كتبت : كرز محمد
على مدار حلقات مسلسل “حواديت الشانزليزيه” والذي قدم “نوستالجيا” رائعة لزمن الخمسينات من القرن العشرين، يأتي ذلك المشهد الذي يؤدي فيه الفنان “إدوارد” الصلاة خاشعا متضرعا لوجه الله الكريم، بأن ينقذ ابنته من “داء السل” الذي ألم بها، والذي قدمه بطريقة تراجيدية صادقة للغاية، شديدة العذوبة إلى الحد الذي أبكى معه المشاهدين طوال الحلقة تعاطفا معه، ويبدو ملحوظا في أدائه أنه تحكم بالكامل في السيطرة على شخصية “محمود سليم” رئيس النيابة بصرامة، وقد عكس حالة التباين ما بين أدائه في أثناء التحقيقات، وبين دوره كأب وإنسان في بيته الذي شابه دفئ المشاعر وحنان الأبوة في أروع صورها.
بحرفية عالية جدا قدم “إدوارد دورا جديدا عليه من نوع التراجيدية الناضجة، حيث كان يستخدم جسده بمرونة تعكس إداراكه بكوامن شخصية ونفسية رئيس النيابة في كل مراحل تطورها مع الأحداث المعقدة، ليؤكد لنا إنه ما أن يصبح جسم الممثل عبارة عن تيار من الاندفاعات التي تتدفق بشكل ساحر، نراه متالقا بوصوله إلى حالات الصدق والإحساس المشحون بإنسانية تشعر بكل ماهو محسوس، وقد تم ذلك عبر الدخول في الأعماق الداخلية للشخصية وسبر أغوارها، تماما كما فعل “إدورارد” في كل مشاهده التي تتسم بالعمق والتفاعل مع شخصية “محمود سليم” بإيقاع منتطم دون أن تفلت منه لحظة واحدة، فبدا لي ممثلا من الوزن الثقيل الذي يقدم التراجيدي بطريقة أكثر نضجا من كل الكوميدي الذي قدمه من قبل.
بقي أن نقول أن مسلسل الشانزليزية جاء بمثابة تحفة فنية هى الأفضل بلا جدال في موسم شتاء هذا العام على مستوى القصة والأداء والإخراج والملابس والديكور الذي يعكس الحياة في شارع “عماد الدين” في فترة خمسينات القرن الماضي، ويؤكد في الوقت ذاته الأهم أنه أصبحت لدينا بوصلة واضحة لتلك النوعية من مسلسلات الحنن للماضي، وهى فى الغالب تشير الى الهدف الأكثر متعة ومنفعة للجمهور، وهى الإمتاع والإرشاد والإسقاط على حياتنا المعاصرة، فهى تمثل كثيرا الواقع الذى عاشه أباءنا وأجدادنا ومأمول أن نعيشه نحن الآن، بل وتنقد الواقع بأثر رجعي انتقالا إلى الأفضل.
بصراحة ودون مواربة موسم شتاء مصر (2019 – 2020) يبعث على الأمل في تقديم دراما يمكن أن توصف بأنها تقدم رسالة نافعة وباقية الى الجمهور عبر نوعية من مسلسلات ذات طابع اجتماعي وكوميديا نظيفة وإثارة منطقية، مايؤشر بأنها ربما تعيد الثقة وتمحو آثار العنف والعشوائي، بعد أن أخطأ كثير الكتاب والمنتجين في الدفع بنوعيات من الدراما الرديئة، بزعم انهم يعتقدون أن هذا ما يرغب الجمهور فى مشاهدته، لذا لجأوا إلى الغرق حتى الثمالة في براثن هذا الكم من العنف المتعدد الدرجات، من العنف ضد النساء إلى العنف ضد الآخر، أيضا هذا الكم من تدخين السجاير، فضلا عن كم من الألفاظ الجارحة ذات القبح البين، التى فى بعضها يخدش الحياء العام، وفي النهاية تستهدف ضرب البنية الأخلاقية للشباب في مقتل.