تامر مرسي.. “مايسترو” الدراما المصرية
بقلم : محمد حبوشة
بعد سلسلة نجاحات كبيرة حققها على مدى سنوات من العمل في حقل الإعلانات والإنتاج الدرامي، أصبح ذلك مؤشرا مهما لدخوله سوق الإنتاج الدرامي وبكثافة من أوسع أبوابه، وبعد أن حول دفتها بـ 360 درجة عام 2017، قالوا عنه “عملاق الدراما المصرية”، وربما كان ذلك جراء سعيه لخطة طموح لعودة الريادة لمصر فى مجال الإنتاج الدرامى وفق إجراءت إصلاح هيكلية وضعها نصب عينيه طوال الوقت، وتمثل ذلك في خطة تعتمد محاورها على عدة عناصر أولها: إنه يجب أن تتسم الدراما التى تقدمها شركته “سينرجي” بالجودة الفنية والتقنية، وأن تهتم بالمسلسلات التليفزيونية على اختلاف اشكالها وألوانها، وعرضها لمشاهديها طوال العام في موسم مختلفة، وليس فقط خلال شهر رمضان.
إنه باختصار “تامر مرسي” أو “مايسترو الدراما المصرية” الذي أصبح مؤخرا مثارا للجدل، وذلك بحكم أنه أصبح علامة فارقة في سوق الإنتاج الدرامي، ومن ثم تطارده الشائعات بين حين لآخرن تتهمه تارة بالاحتكار وأخري بالسيطرة على سوق الإنتاج والقنوات العارضة بحكم علاقته القوية والقريبة من النظام، وبين ليلة وضحاها ظهر الفاسدون على الساحة الفنية – دون خجل أو خشية من ماضيهم الأسود – ظهروا كخفافيش الظلام ليوسوسوا بطريقة شيطانية فى آذان المحيطين بهم، ولسان حالهم يقول بأن النجاح فشل، طالما أنه ليس فى صالحهم، أو يصب في جيوبهم، وهم لايتورعون من إطلاق الشعارات الكاذبة بأن الدراما المصرية تنهار.
ومع احترامنا لأعمالهم الجيدة فلم تكن تلك مسلسلاتهم خالدة في صناعتها وبالتالي تستحق العرض فى هوليود، وبلا أدنى خجل هم لايعترفون أنهم في الأصل يجدون صعوبة فى تسويقها لدرجة أنهم كان يقدمونها للفضائيات دون الحصول على عربون كمقدم مادى من الأساس، ثم يخرجون علينا كي يدلوا بتصريحات صارخة حول احتكار”سينرجي” لسوق الدراما والسيطرة على الفضائيات العارضة، وهى في الواقع تصريحات في مجملها كاذبة ولا تعكس الواقع الحقيقي، حيث أنهم قبل موسم رمضان 2019 جلسوا جميعا مع “تامرمرسي” ووضعوا الأسس لضبط السوق وخفض أجور النجوم الذين خرج بعض منهم يتشدق بكلمات مغلوطة حول استهدافه ومحاربته.
وللأسف الشديد فإن بعض المنتجين الذين أُغلقت شركاتهم على مدار الست سنوات السابقة هم الآن بالفعل أصبحو صيدا جيدا لتنافس النجوم الكبار من الممثلين والمخرجين، حتى أن بعضا منهم تنافس على الفرس الخاسر، دفعوا بأجورا مبالغ فيها حتى يستمر فقط على الساحة، ثم سرعان ما أدركوا أن العملية أصبحت خسائرها فادحة، فالأموال التى أغدقت على العمل لم يستطيعوا تحصيلها مرة أخرى، ولم تقدر الفضائيات على دفعها، بعدما أصبح العائد الإعلانى لايجدي شيئا، لأنه من الأساس أقل من أجورهؤلاء النجوم.
