كتبت : كرز محمد
لم يكن هذا المشهد موجودا في خيال “يحيى فكري” مؤلف فيلم “يوم ولية” بنفس دقة وبراعة أداء “خالد النبوي” والطفلة “ميرنا” – من ذوي الاحتياجات الخاصة – وهى على حد قول “الصاوي” كانت مفاجأة في أدائها بتلقائية وعفوية شديدة ، حتى أنها كانت السبب الرئيس في نجاح الفيلم، فضلا عن أداء جيد إلى حد ما من غالبية فريق العمل الذين قدمو تراجيديا إنسانية حول ازدواجية المواطن المصري والتناقضات التي تحملها شخصيته في تيمة جيدة ومهمة ، خرج من رحمها فيلم “يوم وليلة” على نحو جيد في رصد إحدى أهم الظواهر الاجتماعية التي يعنيها المجتمع، وهى فكرة حلم الهجرة إلى الخارج.
لكن يظل مشهد “التنمر” بابنة “منصور الدهبي” من جانب مجموعة من الصبية في الحارة التي يسكنها هو “الماستر سين” لهذا الفيلم، والذي جاء على النحو التالي:
يدخل “منصور الدهبي” – الذي جسد شخصيته ببراعة “خالد النبوي” – الحارة مبتهجا بعد يوم عمل طويل، حاملا “حلاوة المولد”، وما أن رأى مشهد ابنة أخته ملقاة على الأرض وحولها الصبية يحاولون “التنمر” بها حتى جن جنونه، وصرخ بطريقة هيسترية: ماذا فعلتم بابنتي ياولاد الـ (….)، وظل يربت على رأسها وكتفيها مرددا: عملوا فيك إيه ياحبيبتي، وهى بفطرتها الطيبة وبعفويه من لايدرك خطورة الفعل المشين، ردت عليه قائلة: إنته كويس” وهو يطل في عينيها بنظرة تأمل وحسرة قائلا لها: “سلامتك”.
ثم يتركها جانبا للحظات قصيرة، ويعود من جديد لحالته الهيسترية وحمل أحد الصبية من الذين تورطو في تنمر ابنته قائلا : وديني لا أعلقكم ياولاد الـ (…..) متوعدا في ذات الوقت أهل الحارة الذين وقفوا يتفرجون على الاعتداء الصارخ على ابنته ، ورد عليه أحد المارة : معلش ياباشا .. قدر ولطف، فرد هو من جانبه بعنف الأب المصدوم في فعل الصبية بابنته: معلش إيه ، لو دي بنتك حتقول كده .. قدر ولطف .. إيه البلاوي دي؟!.
وما أن التفت إلى الناحية الأخرى حتى خاطبه أحد شباب الحارة قائلا: متعملش عقلك بعقل العيال ياباشا، دا حتى الشرطة في خدمة الشعب، فرد عليه بغضب شديد: “منصور الدهبي مش في خدمة حد” يابني.. أخدمكوا ليه؟ .. أحسن مني في حاجة؟، وبحسم شديد موجها وجهه يعلوه تكشيرة غضب : أنا مش خدام حد فيكم .. أنا سيدكم وسيد اللي خلوفكوا، ثم يزيحه جانب وفي غضب قائلا: غور..!.
ثم وجه حديثه للذين يطلون من شرفات منازل الحارة، وقال بأعلى صوته: هو انتوا وش يتخدم .. طب ليه؟، دا انتوا الصبح تطلبوا مني مصالح وبالليل تسيبوا عيلكوا يبهدلوا البنت.. أقسم بالله العظيم اللي حيجي جنب البنت تاني لأقصلوا رجله، وتحطوها حلقة في ودنكم بقى: “منصور الدهبي مش خدام حد”، ثم يكرر نفس الجملة مرة أخرى، مشيرا بإصابعه إلى أهل الحارة: “منصور الدهبي مش خدام حد”.
عندئذ ينتهي المشهد بوجوه أهل الحارة في حالة وجوم وترقب لمنصور، وهو يدور حول نفسه في حلقة مفرغة، ثم ينحني ويحمل ابنته قائلا : أنا كويس ياحبيبتي .. أنا جبت لك حلاوة المولد .. السمسمية والحمصية وكله، وهنا ربما أسهب المخرج “أيمن مكرم” في استخدام اللقطات القصيرة والتركيز الشديد على نظرات العيون وتعبيرات الوجه لكنه أجاد في ذلك، كما جاء في أداء خالد النبوي، والذي أكد في هذا المشهد، إنه مما لا ريب فيه أن الممثل واحدا من العناصر المهمة والأساس في تشكيل صورة العمل الدرامي، إذ إن فن الممثل يقوم على مبدأ المحاكاة أو تمثيل الآخرين، وذلك من خلال معايشتهم اجتماعيا ونفسيا وجسميا وصوتيا، تماما كما فعل النبوي مع شخصية “منصور الدهبي” طوال الفيلم، فضلا عن معايشته الكاملة للشخصية عبر الصوت الخاص بها، وهى صورة أو هيئة تخصه هو دون غيره، وكان صوته قادر على أن يعبر باللغة التي تناسب الشخصية وانفعالاتها التي يمليها الموقف الاجتماعي والنفسي والطبيعة الانفعالية وتفاعلها جميعا وفقا لإيقاع الفيلم بشكل عام.