كتبت – كرز محمد
الدراما وفق المفهوم الإغريقي إلى ثلاثة أجزاء هي أولا: الكوميديا (الملهاة) ويعنى بها الأداء التمثيلي الذي يؤدي الى الضحك ممثلاً بالقناع الأبيض الضاحك، أي أنها لا تلجأ إلى الابتذال والسخرية بطريقة هزلية لا تهدف إلى معنى.
ثانيا: لون التراجيديا (الماساة)، وهي عكس الملهاة وفيها يكون الأداء التمثيلي من ذلك النوع الذي يؤدي الى الحزن ، ويمثله القناع الأسود الباكي، وعادة ما يرمز إلى مأساة إنسانية يمر بها شخص أو ربما مجتمع بأثره.
ثالثا: التراجيكوميديا (يقع بين الاثنين)، وهو نوع خاص من الدراما التي تعتمد قصص الأساطير، ويتناول شخوصها بعض السخرية، ويمكن ادراج بعض أنواع الكوميديا السوداء تحت هذا المسمى.
أما الـ (ميلو دراما) أو ” التراجوكوميديا” التي نشاهدها في بعض المسلسلات الحالية ، فلا تقع ضمن الثلاثة أنواع السابقة، ويمكن أن يطلق عليها “المهزلة الفنية” بكل أنواعها، بل إنه في غالب الأحيان تأتي في إطار ذو طابع مريب، فهى ترينا الأنذال والمغفلين، وترينا الأشرار والأبطال بطريقة السذاجة المتعمدة بهدف التغييب ومرور الأفكار الغريبة والمريبة على مجتمعنا الشرقي المحافظ ، وذلك بحسب ما هو موجود حاليا في بعض الأعمال مثل مسلسل “الآنسة فرح”.
فمسلسل “الآنسة فرح” مأخوذ من مسلسل أمريكى بعنوان “Jane the virgin” وهو دراما كوميدية رومانسية عرض خلال 5 أجزاء على قناة CW بداية من عام 2014 وبطولة كل من “Gina Rodriguez, Andrea Navedo, Yael Grobglas” ، وطبعا يبدو لنا أنه من المقرر أن يتم تقديم النسخة المصرية فى أكثر من جزء ليصل حسب ماهو مقدر له إلى (90 حلقة)، أي أننا سوف نتحمل ضياع وقتنا فيما لايفيد على مستوى الأداء المترهل والمغالاة والتكلف إلى حد الملل في أداء سقيم يصيب بالغثيان من جانب كل من “رانيا يوسف، أسماء أبو اليزيد، تامر فرج، محمد كيلاني، هبة عبد العزيز، جيلان علاء، مريم الخشت”، وحتى عارفة عبد الرسول التي لمعت مؤخرا في أداء تراجيدي يتسم بالروعة.
الخطوط الدرامية في هذا المسلسل تتمتع بقدر هائل من الارتباك والغموض الذي لايفضي في العادة إلى لغز يلفت نظر المشاهد ويشده للانتقال من حلقة إلى أخرى بطريقة تبعث على التشويق والإثارة، خاصة أن “فرح” قد حملت عن طريق تلقيح صناعي بالخطأ، وهو أمر غير وارد على الإطلاق في مجتمعنا الشرقي الإسلامي الذي يرفض قطعا مثل تلك “الخزعبلات” التي يعاني منها الغرب، بفعل التفكك والعلاقات المفتوحات وغيرها من ظواهر لاتناسبنا أو تتفق مع عاداتنا وتقاليدنا.
وعلى العكس تماما تأتي جرائم القتل في هذا المسلسل بطريقة ساذجة، وفي ظروف غير منطقية أومهيئة فنيا بحيث تم التأسيس لها بكتابة مميزة تقود عقل المشاهد إلى طريق محدد يمكن السير عليه في إطار الحكاية، فضلا عن حوار في أغلبه سطحي تافه لايشبغ رغبتنا في استمرار تتبع الأحداث إلى النهاية، وحتى طريقة العرض في بداية كل حلقة بالعودة إلى الوزاء عبر “فلاش باك” تبد غير منطقية، مايتسبب في العادة بارباك عقل المشاهد.
العمل في مجمله لايستحق المتابعة بالطبع لـ 90 حلقة كما هو مخطط له، لأنه ببساطة لايحمل قضية تمس المجتمع المصري والعربي، ومن ثم لا يستحق أن يذكر في تاريخ الدراما المصرية كعمل يندرج تحت تصنيف “التراجوكوميديا” أو حتى الـ “ساسبينس”، جراء سذاجة صناعه، والذين هم في الغالب يعانون من مشاكل نفسية معقدة، أو فراغ فكري ناجم عن حالة من الترهل والتفكك يمر بها المجتمع حاليا، ناهيك عن أنه تم الزج به في موسم الشتاء، والذي يتميز بمسلسلات ذات طابع “اجتماعي وكوميدي” على مستوى معقول من الجودة التي ننشدها في الدراما المصرية التي عانت كثيرا من الغرق في براثن العنف والعشوائية والتمادي في النيل من المرأة والمخدرات وغيرها من ظواهر لا تعكس بالضرورة جوهر الفن الحقيقي بقدر ما تسيئ إليه.