وبالمقارنة بين هؤلاء مع عدد كبير من نجوم الدراما التليفزيونية الحقيقيين ممن وضعوا الأسس الدرامية عبر مئات من المسلسلات التي أثرت الشاشة المصرية طوال الأربعين سنة الماضية، والتى بدورها أيضا شكلت وجدان الهوية المصرية والعربية، وناقشت مشكلاتنا بضمير حي وواقعية اجتماعية بالغة الدقة والموضوعية خلال فترات متفرقة من الزمن فى الثمانينات والتسعينات وما بعدهما، وبعضهم الآن – ممن بقي على وجه الحياة – يقف في عجب ودهشة من أجور النجوم خلال الـ 6 سنوات الأخيرة، بل إن أحدهم أصيب بصدمة جعلته يترك الوسط الفنى بأكمله ويجلس في بيته حزنا على تلك الأوضاع المؤسفة.
لقد جاءت شركة “سينرجي” بقيادة “تامر مرسي” عبر مجموعة “المتحدة” بأيادى وعقول على قدر كبير من الخبرة والمسئولية عن صياغة الوجدان المصري بشكل جديد ومختلف، وظل واقفا كأسد جريح متصديا لعدم انهيار صناعة مصرية استطاعت أن تساهم في تشكيل وجدان أمتنا العربية بكاملها من المحيط إلى الخليج، ووقفت كحجر عثرة ضد طوفان الدراما “التركية والإيرانية والمكسيكية”عبر سنوات طويلة ماضية، كان “تامر مرسي” يعمل كقبطان مغامر في بحار تلك الصناعة الثقيلة، يخوض الموسم الواحد بانتاج العديد من المسلسلات التى يعمل فيها بالطبع الآلاف خلف الكاميرات وأمامها في غرف المونتاج والمكساج وغيرها من مردافات صناعة الدراما.
وعندما شعر “تامر مرسي” بالخطر في لحظة فاصلة من عمر وطن يواجه إرهابا فكريا يفوق إرهاب المواجهات العسكرية، سعى لتنظيم العملية الإنتاجية على أسس سليمة وبمعايير معقولة يمكنها الحفاظ على الهوية الدرامية المصرية، وواجه بشجاعة كل التحديات وأبرزها المبالغة في أجور النجوم، والتي برزت كأهم أسباب هدم الصناعة حين أجلست كثيرين فى منازلهم، وفي نغمة نشاز خرج كثيرون عن النص من المنظرين والمنتفعين وظلوا يتشدقون دون مواربة عن الاحتكار، ويرددون الشعارات الكاذبة عن سيطرة “سينرجي” على سوق الدراما المصرية وأنه “غول” لايتيح فرصة لغيره في المشاركة.
الأمر المؤكد أى مشروع أو خطة جديدة لابد أن يكون نتائج مرضية تم تنفيذها فى العام الأول، وربما لن تكون بنسبة 100 %، وبحكم معرفتي التامة بتلك النتائج أرى وبشكل موضوعي أنها كانت مذهلة في موسم 2019 بالوصول إلى نقطة توزان بين ماصرف على إنتاج مسلسلات “سينرجي” وعوائدها من الإعلانات، لم يكن يتوقع “تامر مرسي” وشركائه من المعاونين، وعلى رأسهم “حسام شوقي” بهكذا نتائج، وهنا أحب أن أوضح تلك الحقائق لمطلقي الشائعات من المنظرين الذين يدعمون بغبائهم “أجندة الإخوان الإرهابية”، وذلك عبر كتائبها الألكترونية حول هذا الكيان الذي أصبح عملاقا، وبالتالي يقف الآن حائلا ضد كل مروجى تلك الشائعات الذين سرقوا أموال “ماسبيرو وقطاع الإنتاج بمدينة الإنتاج الإعلامى”، ودمروا “شركة صوت القاهرة”، وهذه الهيئات الحكومية الثلاثة والتى تخصصت فى إنتاج الدراما التليفزيونية للأمانة وللتاريخ قدمت أفضل ما يكون على مدار عقود طويلة على مستوى الشكل والمضمون.
