رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حوار جدلي بين (أمير عيد) و(كامل الباشا) في نهاية (دواعي السفر)!

كتب: محمد حبوشة

على الرغم من أجواء الكآبة والملل في أحداث تبدو بطيئة نوعا ما إلا أن مسلسل (دواعي السفر) نجح في إثارة مشاعر الجمهور نحو الوحدة القاتلة والونس الذي جسده أولا (أمير عيد وكامل الباشا) من بداية الأحداث حتى نهايتها.

ربما أثار مسلسل (دواعي السفر) حالة من الضجة الحميدة ودفعة قوية من المشاعر الإنسانية الدافئة، وسرعان ما احتل المسلسل المرتبة الأولى ضمن قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة، في حين شرع الجمهور في تداول أخباره ومشاركة مشاعرهم تجاهه عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ظني أن (دواعي السفر) عمل درامي اجتماعي نفسي بجدارة تختلط فيه التراجيديا مع الكوميديا السوداء، حيث يحكي قصة (القبطان إبراهيم/ كامل الباشا)، ذلك العجوز المتقاعد، الذي تركته ابنته وسافرت إلى أستراليا من أجل الدراسة.

وفي سبيل طمأنتها وعدم حثها على العودة أو العيش بجواره خلال مرضه في أيامه الأخيرة اختلق القبطان المتقاعد عوالم كاملة ومتداخلة بالكذب في محاولة لإشعار ابنته (سلمى) بأنه ليس وحيدا ومشغولا طوال الوقت.

وفي خط درامي آخر يظهر لنا مخرج الإعلانات (علي/ أمير عيد) الذي أدخل نفسه في معاناة بعد رحيل والده، وذلك في ظل عدم قدرته على التأقلم مع الحياة مع من حوله، ومشاعره المكبوتة الممزوجة بالغضب من جهة، والذنب الذي يشعر به تجاه والده الذي رحل غاضبا عليه، من جهة أخرى.

بحسب أحداث (دواعي السفر) يقرر (علي) العودة إلى منزل طفولته لإنهاء حياته هناك بالانتحار بتناول بعض العقاقير، لكن في أثناء ذلك وقبل أن يرتكب فعلته يصاب جاره القبطان بذبحة صدرية يضطر علي على إثرها لنجدته.

ومن هنا تخدم الظروف (علي) في تأجيل انتحاره فترة للوقوف إنسانيا إلى جانب جاره (القبطان) المصاب بالقلب، ومنحه دوافع للحياة ومساعدته على تحقيق الكثير من أحلامه المختلقة التي تعلق بها قبل أن يرحل.

أعضاء (نادي الوحدة) يحتفلون بعيد ميلاد القبطان إبراهيم

(نادي الوحدة) الذي جمع الأبطال

لكن الرياح عادة تأتي عكس حركة الحياة الطبيعية، فلم يحسب الاثنان حسابه أن يغير كل منهما حياة الآخر رغم تناقضهما الصارخ في الظروف والملابسات، ومن ثم يجبران بعضهما على رؤية جوانب أخرى من العالم ربما تكون جديرة بالعيش.

(نادي الوحدة) هو إحدى الفعاليات التي جمعت أبطال العمل وآخرين يشبهونهم من حيث السقوط في براثن الوحدة وافتقاد الونس، وفي محاولة جماعية لكسر هذا القالب والشعور بالمؤانسة اندمج الجميع في جلسات النادي.

ولما كان (دواعي السفر) يسلط الضوء بالأساس على مشاعر حزينة يعاني منها الكثيرون ممن حولنا تردد بعض من الجمهور قبل البدء بمشاهدة المسلسل خوفا من أن يزيد أوجاعهم، أو يجعلهم يصطدمون بحقائق مؤلمة يرفضون مواجهتها أو يؤجلون ذلك إلى حين.

يقول (محمد ناير) المولف حول تجربته (دواعي السفر) التي تعد تجربته الإخراجية الأولى، رغم تجاربه السابقة في مجال التأليف للسينما والدراما، وهو ما وصفه بخطوة تأخرت 20 عاما (بسبب الكسل).

لكن في (دواعي السفر) حان الوقت للتعبير ليس بالكتابة فقط، وإنما الصورة والرؤية، خاصة أن الكتابة بالنسبة له أصعب وأعمق من الإخراج الذي ليس إلا تجسيدا لحالة الخلق الأساسية التي ولّدتها الكتابة.

