“الحب فوق هضبة الهرم” يرصد مشاكل الشباب عبرالزمان
* عرض الفيلم في مهرجان ” كان” وسط حفاوة عربية رائعة
* مازالت المشكلة التى طرحها الفيلم منذ 35 عاما حاضرة بقوة
* يوسف شاهين يحضر العرض الخاص للفيلم في كان ويقبل تلميذه
كتب : أحمد السماحي
“الحب فوق هضبة الهرم” رواية للأديب العالمي “نجيب محفوظ” حول مشاكل الشباب في عدم القدرة على الزواج، وقلة الدخل، وعدم العثور على عمل مناسب، أوالسكن لممارسة حقهم في الحياة، وهى تعتبر من أجمل وأكثر الروايات واقعية لصاحب جائزة نوبل، وتدور القصة حول شاب وفتاه يتزوجان سرا نظرا لعدم القدرة على تكاليف الحياة الباهظة، وحين حاولا ممارسة الحياة الزوجية الطبيعية لم يجدا أفضل من جدران الأهرامات ساترا لهما حتى وقعا في قبضة بوليس الآداب وتم فضحهما، بينما في حقيقة الامر كان الفقر وسوء أحوال البلد هما الفضيحة الأكبر، وتتوالى الأحداث.
هذه الرواية قام السيناريست الكبير “مصطفى محرم” بتحويلها لفيلم سينمائي عام 1986 من إخراج “عاطف الطيب”، الذي قدم في نفس العام فيلمي “البرئ، وملف في الآداب”، وهذا العام – كما كتب ناقدنا الراحل علي أبوشادي في كتابه “وقائع السينما المصرية في مائة عام” – تم عرض 95 فيلما سينمائيا، وهو أعلى رقم وصلت إليه السينما المصرية في تاريخها، ويمثل ذروة الخط البياني لتزايد سينما المقاولات.
وظهر فى هذا العام 10 مخرجين جدد هم “حسن سيف الدين، كمال عيد، عثمان شكري سليم، يوسف أبوسيف، شريف حموده، محمد أباظة، هاني ريان، محمد أبوسيف، أحمد الخطيب، ناجي أنجلو، عبدالعليم زكي” وقدموا جميعا مجموعة من أفلام المقاولات.
وتم عرض عدد من الأفلام المتميزة عام 1986 التى تمثل علامات في تاريخ مخرجيها، فقدم خيري بشارة “الطوق والأسورة”، ورأفت الميهي “للحب قصة أخيرة”، ومحمد خان “مشوار عمر، وعودة مواطن”، وعلي بدرخان “الجوع”، وصلاح أبوسيف “البداية”، وتنتمي هذه الأفلام بدرجة أو بأخرى – ما عدا البداية – إلى تيار السينما الواقعية الجديدة التى ترسخت في الثمانينات.
شهادة نجيب محفوظ
حسب شهادة “نجيب محفوظ” نفسه كان “الحب فوق هضبة الهرم” من المعالجات السينمائية الجيدة التى لم تستغل النص الأدبي لأسباب لا تمت للآداب أو الفن بصلة، بل حولت القصة الأدبية إلى عمل سينمائي متميز”.
محمد هاني وحديث ذو شجون
يحكي الكاتب الصحفي الكبير “محمد هاني” قصة الفيلم فى كتابه “الطيب” عن المخرج “عاطف الطيب” فيقول: مرة أخرى يواصل “عاطف الطيب” معالجته لهموم الطبقة الوسطى، من خلال مشكلة خاصة تكشف واقعا عاما في فيلمه الخامس “الحب فوق هضبة الهرم”، إنه هنا يتعامل للمرة الأولى مع نص لـ “نجيب محفوظ” وضع له السيناريو والحوار “مصطفى محرم” الذي استطاع أن يحافظ – رغم تحفظ بعض النقاد – على شاعرية ونبل وشجن الحالة القصصية لـ “نجيب محفوظ” ويضيف إليها حوارا سينمائيا ساخنا من مرارة الواقع.