مرسي” استطاع خلال العشر سنوات الماضية أن يصبح واحدا من أهم وأبرز المنتجين على الساحة الفنية المصرية والعربية حتى أصبح يلقب حاليا بـ “عملاق الدراما”، وكان أول عمل درامى انتجه هو مسلسل “حق مشروع” للنجم حسين فهمى “2007” أي قبل 13 عاما لتتوالى بعدها النجاحات وإنتاج المزيد من الأعمال الدرامية، منها مسلسل “قلب ميت” لشريف منير” و”أدهم الشرقاوى” لمحمد رجب عام 2008، وقدم مسلسلى “بشرى سارة” و”حدف البحر” فى عام 2009، وكان عام 2010 هو البداية القوية والانطلاقة الكبرى لشركة “سينرجى” من خلال انتاج ثلاثة مسلسلات هى “بره الدنيا، أزمة سكر،أغلى من حياتى” والأخير للنجم محمد فؤاد.
ولقد كان مسلسل “فرقة ناجى عطا الله” لعادل إمام هو العلامة الفارقة في مشوار “تامر مرسي” حتى أصبحت هناك ثقة كبيرة بينه وبين “الزعيم” ليقوم بانتاج كل الأعمال الدرامية له منذ عام 2012 وحتى الآن، حيث أنتج مسلسل “العراف” عام 2013 و”صاحب السعادة” عام 2014، و”أستاذ ورئيس قسم” عام 2015 ، و”مأمون وشركاه” عام 2016 و”عفاريت عدلى علام” عام 2017، ليصبح بذلك تامر مرسى هو شريك الزعيم عادل إمام فى النجاحات التى حققها خلال 6 سنوات فى أعماله الدرامية.
بعد هذه الأعما نجح في تحويل مسار الدراما 360 درجة، من حيث نوعية الأعمال التى الكوميدية والتراجيدى والأكشن وغيرها، وأضاف لسجل انتاجه للزعيم أكثر من عمل درامى مع كبار النجوم، منهم مصطفى شعبان بمسلسل “اللهم إنى صايم” ومع يوسف الشريف بمسلسل “كفر دلهاب” ومع طارق لطفى بمسلسل “بين عالمين” ، فضلا عن ماتبع تلك الأعمال من مسلسلات أخرى لهذه الكوكبة من النجوم في أعوام “2018، 2019″، وعلى مسنتوى النجومية النسائية انتج مسلسل “هربانة منها” لياسمين عبد العزيز فى أول عمل درامى من بطولتها، و”أرض جو” لغادة عبد الرازق و”لمعى القط” لمحمد عادل أمام و”طاقة نور” لهانى سلامة و”وضع أمنى” لعمرو سعد.
بهذه الأعمال وغيرها من مسلسلات مهمة شهدها عام “2019” مثل” كلبش 3″ لأمير كرارة ، “لمس أكتاف” لياسر جلال، “هوجان” لمحمد عادل إمام، “لآخر نفس ” لياسمين عبد العزيز، “زلزلال” لمحمد رمضان، “البرنسيسة بيسة” لمي عز الدين، “حكايتي” لياسمين صبري، “بركة” لعمرو سعد، “بدل الحدوتة” لدنيا سمير غانم “ابن أصول” لحمادة هلال ، “الواد سيد الشحات” لأحمد فهمي، “أبو جبل” ، قمر هادي” لهاني سلامة، “علامة استفهام” لمحمد رجب، “طلقة حظ” لمصطفي خاطر.
