فى مسألة المهرجانات و جوائزها !
بقلم المخرج المسرحي : عصام السيد
عندما سافرت فى بداية حياتى الفنية إلى عديد من المهرجانات المسرحية العربية ، حضرت أكبر ثلاث مهرجانات عربية فى ذلك الوقت وهى: “قرطاج ودمشق وبغداد”، وكانت أولى المرات التى قدمت فيها عملا فى مهرجان دولى كانت فى “دمشق عام 1986″، ثم تم تكريمى فى نفس المهرجان عام 2010، وطوال تلك السنوات كانت المهرجانات المسرحية العربية وسيلة للتعارف والتثاقف والائتلاف نسافرها بكل الفرح والحب والشوق للقاء الزملاء والأصدقاء، وأيضا الفرقاء، ومازلت أذكر بكل الود سهراتنا ومناقشاتنا واهتمامنا بمعرفة شيوخ المهنة فى كل قطر .
عدت من دمشق – على سبيل المثال – بحقيبة سفر ضخمة مليئة بالكتب وقلبا زاخرا بعشرات الصداقات مازالت ممتدة حتى اليوم بمن ظلوا على قيد الحياة ، وذكريات كلها الود والمحبة لمن غادرونا ومازال عشقى لدمشق قائما شعبا و ثقافة و مثقفين.
وإلى “مهرجان بغداد” سافرت مرتين: فى الأولى ضيفا و فى الثانية لأقدم عرضى الشهير “أهلا يا بكوات” وفى المرتين لقيت من المحبة زادا مازال يعمر القلب برغم تباعد السنين، ومازلت أفخر بأصدقائى الفنانين العراقيين.
وهكذا الحال فى كل مهرجان شددت إليه الرحال، يستوى ذلك بين المشرق العربى و مغربه ومن الخليج حتى الأردن، أى بطول وعرض الوطن العربى كانت لى صداقات وذكريات وفرحة بلقاء أصدقاء وسعادة باكتشاف المزيد من زملاء المهنة التى سرعان ما يتحولون إلى أصدقاء شخصيين.
و لكن – للأسف الشديد – بعد أن صارت كل المهرجانات تعطى جوائز – أصبحت المهرجانات العربية وسيلة للخلاف وللصراع والتراشق، وبعد ان كانت أياما للفرح و اللقاء و التواصل أصبحت أياما للتربص والتوجس و الانعزال.
لقد أخرجت تلك المهرجانات أسوأ ما فينا، صرنا نعترض بأرخص الأساليب و أدناها على قرارات لجان التحكيم، و يكون الرد بنصب سرادق الإهانات والشتائم على وسائل التواصل، و فات على الجميع أن أى جائزة لا تعنى أنك الأفضل، ولكنها ربما تعنى أن عملك هذا، فى ليلته هذى، من وجهة نظر اللجنة تلك، هو الأكثر اكتمالا .
وفات المعترضين على منح الجائزة لهذا أو ذاك إنها ليست جائزة أبدية و أن خلافك مع نتائج التحكيم لا تعنى أنك الأصوب والأكثر فهما وفنا، بل هو رأى يحتمل النقاش و الجدل كرأى لجنة التحكيم .
وفاتنا جميعا أننا لم نعد نقدم “مسرح عربي” بل “مسارح عربية” لكل منها خصوصيتها وتفردها، وأن ما يمكن أن يفوز فى مهرجان ليس بالضرورة أن يفوز فى مهرجان آخر لاختلاف أذواق المحكمين، وأيضا لاختلاف مفهومهم عن ضرورة المسرح، بل ضرورة الفن بشكل عام.
ونتاجا لهذا فات صاحب الجائزة أن فوزه لا يعنى “صكا” بالنجاح فى العرض العام سواء فى دولته أو فى دولة أخرى، بل إن النوعية التى تكرس لها بعض المهرجانات تعيد علينا طرح السؤال البديهى: المسرح لمن ؟.
هل تقليد كل ماهو غربى هو الأجدى و الأنجع ؟، أم العودة إلى التراث و الغوص فى أعماق ثقافاتنا العربية ؟.
سواء كانت الإجابة بهذا او بذاك إلا أننا نواجه بمجموعة سمات غريبة لمعظم مسرحيات المهرجانات: أولها كثرة استخدام الدخان الذى يعمى العينين و يسبب ضيق التنفس للمشاهدين، و لا نرى لاستخدامه ضرورة ، وثانيها الإصرار على إضفاء جو من الظلمة الخانقة، مما يجعلك كمشاهد تعانى كى ترى الممثلين، و ثالثها أن يكون العرض غير مفهوم وملتبس ومشتت ( بكسر التاء الأولى و فتحها معا )، مما يجعل المشاهد العادى – والمستهدف من فن المسرح بشكل عام – يهرب من تلك العروض.
وينتهى مهرجان ليبدأ آخر، ونعود لنفس الدائرة نتناحر ونختلف ونسب ونلعن وتصل المسألة لأقصى الحدود، و تظهر أسوء معانى الشوفونية، و تبرز أقصى اشكال النرجسية، و تصبح الجائزة لعرض ما هى جائزة “للبلد” و عدم حصول فنان ما على جائزة هو اهانة ” للبلد”، أذكر اننى اثناء رئاستى للجنة التحكيم فى مهرجان ما اتهمت بكراهيتى لقطر عربى شقيق، وذلك لأن فرقة تنتمى إليه لم تحصل على الجائزة الكبرى، برغم حصولها على عدة جوائز أخرى .. لعن الله الجوائز و لعن الله التجاوز!.