الفيلم بطلاه شاب وفتاة يعملان في مصلحة حكومية ـ أحمد زكي وأثار الحكيم ـ يرتبطان عاطفيا ويقرران الزواج، ولكن حلمهما المشروع يصطدم بضآلة الإمكانات المادية، ورغم ذلك فإن أسرة الفتاة توافق مرغمة على إعلان خطبتهما، ولا تتوقف الأمر في الوقت نفسه عن الإلحاح بقسوة على خطيب ابنتها للحصول على شقة الزوجية، ولكنه لا يستطيع.
وفى اللحظة التى يصبح فيها الاختيار حتميا بين اغتيال العاطفة الرقيقة أو التمسك بالحلم المستحيل يقرر الشاب والفتاة الزواج سرا، ويتحول ارتباطهما الشرعي إلى قوة ضاغطة على مشاعرهما التى أشعلها الحرمان، وعبثا يحاولان العثور على مكان يجمعهما معا، وفوق هضبة الهرم يسعيان للحظة خلوة بعيدا عن مرارة الواقع، ولكن الشرطة تلقي القبض عليهما بتهمة ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام.
المشكلة الخاصة للشاب والفتاة تتحول إلى ضوء كاشف لأزمة الشباب الاقتصادية عندما يقدم السيناريو شخصيات أخرى استطاعت أن تحل مشكلتها المادية، ولكن بعد أن دفعت الثمن، فشقيقة البطل توافق على الزواج من السباك – نجاح الموجي – الذي لا تربطها به أي عاطفة لمجرد أنه قادر على توفير حياة مستقرة لها، والصديق – أحمد راتب – يبيع شبابه لأمرأة عجوز ثرية “سعاد حسين” تمنحه ولو وهما مستوى معيشيا ظل عاجزا عن تحقيقه، وهناك أيضا الجارة الفقيرة التى حلت مشكلتها عن طريق مصاحبة الأثرياء.
ومن إدانة المتغيرات الاقتصادية التى وضعت الشباب المتعلم وأبناء الطبقة الوسطى فى أسفل الهرم الاجتماعي، يقف الفيلم في مواجهة مباشرة وصريحة مع الإعلام المضلل السلبي، والسلطة الدينية العاجزة عن إيجاد حل حقيقي، والتى تكتفي باستشهادات من نصوص دينية دون أن تربطها بالسياق الواقعي.
فالبطل في ذروة أزمته يسعي لمقابلة الكاتب الصحفي – صلاح نظمي – طالبا حلا لمشكلته، ولكنه يكتشف أن ما يكتبه مجرد كلمات رنانة وأنه منعزل تماما عن الواقع مكتفيا باستهلاك عبارات عن التفاؤل، وحين يسأل البطل شيخ الجامع عن حل لمشكلته يردد له الحديث الشريف: ” من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم”، ويسأل الشاب سؤلا منطقيا: ومن لم يستطع الصوم ولا تحمل نفقات الزواج؟! فلا يجد إجابة!!.
……………………………………………………………………………………………..
سامي السلاموني يصف ليلة عرض الفيلم في” كان”
من بين أكثر من 300 فيلم على مستوى العالم شاهدها “بيير هنري ديلو” المسئول في “مهرجان كان” عن برنامج “نصف شهر المخرجين”، اختار “الحب فوق هضبة الهرم” ليعرض في “مهرجان كان”، وذلك ضمن 18 فيلم فقط من كل دول العالم تعرض على مدى تسعة أيام.
وفي ليلة عرض الفيلم كانت القاعة الكبرى للقصر القديم للمهرجان والتى تتسع لثلاثة آلاف مقعد قد شهدت أهم أفلام العالم على مدى 35 سنة ممتلئة عن آخرها بالفعل ولا موضع لقدم فعلا، وكان واضحا أن هناك اهتماما مؤكدا لدى كل من فى “كان” بمشاهدة فيلم مصري آخر لشاب جديد غير معروف، وليس هو “شاهين” أو “صلاح أبوسيف” اللذان لا يعرف العالم غيرهما، لأننا لم ننجح للأسف في تجاوزهما على مدى ثلاثين سنة.
