “أحمد الفيشاوي” على جائزة أحسن ممثل من المهرجان عن دوره في الفيلم، كما تم عرضه في مهرجان “مالمو السينمائي”، ضمن فعاليات الدورة التاسعة.
الفيلم رغم فقر انتاجه وسوداوية أحداثه، لكن يحسب له أنه واقعي جدا، ونماذجه موجودة فى الشارع المصري، والمصالح الحكومية، والمدارس، يمكن أن تتفق معها أو تختلف، لكنها موجودة بالفعل فى المجتمع الذي يموج بالأحداث ويطحن في طريقه كل من لا يتكيف مع الأوضاع الحالية وظروفه الإجتماعية، ويحسب لمخرجه “أيمن مكرم” ومؤلفه “يحيي فكري” أنهما استطاعا اقتحام الواقع المصري بهذا التناول الجرئ، حيث ناقشا أكثر من قضية من قضايا الاجتماعية اليومية ببساطة ووضوح بالنسبة لمشاهد يجب أن يدفعه الفن لاكتشاف واقعه، كان نجوم الفيلم ” خالد النبوي، حنان مطاوع، درة، خالد سرحان، أحمد الفيشاوي، فى أفضل حالاتهم الفنية، وذلك رغم سوداوية المشاهد في أغلبها.
الجمهور!!
بعيدا عن الأفلام الأربعة التى تناولناها نجد أن الجمهور وصل بدوره إلى مستوى معين، ولم يعد مستعدا لأن يقبل سوى التركيبة الحالية التى صنعها تجار السينما، وليس لدى معظم النجوم الحاليين من الشباب الدخول فى أي مغامرة سينمائية مختلفة، أو أن يغيروا من قناعاتهم ولا يغيروا ظروف السينما والجمهور معا ليصبحوا أبطالا أو شهداء، ولا يمكن لأي عبقري أن يطلب من أي منتج قطاع خاص أن يصنع شيئا مختلفا لكي يخسر فلوسه، إذا كانت تركيبة “لص بغداد والفلوس” هى التركيبة المضمونة والرائجة والتى تضمن نجاحا ” يكسر الدنيا”، إذن على الدنيا السلام ولا عزاء لجمهور يتعطش إلى سينما حقيقية على غرار “الممر ، الفيل الأزرق، نادي الرجال السري، الكنز، كازبلانكا” وغيرها من أفلام الحركة التي تجذب الجمهور حاليا”.