وللحقيقة فقد أخذ “مرسي” على عاتقه تهيئة الأجواء منذ ثلاث سنوات تقريبا، وكانت ذروة “أسباب وأبعاد تدهور صناعة الدراما في مصر” تعزى إلى أن سوق الدراما المصرية يعاني تشوهًا في هيكلها الإنتاجي، إذ يبلغ عدد الشركات العاملة في صناعة الدراما قرابة 500 شركة، تستأثر نسبة تقل عن 5% من مجموع هذه الشركات بمعظم المعروض الدرامي، هذا فضلًا عن موسمية الطلب، حيث تعتبر صناعة الدراما واحدة من أكثر الصناعات الموسمية في الاقتصاد المصري، فبعد أن كانت تقتصر فترة رواجها على شهر رمضان الذي يستحوذ بدوره على أعلى نسب للمشاهدة، أصبحت عنالك موسم موازية، وهو بالتالي ما يولد أعلى معدل للإيرادات التليفزيونية طوال السنة.
يجري حاليا في الأوساط الفنية تساؤلات ملحة عن رمضان 2010، وهل يتكرر إنتاج “سينرجي” لعدد أكبر من المسلسلات كما تم العام الماضي لكن هذه المقولات حسمها مؤخرا بيان صدر عن إعلام المصرين وعلى عهدة المنتج “تامر مرسي” أن الشركة قامت بالفعل باختيار عدد من المنتجين بالقطاع الخاص للتعامل معهم ومنحهم تكليفات بشروط معينة وضوابط إنتاجية منتظمة، ومن هنا نتوقع أن يحدث حراكا في الوسط الفني، خاصة ان مساحة تواجد المصنف المصري علي الشاشات العربية قد تقلص العام الماضي في معظم القنوات العربية، بل إن البعض أطلق على موسم دراما “رمضان 2020” شعاره “عودة الكبار” إلى حضن الدراما المصرية.
“سينرجي” من جانبها أعلنت مؤخرا عن إنتاج مجموعة جديدة من المسلسلات الدرامية خلال الفترة المقبلة في موسم رمضان وغيره من مواسم موازية، وأكدث في الوقت ذاته أن تلك المواسم ستشهد عودة أسماء كبيرة على مستوى الإخراج والكتابة، وذلك بهدف إنقاذ صناعة كانت تُستخدم لتدمير الهوية المصرية وإفساد السوق الدرامى، لقد كانت حرباً شرسة لترويض السوق وإقناع النجوم بتخفيض أجورهم وضبط ميزانيات أعمال تجاوزت بعضها المائة مليون جنيه، يذهب 60 مليوناً منها كأجر لنجم العمل يمفرده.
كما تدرك “سينرجي” في الوقت ذاته أن السوق الدرامى لم يعدة محصوراً على مجموعة من أسماء المخرجين وورش الكتابة فقط، فبعد إعادة ضبط السوق وأجور النجوم، بما يتناسب مع العائد الإعلانى، فتح الباب من جديد للجميع ليعملوا فى ظل قواعد وشروط تضمن عدم تحقيق أى خسارة تذكر، على عكس سنوات “الانفلات الإعلامى”، التى كانت تشهد سنوياً خسائر بمئات الملايين، ورغم ذلك تستمر القنوات فى تحمّل هذه الخسائر، وتستمر أيضاً فى المزايدة على أسعار النجوم والمسلسلات وكأنها تدير عمليات كبيرة لغسيل الأموال، نجحت إذن خطة “تامر مرسى”، الذى تحمل عبء المغامرة والانتقادات الكبيرة حتى يستطيع تنفيذ خطة الإصلاح الدرامى وتعبر الصناعة نفقاً مظلماً لا يتوقع أحد ما ينتظرنا فى نهايته، لكن تبقى إشكالية المحتوى الدرامى ونوعية الأعمال المقدمة، التى يتم تداركها الآن بعودة كبار الكتّاب والمخرجين للمشهد مرة أخرى، ليتم المزج بين روح الشباب وسنوات الخبرة، لصناعة محتوى درامى يليق بمصر وتاريخها الدرامى الكبير.