واحتشد كل المصريين فى “كان” خلف عاطف الطيب” حتى ” يوسف شاهين” الذي كان غارقا فى الاختمام بفيلمه “وداعا بونابرت” الذي كان يعرض في نفس الوقت، حرص على أن يذهب ليعانق تلميذه ويقف إلى جانبه، وقال: ضحيت شخصيا بفيلم المسابقة الوحيد الذي فاتني “جوشوا بين الحين والآخر” رغم أنه عن اليهود لأشهد هذه اللحظة التى كادت تبكيني فرحا وبلا مبالغة.
وقف “بيير هنري ديلو” مسئول البرنامج على المسرح ليقدم الوفد المصري: عاطف الطيب، ومصطفى محرم، وعبدالعظيم الزغبي، وآثار الحكيم، وسناء منصور” وقال في تقديمه لـ “الحب فوق هضبة الهرم”: إن هذا هو يوم مصر ففي الصباح شاهدنا فيلم ” وداعا بونابرت” ليوسف شاهين، والآن نشاهد فيلما مصريا آخر لمخرج شاب.
وضجت القاعة بالتصفيق، وقدم “عاطف الطيب” فيلمه بكلمة قصيرة قال فيها: إنه يسعده أن يشترك بفيلمه في “مهرجان كان”، وإنه يتمنى أن يعجب الحاضرين، وتحدثت “آثار الحكيم” فكان أداءها مشرفا كنموذج للفتاة المصرية الجديدة، وهى تقول بإنجليزية جيدة أنها حضرت مهرجانات كثيرة من قبل، ولكن هذه أول مرة لها في “كان”، وهو عالم مختلف تماما يسعدها أن تشترك فيه، ثم نبهت الحاضرين إلى أن شكلها في الفيلم ربما بدا مختلفا لأنها عندما صورته كانت تطلق شعرها بشكل معين”، وضحك الحاضرون للملاحظة اللطيفة، وبدأ العرض وأمسكت قلبي بيدي خوفا من رد فعل الجمهور الأجنبي إزاء سينما مصرية.
لاحظت أولا أن كل اللبنانيين الموجودين في “كان” لسبب أو لآخر كانوا في القاعة، وكانوا متحمسين جدا للآثار الحكيم، وعاودتهم “الصهللة” العربية وهم يسمعون لأول مرة في مكان كهذا شخصيات مصرية وحوارا كله بالعامية المصرية، فكانت تعليقاتهم بالعربية مسموعة بين وقت وآخر، وكان للجو كله مذاق خاص وحميم ومفرح بين مئات الأجواء واللغات التى غرقنا فيها طوال المهرجان.
المهزلة كانت في النسخة المهلهلة التى أرسلوها للعرض في أكبر مهاجان عالمي، فلا صوت ولا صورة، وشيئ متخلف جدا كنا نخفي عيوننا خجلا منه، والمنتج والمخرج يعتذران باستسلام قدري بأن هذه أحسن نتيجة تقدمها معاملنا، وكأننا سنظل إلى البد نتحدث عن أسطورة معاملنا المستهلكة دون أن يتحرك أحد، في الوقت الذي يعرض مهرجان “كان” أحسن مستويات الصورة والصوت حتى من بنجلاديش، ولم تعد هناك مشكلة معامل في العالم كله، أما الترجمة الفرنسية على النسخة فكانت مهزلة أخرى، فهى متأخرة دائما جملتين على الأقل عن الحوار العربي، وعبارات هامة كثيرة لم تترجم أصلا وببساطة غريبة، حتى أن الترجمة اختفت مرة عدة دقائق كاملة فضج الجميع بالإحتجاج، فما الذي جرى أيضا لعم “أنيس عبيد” وألم تمر هذه النسخة على أي حد قبل أرسالها إلى كان!!
……………………………………………………………………………………………..
بطاقة الفيلم
قصة : نجيب محفوظ
سيناريو وحوار : مصطفى محرم
تصوير : سعيد شيمي
مونتاج : نادية شكري
موسيقى : هاني مهنى
إنتاج : عبدالعظيم الزغبي
بطولة : أحمد زكي، أثار الحكيم، نجاح الموجي، حنان سليمان، أحمد راتب، أحمد خميس، صلاح نظمي، عدوي غيث، ناهد سمير، ناهد رشدي، فيفي يوسف، رندا، بدر نوفل،وسعاد حسين.