أما عما منحه الثقة والهدوء الظاهر بوضوح كحالة عامة على الشاشة فهو تعاونه مع أصدقائه مثل (أيمن إلهامي) المسؤول عن الديكور و(أمير عيد) من جهة، وفهمه الكامل للفلسفة التي أراد طرحها عبر العمل.

من جهة أخرى في ظل إصراره على أن يبدو العالم بالمسلسل بعيدا عن صخب الحياة والتركيز على حياة الأبطال البسيطة حتى يستطيع المشاهد الانتماء إلى هذا العالم والتماس مع الأبطال.

والمسلسل يحوي كثير من المواقف الإنسانية عن الوحدة والوحيدين وعلاج فعال ومباشر للباحثين عن الونس والألفة، قدمت قصته في إطار يجمع بين الدراما والكوميديا السوداء، وهنالك أكثر من (ماستر سين) في (دواعي السفر) لكني أتوقف عند هذا المشهد:

بعد أن قضى أعضاء (نادي الوحدة) أياما رائعة في أجواء الفيوم الساحرة احتفلا بعيد ميلاد القبطان إبراهيم، وهم على وشك العودة إلى القاهرة..

اليوم اللي تقدر تواجه فيه مشاكلك.

جدل وعتاب بين علي والقبطان

على يلتقي القبطان إبراهيم على السلم ويسأله ماذا قال لابنته سلمى: انت قلته لها ايه.. برضه أقنعتها ترجع أستراليا غصب عنها.. هو انت ليه عاوز تعكنن على الناس اللي حواليك؟.. كل الناس دي متجمعة علشان تبسطك وتكون مبسوط.. أول ما حد يعمل حاجة مش على مزاجك.. يبقى طظ فيه يعني!

لو انت عاوز ترجع براحتك

القبطان إبراهيم: لو انت عاوز ترجع براحتك.. من فضلك زي ما أقنعت سلمى انها ترجع.. أرجوك اقنعها تسافر تاني.

علي: طيب لو أنا مشيت معاها وهى مش هنا.. حتفضل برضه تقنعني اني أبعد عنها؟

القبطان إبراهيم يغير مسار الحوار: انت ليه فكرت في الانتحار؟

علي: ما انت عارف!

فضلت تعافر في الدنيا!

القبطان إبراهيم: أنا سمعتك وطبطت عليك.. وزعلت عشانك.. بس أنا ما قلتلكش اني عرفت السبب اللي خلاك تحاول الانتحار.. انت مزعلتش علشان والدك مات من غير ما تودعه .. كلنا بيحصل معانا نفس الحاجة.. ناس بنحبها.. مبنلحقش نودعها.. انت زعلت علشان مش قادر تعمل اللي انت عاوزه..

فضلت تعافر في الدنيا.. الشغل.. الشركة.. الإعلانات.. شريفة.. لبسك.. العربية.. صحابك.. علشان عاوز تثبت لأبوك وأمك انك أقوى من اللي عملوه فيك وانت صغير.. نسيت أهم حاجة في الدنيا.. نسيت تعيش!

علي: ايه علاقة ده بسلمى؟

انت ليه فكرت في الانتحار؟

القبطان إبراهيم: اليوم اللي تقدر تواجه فيه مشاكلك.. هو اليوم اللي حتعرف فيه نفسك على حقيقتها.. أرجوك متخلش سلمي تضيع حياتها هنا.

يخرج القبطان إبراهيم من الكادر تاركا على واقفا يتأمل مستقبله القادم!

على وسلمي في المطار في طريقها لصعود الطائرة المتجهة إلى سيدني
علي وسلمى يجتران الماضي وهما في انتظار الطائرة

بعدها بأيام قليلة يقرر على السفر مع سلمى إلى أستراليا وتنتهي الأحداث المفعمة با الإنسانية، وهما يجتران الماضي في قاعة انتظار صعود الطائرة على إيقاع أغنية جميلة، وبصوت (أمير عيد) حيث يجمع بين الحزن والفرح تقول كلماتها:

واحدة بعد نص الليل

واحدة واقفة بيني وبينك

واحدة قالت انت فين؟

وأنا ماشي كنت يوم بعيد

هو هو مفيش جديد

زي القمر بعيد وحيد

بس عالي في السما

وأروح لفين دا أنا من يومين

الحلم نومة وخطوتين

أروح لفين تبقى معايا

نحلم سوا احنا الاتنين

أروح لفين؟!

دا أنا من يومين

الحلم نومة وخطوتين

أروح لفين تبقى معايا

نحلم سوا احنا الاثنين

أروح لفين؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.